الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كيف يقوّض "البديل لأجل ألمانيا" ما تبقى من ولاية ميركل؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
كيف يقوّض "البديل لأجل ألمانيا" ما تبقى من ولاية ميركل؟
كيف يقوّض "البديل لأجل ألمانيا" ما تبقى من ولاية ميركل؟
A+ A-

هذه الخطوة التي وُصفت بالفضيحة دفعت كمريش إلى تقديم استقالته السبت الماضي. وسبق ذلك إعلان مفوّض الحكومة الألمانيّة لشؤون شرق ألمانيا كريستيان هيرته تقديم طلب الاستقالة من منصبه. وقبل يوم واحد، كان زعيم كتلة الحزب في برلمان تورينغن مايك مورينغ قد أعلن أنّه سيستقيل في أيار المقبل.

واقع صعب على أكثر من جبهة

كانت كرامب-كارنباور مناهضة لأيّ تحالف مع "البديل لأجل ألمانيا". لكنّ التصويت أظهر أنّها غير ممسكة بتوجّهات القاعدة الشعبيّة لحزبها، أقلّه على المستوى المحلّيّ. تقول الباحثة في "صندوق مارشال الألمانيّ" سودها دايفد-ويلب لموقع "فوكس" إنّ مسؤولي "الاتّحاد الديموقراطيّ المسيحيّ" يواجهون واقعاً جديداً على الجانب المحافظ حيث أنّ ربع الناخبين في ولاية تورينغن وبعض الولايات الأخرى صوّتوا ل "البديل لأجل ألمانيا" في الانتخابات.

معنى هذا الرقم أنّ حزب ميركل يفقد الناخبين الوسطيّين لصالح اليمين المتطرّف. للمرّة الأولى منذ الحرب العالميّة الثانية، يصل ليبيراليّ إلى رئاسة حكومة إحدى الولايات بمساعدة تصويت القوميّين المتطرّفين. يضاعف هذا الواقع الضغط على ميركل التي تبحث عن وريثها في منصب المستشارية. يضاف إلى ذلك أنّ حزبها حلّ ثالثاً في الانتخابات الأخيرة خلف "البديل" وحزب "دي لينكه" أو اليسار في تلك الولاية.



ستبقى كرامب-كارنباور في منصبها حتى يتمّ تعيين رئيس جديد للحزب، الأمر الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً يمكن أن يصل إلى نهاية السنة. علماً أنّه بالكاد مرّ 13 شهراً على تولّيها الرئاسة. وفيما "تأسّفت" ميركل لاستقالة "وريثتها"، تحدّثت الأخيرة عن أنّ الفصل بين منصبي المستشاريّة ورئاسة "الاتّحاد" هو الذي أضعف الحزب وهو اتّهام باطنيّ لميركل بأنّها تتحمّل مسؤوليّة في تراجع موقع الحزب وفقاً لمجلّة "بوليتيكو".

لكن لم تكن الرئيسة المستقيلة الوحيدة التي أضاءت على هذا الجانب. قال النائب من حزب "الاتّحاد" مايكل مايستر إنّ هذه "كانت المرّة الأولى في تاريخ الحزب التي بقي فيها المستشار (في منصبه) لكنّ قيادة الحزب تغيّرت" واصفاً هذا الواقع بأنّه صعب.


"معركة حول روح الفكر الألمانيّ المحافظ"

طالبت كرامب-كانباور بإجراء انتخابات جديدة في الولاية لكنّها لم تلقَ قبولاً من حزبها ممّا وسّع تآكل سلطتها. وواجهت مشكلة تقضي بإظهار نفسها بعيدة من ظلّ المستشارة، هي التي وُصفت ب "ميني ميركل"، وقد نتج عن ذلك، إبداء توجّهات محافظة أكثر من تلك التي تبنّتها ميركل كمسألة زواج المثليّين أو الامتناع عن التعبير عن موقفها بشأن الهجرة إلّا بالتلميحات. لكنّ هذا الواقع يرتبط بمشكلة واسعة لدى المحافظين الألمان أكثر من ارتباطه بشخصية وسياسات كرامب-كارنباور.

إنّها "معركة حول روح الفكر الألمانيّ المحافظ" وفقاً لمراسلة صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة في برلين كايت كونولّي. ويبدي المنضوون تحت مظلّة "اتّحاد القيم" وهي مجموعة يمينيّة محافظة منضوية في الحزب والمعارِضة لسياسات ميركل الوسطيّة انفتاحاً على مسألة التقرّب من "البديل" ممّا دفع بعض المسؤولين للدعوة إلى طردهم من الحزب. لكنّ مسؤولين حزبيّين آخرين قالوا إنّ استمرار "الاتّحاد" في تجاهل ناخبي "البديل" سحوّل هؤلاء إلى لعب دور الضحيّة.

من المتوقّع أن يترشّح لرئاسة الحزب منافسان سبق أن خسرا أمام كرامب-كارنباور وهما فريديرك ميرز من مجلس إدارة شركة "بلاك روك" الماليّة ووزير الصحة ينس سبان. ويؤيّد كلاهما سياسات أكثر يمينيّة خصوصاً في مسألة الهجرة. يبقى أرمين لاشيت رئيس حكومة ولاية شمال الراين-فستفاليا الأكبر سكّانيّاً مرشّحاً محتملاً حيث يعدّ الأقرب لخطّ ميركل.

قد يكون "البديل" على طريق توسيع شعبيّته غير مكتفٍ بما حقّقه خلال السنوات القليلة الماضية عندما أصبح أكبر حزب معرض وأوّل حزب يمينيّ متطرّف يدخل البوندستاغ منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية. لكنّه ليس الحزب الوحيد الذي يشكّل صداعاً ل "الاتّحاد"، بل يبدو حزب اليسار أيضاً في موقع متقدّم الأمر الذي يشتّت مراكز القوى في ألمانيا ويجعل التحالف الحاكم أكثر هشاشة. لهذا الواقع تداعياته على مرحلة ما بعد كرامب-كانباور وحتى ما بعد مرحلة ميركل.


تحدّيات التوفيق بين الماضي والحاضر

تذكر إميلي مانزفيلد من "وحدة الاستخبارات الاقتصاديّة" أنّ الاتّحاد المسيحيّ الديموقراطيّ يعيد اختراع نفسه بالنسبة إلى حقبة ما بعد ميركل محاولاً في الوقت نفسه المناورة داخل مشهد سياسيّ مجزّأ وتخطّي المشاكل الناجمة عن الصعوبات في بناء التحالفات. وأضافت في حديث إلى شبكة "سي أن بي سي" أنّ القضايا الأساسية التي سيدور النقاش حولها في حزب "الاتحاد" هي الهجرة والدفاع والسياسة المالية وموقع الحزب حول هذه المسائل إزاء "البديل" و "الخضر".

إذاً، يجد "الاتّحاد الديموقراطيّ المسيحيّ" نفسه أمام معضلات عدّة: عدم فقدان شعبيّته لصالح أقصى اليمين وأقصى اليسار، واستعادة سلطة قيادته على المستويين الوطنيّ والمحلّيّ. ويعلم الحزب أنّ استمرار انتكاساته سيؤثّر حكماً على التحالف مع "الاتحاد الاجتماعيّ المسيحيّ" في بافاريا إضافة إلى "الحزب الاشتراكيّ الديموقراطيّ". لكنّ المعضلة الأهمّ ليست سوى التوفيق بين تاريخ وحاضر ألمانيا بحسب الباحثة في الشؤون الأوروبية في "مركز كارنيغي" جودي دمبسي. لقد أمّنت ألمانيا مثالاً عن كيفيّة التعامل مع ماضٍ صعب، لكن في الوقت نفسه يواجه "الاتّحاد الديموقراطيّ المسيحيّ" أحزاباً منتخبة ديموقراطياً تتحدّى الإجماع الألمانيّ لما بعد الحرب العالميّة الثانية على نبذ التطرّف القوميّ.

فهل يجد وريث كرامب-كانباور حلّاً لهذه الإشكاليّة؟ أم يتحقّق ما توقّعه 48% من الألمان في استطلاع رأي حديث حول دخول حزب "البديل" الحكومة خلال العقد المقبل؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم