الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن العام 2019: مخارج الأزمة لا تزال ممكنة في حال صدقت نوايا الإصلاح

المصدر: "النهار"
التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن العام 2019: مخارج الأزمة لا تزال ممكنة في حال صدقت نوايا الإصلاح
التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن العام 2019: مخارج الأزمة لا تزال ممكنة في حال صدقت نوايا الإصلاح
A+ A-

لا شكّ أن الاختلالات البنيوية القائمة في لبنان حالياً جسيمة، لاسيما على صعيد القطاعين الخارجي والعام، إلا أن المخارج لا تزال متاحة وتحقيق سيناريو الهبوط الآمن لا يزال ممكناً، إذا تمّ اتخاذ خيارات وتدابير جذرية من واضعي السياسات. فالأرقام لا تزال قابلة للاحتواء إذا صدقت النوايا، وفي حال أُطلقت عجلة الإصلاحات الهيكلية بشكل ملائم، بإمكان لبنان أن ينتقل تدريجياً من حقبة الوهن الاقتصادي إلى حقبة الاحتواء التدريجي للمخاطر والتهديدات كشرط أساسي لأي نهوض اقتصادي منشود في المدى المتوسط إلى الطويل.

في هذا السياق، يشير بنك عوده في تقريره السنوي أنه يتعيّن على الحكومة الجديدة أن تواجه خمسة تحديات ماكرو اقتصادية رئيسية ألا وهي:

- تصحيح الاختلالات الخارجية التي تفاقمت نتيجة التراجع الملحوظ في حركة الأموال الوافدة في ظل شبه القيود المفروضة على حركة الرساميل الخارجية.

- تصحيح الاختلالات القائمة على صعيد المالية العامة التي تشكّل عنصر الهشاشة الأبرز حالياً في الاقتصاد الوطني.

- تصحيح الوضع النقدي مع التراجع المتوقع في احتياطيات مصرف لبنان في ظل الاحتياجات التمويلية الملحوظة بالعملات الأجنبية.

- تصحيح الأوضاع المصرفية مع ضرورة توحيد الإجراءات المصرفية بالترافق مع مزيد من التخفيض في معدلات الفوائد.

- إعادة النمو الاقتصادي وخلق الوظائف، بعد انتقال الاقتصاد الوطني حالياً من حلقة النمو المنخفض إلى وضعية الركود التي تؤثر على جميع قطاعات النشاط الاقتصادي.

ويفصّل التقرير هذه التحديات كالآتي:

"أولاً، في ما يتعلق بالتصحيح المطلوب على مستوى القطاع الخارجي: إن النموذج القائم على استدامة العجز التجاري الملحوظ بالاعتماد على تدفقات الأموال الوافدة لم يعد قابلاً للاستمرار نظراً إلى التراجع الملحوظ في حركة التدفقات المالية. عليه، فإن الأولوية تكمن هنا في إعادة تحفيز التدفقات المالية الوافدة وخفض الواردات وتعزيز الصادرات. في الواقع، هناك إمكانية لتحقيق توازن في ميزان المدفوعات من خلال تخفيض حجم الواردات بنسبة 40% وزيادة الصادرات بنسبة 20% وذلك رغم فرضية التراجع في حركة الأموال الوافدة بنسبة تقارب 25% خلال العام الحالي. إن المطلوب هنا أولاً قوننة حركة الرساميل الخارجية في العام 2020، على أن يتم تحريرها تدريجياً بدءاً من العام 2021 إذا تحسّن عامل الثقة. لذلك من المهم إصدار قانون تشريعي يضبط حركة الرساميل ويتضمن وضع قائمة بالتحويلات الطارئة مع تحديد سقوف عليها، فرض قيود على استيراد السلع التي لها بدائل محلية الصنع، تسهيل تمويل استيراد المواد الأولية للإنتاج المحلي، بالإضافة إلى فرض قيود على التحويلات الخارجية للعمال الأجانب العاملين في لبنان. في موازاة ذلك، من الضروري اتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي على حساب الواردات من خلال تحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للاستيراد للحدّ من العجز التجاري القائم. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرات واستحداث برامج تحفيزية جديدة تتوجه نحو القطاعات التي تتمتع بنسب متدنية من الاستثمار إلى القيمة المضافة الناجمة عنه. كما وأن تشجيع الإنتاج المحلي يجب أن ينطوي على رفعٍ للرسوم الجمركية لحماية المنتجات المحلية، تـأمين حوافز ضريبية للمنتجين المحليين، دعم أكبر قدر ممكن من عملية استيراد المواد الأولية، ناهيك عن ترويج الإنتاج المحلي في الخارج مع التركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية.

ثانياً، إن تصحيح اختلالات المالية العامة أمراً ملحّاً جداً. إذ لا يمكن للبنان أن يحافظ على استقراره النقدي والمالي مع نسبة مديونية تصل إلى 153% من الناتج وهي ثالث أعلى نسبة في العالم، ومع نسبة في العجز المالي العام تناهز 8% من الناتج وهي بين العشر الأول في العالم، خصوصاً وأن النموذج القائم حول تمويل العجز المالي العام عن طريق نمو الودائع غير قابل للاستدامة مع انخفاضٍ صافٍ في الودائع المصرفية في العام المنصرم. من هنا ليس أمام الدولة خيار سوى تخفيض احتياجاتها التمويلية في المدى المنظور. بالتالي فإن التصحيح المرجو على صعيد المالية العامة يجب أن يتأتّى عن عدد من التدابير التي تتمحور بشكل خاص حول تقشف في الإنفاق العام، تعزيز تعبئة الموارد، مكافحة التهرب الضريبي، إصلاح قطاع الكهرباء، وتحقيق بعض الوفورات في خدمة الدين العام. إن المطلوب هنا البدء بتقشف جذري في الإنفاق العام من خلال تجميد الرواتب وتخفيض النفقات غير الثابتة (أي خارج الأجور والرواتب وخدمة الدين والتحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان) بنسبة لا تقلّ عن 20%. هذا بالإضافة إلى إصلاح قطاع الكهرباء عبر بناء محطات الطاقة اللازمة، وضمان الكهرباء على مدار 24 ساعة ورفع رسوم الكهرباء بنسبة 45% وتقليص الخسائر التقنية وغير التقنية، ما من شأن هذه العوامل مجتمعةً أن تساهم في تحقيق توازن في مالية مؤسسة كهرباء لبنان خلال فترة زمنية لا تتعدّى الثلاث سنوات. وينبغي أن يترافق ذلك مع خفض في نسب خدمة الدين في العام 2020، في حين يُعاود مصرف لبنان اكتتابه في محفظة سندات الخزينة بفائدة 1% في العام 2020. أما على صعيد الإيرادات، فإن المطلوب هنا من أجل تعزيز تعبئة الموارد، اتخاذ تدابير صارمة من قبل الحكومة الجديدة لمكافحة الفساد لكيّ يتم تقبّل أي اقتطاع ضريبي إضافي بشكل عام من قبل اللبنانيين. بموازاة ذلك، هناك حاجة ضرورية لسدّ ما لا يقل عن نصف فجوة التهرب الضريبي بين الأعوام 2021 و2024 (أي 1.0% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً). في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن نسبة تعبئة الموارد في لبنان لا تتجاوز 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل من متوسط البلدان النامية البالغ 30٪ ومتوسط البلدان المتقدمة البالغ 40%، ما يشير إلى القدرة على تعزيز هذه النسبة في لبنان ببعض النقاط المئوية. كما وأن هنالك مجال أيضاً لخصخصة بعض المؤسسات العامة مثل قطاع الاتصالات وطيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان بما يدرّ ما لا يقل عن 10 مليار دولار على الخزينة، أضف إلى ذلك الإيرادات الإضافية جراء بيع بعض موجودات القطاع العام من أملاك وعقارات، ما من شأنه أن يؤدي إلى اقتطاع جزئي في مخزون الدين العام وبالتالي تحقيق وفورات موازية في خدمة الدين. من هنا، وفي حال تمّ تنفيذ جميع هذه التدابير، من الممكن خفص نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 153% اليوم إلى ما يقارب 100% خلال خمس سنوات، وتحقيق صفر عجز في المالية العامة في حينه.

ثالثاً، إن دعم الوضع النقدي يعدّ ضرورياً للحفاظ على الاستقرار المنشود. على المستوى النقدي، هناك حاجة ملحّة لاحتواء تراجع احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية باللجوء إلى الدعم الخارجي. في الواقع، يقع على عاتق مصرف لبنان التمويل بالعملات الأجنبية لواردات لبنان من القمح والأدوية والبنزين ودفع الفوائد على سندات اليوروبوندز، إضافةً إلى تمويل شراء المشتقات النفطية لمؤسسة كهرباء لبنان، ما يشكل احتياجات تمويلية سنوية بالعملات الأجنبية بما يقارب 10 مليار دولار، وذلك على أساس فرضية مبادلة سندات اليوروبوندز المستحقة خلال العام بسندات أطول أجلاً. وبالتالي، من أجل سدّ هذه الفجوة لحين استعادة الثقة، يحتاج لبنان إلى اللجوء للدعم الخارجي. والمطلوب هنا تأمين التمويل من قبل صندوق النقد الدولي بما يقارب عشرة أضعاف حصة لبنان لدى الصندوق والبالغة 880 مليون دولار (أي 8.8 مليار دولار) والتي يتمّ دفعها على أساس فصلي بدءاً من العام 2021. أَضف إليه ما يمكن أن يتبع ذلك من تدفق لإيداعات خارجية لدى مصرف لبنان. في ظل هذا السيناريو، فإن احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية قد تتقلّص بشكل لافت في العام 2020 نتيجة تمويل كل من العجز العام وواردات لبنان من السلع الأساسية، ولكن من الممكن أن تعاود ارتفاعها بدءاً من العام 2021.

رابعاً، على صعيد القطاع المصرفي، إن توحيد المعايير والإجراءات المصرفية من قبل مصرف لبنان هي السياسة الملائمة التي تقع على عاتق السلطات المرجعية لحماية كل من المودعين والمصارف معاً في ظل الظروف التشغيلية الصعبة حالياً. إن هكذا خطوة تضمن الإنصاف والمساواة في الحقوق بين المودعين وتؤمّن في الوقت نفسه غطاءً تشريعياً مناسباً للمصارف اللبنانية، ما يُفترض أن يساعد القطاع المالي على مواجهة الأوضاع الشائكة الراهنة، بانتظار تحقيق خرق سياسي واقتصادي يساعد على تحسين عامل الثقة تدريجياً وضمان العودة إلى المسار الطبيعي. في الواقع، إن الحاجة الملحّة اليوم هي تنظيم العلاقة بين المؤسسات المصرفية وقاعدة زبائنها في ظل مناخ غير نمطي. في المقابل، لقد بات مطلوباً اليوم تخفيض معدلات الفوائد على الودائع المصرفية بشكل مهمّ هذا العام، في ظل القيود المفروضة على حركة الرساميل الخارجية، وذلك بما لا يقل عن 3% على الودائع بالليرة اللبنانية وعلى الودائع بالعملات الأجنبية، يرافقها تخفيض معدلات الفوائد على القروض المصرفية بنسب مماثلة إلى حدّ ما.

خامساً، يعدّ تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير الوظائف أمراً جوهرياً لملاقاة المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية في ضوء التظاهرات الشعبية التي اندلعت منذ منتصف شهر تشرين الأول. فقد بلغ معدل النمو الاقتصادي 0.2٪ في العام 2019 ومن المتوقع أن يكون سلبياً في العام 2020. إننا نتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي -2% هذه السنة، إلا أن هناك إمكانية لأن يرتفع تدريجياً مع تحقيق سيناريو الهبوط الآمن في غضون خمس سنوات شرط استعادة ثقة القطاع الخاص. إن تحليل دقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والقطاع المالي يشير إلى أن تعزيز نسب النمو الاقتصادي ممكن تقنياً في المدى المنظور، غير أنه يتطلب مناخاً سياسياً داعماً وإطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المرجوة لتحفيز الطلب على السلع والخدمات، وتعزيز التنافسية للاقتصاد اللبناني إلى جانب تحسين عامل الثقة بشكل عام. من هنا، فإن المفتاح الأساس يكمن في تحفيز الطلب الخاص لاسيما وأن الطلب العام عرضة للانكماش في سياق متطلبات التصحيح المرجو على صعيد المالية العامة. إن التحدي المحوري في سبيل تحفيز النمو الخاص يكمن في تحفيز الاستثمارات الخاصة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار له التأثير الأكبر على النمو الاقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعف الاستثمار بشكل عام. فلبنان بحاجة إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 2.5% سنوياً خلال السنوات القادمة وذلك من أدنى مستوياتها خلال عشرين عام والبالغة أقلّ من 20٪ اليوم. تجدر الإشارة إلى أن نمو الاستثمار يعزّز مكوّن العمالة في النمو الاقتصادي والذي يتطلّب خلق وظائف جديدة لاستيعاب أكثر من 30,000 لبناني ينضمون كل سنة إلى القوى العاملة في لبنان. في هذا السياق، تبرز معضلة خلق الوظائف في لبنان من بين القضايا الأساسية نظراً إلى أن معدل البطالة قد تضاعف ليتجاوز 25% مؤخراً. هذا ويرتبط تحفيز الاستثمار الخاص بتحسن بيئة الأعمال من خلال تخفيض التكاليف التشغيلية وتحسين سهولة مزاولة الأعمال في لبنان، بالترافق مع خفض معدلات الفوائد المرتفعة والتي كان لها ظاهرة استبعادية لافتة على الاستثمار الخاص خلال السنوات القليلة المنصرمة.

أخيراً، إن اعتماد وتطبيق سياسات تستجيب للمطالب الشعبية على كافة الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالترافق مع إطلاق عجلة الإصلاحات التي طال انتظارها، لا تزال قادرة على احتواء الاختلالات القائمة وعناصر الهشاشة في الاقتصاد اللبناني، وتوفير دعماً نسبياً للوضع المالي والنقدي، وتأمين الانتقال السلس من حقبة الوهن الاقتصادي إلى حقبة التحسن التدريجي في مستوى المعيشة عموما".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم