السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

شعبيّة شي جينبينغ على المحكّ في مواجهة "كورونا"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
شعبيّة شي جينبينغ على المحكّ في مواجهة "كورونا"؟
شعبيّة شي جينبينغ على المحكّ في مواجهة "كورونا"؟
A+ A-

يتمتّع شي بصلاحيّات واسعة النطاق لا تستثني الشؤون المحلّيّة. يقول المحاضر السابق في جامعة تسينغهوا الصينيّة وو كيانغ لصحيفة "فايننشال تايمس" البريطانية: "كان الجميع – من الحكومة المركزيّة إلى الحكومة المحلّيّة إلى البيروقراطيّة إلى الحزب إلى الجيش – ينتظرون الأوامر من ‘القائد الأعلى‘ قبل التصرف."

الفرق مع سلفه ورئيس وزرائه

سياسيّاً، يريد شي الفوز في أيّ مقارنة مع سلفه هيو جينتاو في التعامل مع الأوبئة. استلم الأخير الرئاسة الصينيّة في آذار 2003، حين اعترفت بيجينغ بانتشار فيروس "سارس"، علماً أنّ الفيروس بدأ ينتشر في نهاية عهد سلفه جيانغ زيمين. لا يرغب شي اليوم في تكرار تجربة 2002-2003 في وقت وصل عدد الإصابات بالفيروس إلى حوالي 28 ألفاً داخل الصين، والوفيات إلى 630.

لا يزال "كورونا" أقلّ فتكاً من "سارس" (حوالي 2.2% مقابل 11%) لكنّ سرعة انتشاره أكبر بكثير. وهذا ما يحمّل شي مسؤوليّة أكبر أمام العالم ويجعل تطوّر المرض أكثر ارتباطاً بسلوك الرئيس والحزب الشيوعيّ الصينيّ بالنسبة إلى المراقبين. وبدأ بعض هؤلاء بالتشكيك في كيفيّة إدارته للمعركة مع الفيروس. فهو على عكس هيو، كما على عكس رئيس وزرائه لي كيانغ، لم يقم بزيارات ميدانيّة للأطبّاء والمرضى.


حسابات

مراسلة صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة في بيجينغ ليلي كوو أشارت إلى أنّ آخر ظهور مرتبط ب "كورونا" للرئيس الصينيّ كان في 28 كانون الثاني حين استقبل المدير العام لمنظّمة الصحّة العالميّة في بيجينغ قائلاً إنّه "يقود شخصيّاً" المعركة ضدّ التفشي. لكنّ القيادة كانت "عن بعد" وفقاً لطريقة عرض الإعلام الصينيّ للموضوع.

ونقلت عن بروفسور القانون والسياسة في جامعة فوردام الأميركيّة كارل مينزنر إنّ شي استثمر كثيراً في صورته واكتسب لقب "قائد الشعب". وتوقّع أن يؤذي الفشل في معالجة هذه المسألة علناً صورته الشعبيّة. أمّا البروفسور المشارك في الجامعة الصينيّة في هونغ كونغ ويلي لام فكان له تفسير لسلوك شي: "إذا تحسّن الوضع، فسينسب الفضل له. وإذا ساء فسيلقى اللوم على لي كيانغ."

"غريزة"

قد تكون هذه الأفكار واردة فعلاً في حسابات الرئيس الصينيّ. لكنّها ليست بلا قيود. حين أتى الرئيس شي إلى الحكم سنة 2012، أطلق عمليّة شاملة للتخفيف من اللامركزيّة التي شهدتها الصين خلال العقود الماضية. في حديث إلى "نيويورك تايمس" يقول الديبلوماسيّ الأميركيّ السابق دايفد كوهيغ الذي مثّل بلاده طوال عشر سنوات في الصين، إنّ تلك البلاد "هي مكان أكثر لامركزيّة بكثير ممّا يبدو عليه."

بالفعل، من أبرز الخطوات التي سارع إلى تنفيذها بعد استلامه مقاليد الحكم، إنقاذ الحزب الشيوعيّ والصين من الإقطاعيّات الشخصيّة. وهذا يعني أنّ مواجهة "كورونا" ليست مسألة مركزيّة بشكل حصريّ. فالسلطات المحلّيّة مسؤولة أيضاً عن خطّة المواجهة. وسبق أن أوضح الكاتب السياسيّ المتخصّص في الشؤون الصينيّة دوغلاس بولوك ل "النهار" أنّ إخفاء الأمور عند المسؤولين من ذوي الرتب المتدنّية هو "غريزة" إضافة إلى أنّه يهدف لعدم إحراج رؤسائهم. معنى ذلك أنّ السرّيّة والتكتّم ليسا خطوة إراديّة في السلّم القياديّ الهرميّ الصينيّ بل هو مسار يصعب التخلّص منه عند محطّة أو أزمة واحدة بغضّ النظر عن وجود نيّة لذلك.


تناقضات

ثمّة أكثر من تناقض في مشهد الحكم الصينيّ يصعّب معرفة كيفيّة تقسيم العمل في مواجهة الفيروس، وانعكاس هذا التقسيم على شعبيّة الرئيس الصينيّ. يظهر ذلك في ما قاله الباحث البارز في معهد "لوي" الأوستراليّ ريتشارد ماكغريغور والباحث المستقلّ في السياسات الصينيّة رونغ جيان ل "نيويورك تايمس". ماكريغور أشار إلى أنّ ما يميّز الصين هو "قدرتها على تحريك الوكالات والموارد أسرع من أي طرف آخر. الجانب الآخر هو قدرتها على إخفاء الأشياء."

التناقض الآخر يظهره جيان على الشكل التالي: "لأنّ شي بالتحديد قويّ للغاية، تبرز المشاكل السياسيّة غالباً – لا أحد يجرؤ على عدم الموافقة، ويتمّ اكتشاف المشاكل في وقت متأخّر جدّاً."

التحدّي الأكبر اليوم أمام شي قد لا يكون مرتبطاً فقط بتفشّي فيروس كورونا. تبنّي الرئيس الصينيّ تقييد اللامركزية وجمع السلطات بين يديه لهما أثمان سياسيّة من بينها تراجع القدرة على تحميل المسؤوليّة لرئيس الوزراء أو للسلطات المحلّيّة. وشاءت الصدف أن يتفشى الفيروس الجديد بعد سنوات قليلة على تعديل القوانين التي كانت تحدّ حكم الرئيس بولايتين تمتدّ الواحدة منهما لخمس سنوات. هذا الإجراء الذي أقدم عليه سنة 2017 عنى على الأرجح أنّه باقٍ في الرئاسة لمدى الحياة.

"الناس يلومونه"

مع توسّع الصلاحيّات تتوسّع المسؤوليّات أيضاً. لهذا السبب، يميل البعض إلى الاعتقاد بأنّ شعبيّة شي تتآكل.

هذا هو "انطباع" بروفسور العلوم السياسيّة والسياسات الصينيّة في جامعة كولومبيا الأميركيّة أندرو نايثان الذي عبّر عنه في تعليق ل "النهار".

"انطباعي أنّ أزمة الفيروس تقوّض بشدّة شعبيّة شي بين الناس العاديّين في الصين، لأنّ أعداداً كبيرة من الصينيّين يشعرون بأنّ الحكومة تعاملت بشكل سيّئ معه، مُخفية معلومات، مستخدمة مستويات غير عقلانيّة للتحكّم في التنقّل، منزلة الضرر عوضاً عن حماية صحة الناس ومصالح شخصيّة أخرى."

لكن ماذا عن حجم الاستجابة التي أبدتها الصين ردّاً على تفشّي الفيروس؟

بالنسبة إلى نايثان، "الدولة قادرة على استجابة طوارئ ضخمة لكنّها ليست استجابة طارئة مدروسة جيّداً ومراعية تحترم حاجات الناس ومصالحهم أو منطقهم في الدفاع عن أنفسهم. وبما أنّ شي مَركزَ الكثير من السلطة، يلومه الناس."


حدود

حتى بالنسبة إلى المراقبين الذين يرون أنّ شي لن يتضرّر في حال ساءت الأمور أكثر، مثل بروفسور القانون والسياسات الصينيّة المعاصرة في جامعة ييل تايسو شانغ، ثمّة حدود لهذه الحصانة.

يشير شانغ في مجلّة "فورين بوليسي" إلى أنّ الصينيّين يثقون بالحكومة المركزيّة أكثر ممّا يثقون بالحكومات المحلّيّة ممّا يجعل السلطة في بيجينغ قادرة على رفع اللوم عن نفسها لو أرادت. لكن خلال "الأزمات الكبيرة، لا تستطيع الحكومة المركزيّة تحمّل السماح بانخفاض شديد في الثقة العامّة بالسلطات المحلّيّة". فهل يحافظ شي على هذا التوازن أم يؤيّد الذهاب نحو حسابات مربحة لكن قد تكون قصيرة المدى؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم