الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"بلفور" - "ترامب"... طريقة المواجهة ووعد الفلسطينيين البديل

المصدر: النهار
د. باسم عثمان كاتب وباحث سياسي
"بلفور" - "ترامب"... طريقة المواجهة ووعد الفلسطينيين البديل
"بلفور" - "ترامب"... طريقة المواجهة ووعد الفلسطينيين البديل
A+ A-

أتت مصطلحات ترامب، أثناء إعلانه عن الصفقة، لتؤكد رغبة إدارته بالانقلاب على النهج الدبلوماسي القديم للإدارات الأميركية السابقة، وانتهاكاً لحرمة المجتمع الدولي وقراراته، حين قال إن "رؤيتي من أجل السلام مختلفة تماماً عن الخطط السابقة... يجب علينا أن نصحّح الأخطاء التي ارتكبت في السابق".

ومع إعلان التفاهمات الأميركيّة -الإسرائيليّة المُسمّاة "وعد ترامب"، رسّمت الإدارة الأميركيّة عمليًا موافقتها على كافة السياسات والخطوات والمنظومات التي فرضتها "إسرائيل" على أرض الواقع في الضفّة الغربيّة منذ العام 1967، وهذا ما أيده مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأميركيّ، في لقاء مع شركة الأخبار الإسرائيليّة، عندما سألته المُذيعة: "هل يستطيع نتنياهو إعلان ضم هذه المناطق"؟ فأجاب: "هذا شأن إسرائيليّ، يسير بحسب قوانين إسرائيل وما يسمح به القانون الإسرائيليّ. ومن جانبنا، هذا كلّه شرعيّ، وتستطيعون إحالة القانون عليه وضمّه وفقًا لظروفكم، وما ترونه مناسبًا".

مهما كانت خطورة "صفقة ترامب - نتنياهو"، فإن الرفض الفلسطيني لها جماهيرياً ورسمياً ينتزع عنها شرعيتها، حتى لو أقدمت "إسرائيل" على الضم الفوري للأراضي الفلسطينية، وهذا أخطر ما يمكن أن تنفذه "إسرائيل" بشكل أحادي، فهو لن يغير من حقيقة أنها أراضٍ فلسطينية محتلة وفقاً للقانون الدولي

ومن الناحية القانونية الدولية لا تعني "صفقة القرن" شيئاً، فهي تشكل اعتراف دولة ما بالشكل الذي سيكون عليه شكل كيان آخر، فلا الولايات المتحدة ولا أية دولة أخرى تملك الحق في رسم أية صورة أو خارطة جغرافية خارج حدودها، ولا تملك الحق في إلحاق أراض إضافية لكيان آخر، لكن، ولغياب قوة التفعيل للقانون الدولي عن المشهد السياسي الدولي، بفعل تداخل المصالح وسيطرة مراكز القوى الدولية، هذا من جانب، ونكوص القضية الفلسطينية إلى أسفل أولويات سلم الاهتمام لبعض النظام الرسمي العربي، وتجليات الرهان على أوسلو واستحقاقاته على الحالة الفلسطينية بشكل عام وعلى النظام الرسمي الفلسطيني بشكل خاص، من جانب آخر، ستسعى أميركا بفرض إرادتها وإلى "قوننة" هذه الإرادة بحيث تصبح قانوناً ملزماً للإرادة الدولية، وهو ذات السيناريو الذي حصل مع وعد "بلفور"؟ فلا بريطانيا تملك الحق ولا الكيان الصهيوني يستحق، ومع ذلك، وبفعل مفرزات موازين القوى الإقليمية والدولية حينها، أصبح وعد "بلفور" متضمناً بصك الانتداب البريطاني على فلسطين الذي صدر باسم عصبة الأمم حينها، وأصبح شكله القانوني يوحي أن بريطانيا أصبحت "ملزمة" بحكم صك الانتداب بالعمل على إنشاء ما يسمى بـ"وطن قومي لليهود في فلسطين"، فما يحصل الآن: هو تمديد للإرادة الاستعمارية الدولية في ساحة القانون الدولي لتصبح هذه الإرادة "قانوناً"!!. ولتحقيق ذلك، سيعمد ترامب إلى محاكاة سيناريوات شبيهة بسيناريو خطى بلفور ويجعل من "وعده" حقيقة يعترف بها العالم، إما خوفاً أو مجاملة أو عجزاً، من خلال نفوذ قوة أميركا "الناعمة والخشنة" في ساحة المجتمع الدولي ليتبناها الأخير، واقعاً مفترضاً.

والتداخل الآخر بين "وعدي" بلفور وترامب، أن شرط النجاح لهما: هو في ضرورة تهميش قضية الشعب الفلسطيني، و"اختلاق" أولويات أخرى و"أعداء وهميين" للمنطقة وللعالم، ليتراجع الاهتمام بالقضية المركزية، ما يمكنهم من تمرير سياساتهم الاستعمارية، وقد بات واضحاً للجميع أن استعداء إيران ومحور المقاومة الوطنية تحت أي " شعار" كان، سيُفهَم على انه ترويج "لوعد" ترامب وسياسته، بهدف حرف البوصلة عن الصراع الرئيسي في المنطقة، وهو مع العدو الصهيوني وكيانه الاستيطاني.

طريقة المواجهة

نواجه ترامب بتقديم مبادرة مضادة "لصفقته"، يقوم بموجبها المجلس الوطني الفلسطيني بحل السلطة الفلسطينية وحكومتها المؤقتة، والإعلان عن أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين تحت الاحتلال، استناداً لقرار 67/19 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي ترتقي فيه فلسطين من كيان غير عضو إلى دولة غير عضو تحت الاحتلال، ويمكن الاعتماد على ما جاء في ديباجة القرار رقمالذي نص على "أن الجمعية العمومية، إذ تضع في اعتبارها أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أنيطت بها، وفقاً لقرار المجلس الوطني الفلسطيني، سلطات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين؛ وكما جاء في الديباجة: "وإذ تشير (الجمعية العمومية) إلى قرارها 181 (د2) المؤرخ 29/تشرين الثاني/ نوفمبر 1947..."، مما يمكن أيضاً القيادة الفلسطينية الطلب من مجلس الأمن استبعاد أميركا من أي نقاش يخص القضية الفلسطينية ومن التصويت على القرارات المتعلقة بها، بحكم كونها طرفاً في الصراع بعد اعترافها بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل سفارتها اليها، واتخاذها مواقف واجراءات عملية من خلال "وعد" ترامب من شأنها إضعاف الإرادة الدولية ومقاربتها لحل الصراع، وسيكون هذا الطلب مشروعاً بصفته القانونية، كون قرار "التقسيم" رقم 181 قد نص على وضع القدس تحت اشراف دولي خاص،وطالب جميع الدول بالامتناع عن أي عمل مخالف لنصوص القرار، وسيكون من المفهوم سياسياً وقانونياً، أن الحكومة المؤقتة الفلسطينية ستكون مرجعيتها قراراً دولياً، خلافاً للسلطة الحالية التي مرجعيتها اتفاقات ثنائية، مثل أوسلو والقانون الأساسي، أضف إلى ذلك، ما يتطلبه الأمر من منظومة من الإجراءات لتثبيت وضع الحكومة المؤقتة مكان السلطة، بعد تغطية هذا الانتقال عبر منظومة من التشريعات التي تحدد ولاية الحكومة المؤقتة وطريقة عملها ومرجعيتها

في هذه الحالة، نكون قد أسسنا لحقبة الانتقال السلس من حالة قانونية مفروضة ملامحها من خلال اتفاقية ثنائية (أوسلو) إلى أخرى يتم تحديدها من خلال قرار دولي مجمع عليه، وبهذا نقدم بديلاً دولياً وقانونياً مقابل وعد ترامب الأحادي، وسيكون الغطاء (سياسي وقانوني) لمنظومة التشريعات ومسألتي المرجعية والولاية القانونية لعمل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين تحت الاحتلال.

أما المجلس التشريعي الفلسطيني فيتم حله، - وهو بالأساس تم الإعلان عن حله سابقاً بفعل المناكفات والمضاربات السياسية -، بسبب تبدل الحالة القانونية التي كان يمثلها كمشرع للسلطة الحالية، التي لم تعد قائمة بتبدل الولايات القانونية بين الدولي والثنائي (أوسلو).

المقصود من هذه الخطوة هو تغيير الصفة القانونية التي يتسم بها الجسم التمثيلي الفلسطيني تغييراً حقيقياً على الأرض، ومن ثم التوجه للمحكمة الدولية والحصول على قرارات تؤيد هذا التحول والتغيير بملاحق قانونية.

الاستراتيجية الوطنية...

ان الموقف الفلسطيني العام موحد ضد "خطة ترامب"، وكل السبل للوحدة الوطنية والسياسية وإنهاء الانقسام سالكة سياسياً، ولكن المطلوب هو الذهاب عملياً نحو خطوات تزيل العقبات "المصطنعة" في طريق انجاز الوحدة، وهو قرار سياسي تاريخي يجب اتخاذه بتفعيل قرارات المجلسين (الوطني والمركزي)، وأهمية تحديد طبيعة العلاقة مع كيان الاحتلال، وإعلان دولة فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة 19/ 6 / 2012، هذا هو التغيير الوطني والسياسي المنشود في مهام السلطة القائمة، ولا يستقيم الحديث عن تغيير لبعض مظاهر العلاقة مع كيان الاحتلال، بحيث يمثل بشكل أو بآخر الاستمرار بـ"شراكة ما" معه، وحينها يفقد الشعب الفلسطيني بوصلته من جديد.

المسألة ليست اجتهاداً في "فقه" المصطلحات والمعاني، وليس كذلك في أولوية اتخاذ القرارات السياسية المناسبة، بل هو في ضرورة اتخاذها وتطبيقها، وليس التهديد بتطبيقها، خاصة وأن الظرف السياسي وموازين القوى الإقليمية والدولية تخدم بشكل او بآخر تلك "الصفقة".

إن تحديد طابع المرحلة الراهنة في الحالة الفلسطينية، يمثل الخطوة الرئيسية لبناء سبل وأدوات المعركة الشاملة بكل أشكالها، ولقطع الطريق على استمرار "الشراكة" مع سلطة الاحتلال، يٌنقل الواقع القائم وإرثه "المنتهية صلاحيته" إلى واقع جديد، من شأنه أن يفرض ذاته على المشهد الاقليمي والدولي قبل الفلسطيني.

استخلاص...

المعركة هي: هل فلسطين دولة تحت الاحتلال؟ أم تختصر القضية بسلطة فلسطينية مشتركة مع سلطات الاحتلال؟!، أن موازين القوى والرهان على الآخر وانتهاج السياسة الانتظارية، ليس في صالح الشعب الفلسطيني وقضيته، لان المواجهة مع صفقة ترامب حتمية، ولكنها تحتاج إلى خطوات عملية وسياسية وتاريخية قبل أن تصبح "حقيقة سياسية وإرادة دولية" وواقعاً مفترضاً.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم