الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

معظم الإعلام الأميركيّ يعاني أيضاً

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
معظم الإعلام الأميركيّ يعاني أيضاً
معظم الإعلام الأميركيّ يعاني أيضاً
A+ A-

منافسة غير متكافئة

لم تنافس وسائل التواصل الاجتماعيّ الإعلام التقليديّ في نشر الخبر وحسب. بل هي أعادت صياغة طريقة استهلاك المواطن للأخبار. تذكر الكاتبة في شؤون الذكاء الاصطناعيّ والتسويق الرقميّ نيكول مارتن أنّ زوّار مواقع التواصل سيقرأون مقالاً ل 15 ثانية أو أقلّ، وسيشاهدون الفيديو حتى حوالي 15 ثانية.

معنى ذلك تقلّص الوقت المخصّص للقراءة المعمّقة والتحليليّة للخبر، وهذا ما يؤمّنه جزء كبير من الإعلام التقليديّ. يؤدّي هذا الواقع إلى مضاعفة الصعوبات التي يواجهها هذا الإعلام لجهة جذب القرّاء بالتوازي مع تحدّي مواصلة العمل على نقل الخبر الموضوعيّ والمهنيّ. يحتاج ذلك وحده إلى مزيد من الجهد والوقت والموارد، للمنافسة في بيئة افتراضيّة لا تؤمّن أساساً ملعباً متوازناً للتنافس.

بحسب ما ذكرته مارتن في مجلّة "فوربس"، تملك الأخبار الزائفة فرصة الانتشار بشكل أسرع في عالم وسائل التواصل الاجتماعيّ. وفي حين يستغرق الإعلام التقليديّ وقتاً أطول للتأكّد من صحّة أيّ خبر قبل نشره، تكون وسائل التواصل الاجتماعيّ قد أثمرت مزيداً من الأخبار التي تحتاج للتدقيق. بعبارة أخرى، "الأخبار تحدث سريعاً الآن. قصة اليوم ستكون قصة منسيّة غداً".


من الموضوعيّة إلى الذاتيّة

يصعب إغفال آليّة ظهور الخبر أمام روّاد منصّات التواصل الافتراضيّ. تملك المنصّات السيطرة على نوع الأخبار التي يقرأها هؤلاء بعد أن يكون أصدقاؤهم قد ضغطوا على زرّ الإعجاب أو النشر. عمليّاً، يصبح الأصدقاء "مديري تحرير" ما نقرأه، وفقاً لمارتن. لكن ثمّة ما هو أبعد من ذلك.

في عالم التواصل الاجتماعيّ، يبرز ميل كسب الأصدقاء من ذوي التوجّهات السياسيّة والاجتماعيّة نفسها. يعزّز ذلك مفهوم "صدى الغرفة" (Echo chamber) التي يحبس فيها الشخص نفسه. فكما لا يسمع هذا الشخص سوى صدى صوته حين يتكلّم في غرفة مقفلة، كذلك، تشكّل بيئته الافتراضيّة صدى أو انعكاساً لتأكيد تصوّراته الأساسيّة. ينتج عن ذلك ترسيخ الفرد لأفكاره وعمله على حماية نفسه من الاطّلاع على أفكار أخرى. وكلّما طال هذا السلوك، امتنع الأفراد عن تقبّل رؤى مختلفة، وهو أحد أبرز العوامل التي تكرّس الاستقطاب.

لا يعني ذلك أنّ الإعلام التقليديّ بعيد من الانجرار إلى سياسة كهذه، لكنّ الضوابط التي تقيّد ميلاً محتملاً إلى هذا السلوك، غائبة بشكل شبه كلّيّ عن منصّات التواصل الاجتماعيّ. حتى بوجود هذه الضوابط، لم يسلم الإعلام الأميركيّ التقليديّ من لعبة التجاذب. دخلت وسائل الإعلام السائدة (mainstream media) في صراع مع الوسائل الإعلاميّة المحافظة الأمر الذي أفقد الإعلام التقليديّ جزءاً من بريقه لدى شرائح يمينيّة محافظة. والرؤية الإعلاميّة المشكّكة هي نظرة متبادلة بين ضفّتي الصراع السياسيّ في الولايات المتّحدة.

من بين الأسباب التي أدّت إلى تراجع دور الإعلام الأميركيّ إضافة أو بالارتباط مع تزايد الاستقطاب وتفضيل الإعلام الحزبيّ، هو تحوّل الإعلام إلى الذاتيّة بدلاً من الموضوعيّة وفقاً لدراسة أعدّتها مؤسّسة "راند" الأميركيّة وشملت تغطية للإعلامين المرئيّ والمكتوب منذ سنة 1989 وحتى 2017.


التحدّيات الماليّة والصحف-الأشباح

التحدّيات التي يواجهها الإعلام في نوعيّة المحتوى قد تبدو صغيرة نسبيّاً أمام التحدّيات الماليّة. لمواجهة هذه المشكلة، أطلقت الصحافة الغربيّة والأميركيّة بغالبيّتها الساحقة عصر المحتوى المدفوع لتعويض تراجع حجم الإعلانات التي باتت أسهل وأرخص، والأهمّ أكثر فاعليّة، على الشبكة العنكبوتية. لقد تراجع دور قطاع الإعلام كوسيط أساسيّ بين المعلِن والمستهلك. يبقى التعويض ولو الجزئيّ صعباً على أيّ حال.

وفقاً لمركز "بيو" للأبحاث واستطلاعات الرأي، تبقى مداخيل خرّيجي كليّات الإعلام في الولايات المتّحدة أقلّ بكثير من مداخيل خرّيجي الكلّيّات الأخرى. وأظهرت دراسة أخرى في نيسان 2018 أنّ نسبة التوظيف في غرف الأخبار انخفضت 23% خلال العقد الماضي، أي ما يساوي خسارة 23 ألف وظيفة. وكانت الخسارة كبيرة أيضاً في عالم الصحافة.

أظهر تقرير لصحيفة "فايننشال تايمس" في شباط 2019 أنّ الولايات المتّحدة وفي 15 سنة، خسرت 1800 صحيفة من بينها ما هو تاريخيّ واستطاع تخطّي أزمة الكساد سنة 1929. ومن بين الصحف الناجية، تحوّل عدد كبير إلى صحف "شبحيّة" ذات مضمون متدنّ وإعلانات متنوّعة على صفحاتها القليلة. واليوم هنالك بين 1000 إلى 1500 صحيفة أميركيّة ينطبق عليها هذا التوصيف.

كذلك، تراجع عدد العاملين في الصحافة الأميركيّة من 412 ألف شخص سنة 2001 و 174 ألفاً سنة 2016، أي بما يزيد عن عدد من فقدوا وظائفهم في مجال استخراج الفحم. وأنقذ أثرياء في السنوات الأخيرة مهتمّون بهذا المجال صحفاً مثل "واشنطن بوست" و"لوس أنجيليس تايمس" وغيرهما. لكنّ آخرين يشترون الشركات الإعلاميّة المتعثّرة من أجل أهداف استثماريّة بحتة. وخسرت المناطق الريفيّة حوالي 500 صحيفة منذ 2004، ولهذه الخسارة تأثير على الأشخاص الفقراء والأقلّ تحصيلاً للعلم.


مفارقة أميركيّة

الأرقام السيئة بالنسبة إلى الإعلام الأميركيّ تكاد لا تنتهي. سنة 2019 تحديداً كانت سيّئة على المستوى الإعلاميّ. وفقاً لأرقام موقع "بيزنس إنسايدر" فقد 7800 شخص وظائفهم الإعلاميّة السنة الماضية وحدها. ولمعرفة حجم الخسارة، فقدَ 5000 عامل في مجال الإعلام وظائفهم على امتداد الفترة بين 2014 و 2017.

وعلى المستوى المحلّيّ تبدو الأرقام صادمة. بحسب "معهد بروكينغز"، بات 65 مليون أميركيّ يعيشون في مناطق تتمتّع بصحيفة واحدة أو لا تتمتّع بأيّ صحيفة على الإطلاق. ووسائل الإعلام الإلكترونيّة لم تكن أفضل حالاً. تخلّت مواقع "بازفيد" و "فايس" و "هافنغتون بوست" و "غانت" عن آلاف الموظفين السنة الماضية.

ربّما هي مفارقة الإعلام في الولايات المتّحدة. نسبة البطالة انخفضت إلى مستويات قياسيّة السنة الماضية بينما ارتفعت نسبة البطالة الإعلاميّة إلى مستويات قياسيّة أيضاً في الفترة نفسها. فهل تؤرق هذه الأرقام المهتمّين بحيويّة الإعلام وضرورته لانتظام العمل الديموقراطيّ والرقابيّ؟ أم أنّ المراقبين لا يزالون متفائلين بخصوص مستقبل إعلامهم؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم