الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل ينسحب إردوغان من حلف شمال الأطلسيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل ينسحب إردوغان من حلف شمال الأطلسيّ؟
هل ينسحب إردوغان من حلف شمال الأطلسيّ؟
A+ A-

مسار التحوّلات

بدأ التحوّل التدريجيّ بعد سنة 2009 حين شرعت تركيا تبحث عن شركاء عسكريّين جديد، أكان في التدريبات والمناورات أو في سوق الأسلحة. وازداد التباين بشكل أوضح بعد الحرب السوريّة وبدء تدريب الولايات المتّحدة مقاتلين من "وحدات حماية الشعب" الكرديّة لمواجهة داعش. ولم ينفع إدماج الأميركيّين لمكوّنات عربيّة وإثنيّة مختلفة تحت راية "قوات سوريا الديموقراطيّة" في تهدئة أنقرة.

كانت سنتا 2015 و 2016 مفصليّتين في تاريخ تلك العلاقات. أسقطت تركيا مقاتلة روسيّة قالت إنّها خرقت مجالها الجوّيّ ولم تجد دعماً من حلفائها الأطلسيّين بحسب رأيها. والأمر نفسه انطبق على مواجهة الانقلاب في صيف 2016، حين كان الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أوّل رئيس أجنبيّ يتّصل بنظيره التركيّ رجب طيّب إردوغان من أجل الاطمئنان عليه.

التوتّرات الثنائيّة اليوم الناجمة عن شراء أنقرة منظومة "أس-400" الروسيّة، تجد جذورها في تلك التحوّلات المطّردة. يضاف إلى ذلك، أنّ تغيّر شكل الحكم في عهد رئاسة إردوغان والتضييق على الحرّيّات بحسب "منظّمة العفو الدوليّة" أدّى إلى تباعد أكبر في القيم بين أنقرة وبروكسل. ومع ازدياد الارتباط بين تركيا وروسيا المناهضة للناتو، تزداد المؤشّرات بالنسبة إلى بعض المراقبين عن قرب الطلاق بين أنقرة وبروكسل.

بعد كلّ هذا التطوّرات، دعا سياسيّون وكتّاب أميركيّون إلى إخراج تركيا من الناتو، علماً أن لا آليّة داخل الحلف تسمح ب "طرد" أي عضو من أعضائه. بالمقابل، يرى آخرون أنّ تركيا نفسها هي التي ستخرج منه أو على الأقلّ، ستواصل مسار ابتعادها عنه.

"خطوة ثوريّة"

خلال حديث إلى شبكة "بلومبيرغ" كانون الأوّل الماضي، تحدّث مدير برنامج الشرق الأوسط في "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة الأميركيّة" آرون شتاين عن وجود مسار في الابتعاد عن الغرب، قائلاً إنّه لا يرى مؤشرات عن أنّ أردوغان يريد عكس هذا المسار. ولفت النظر إلى أنّ الرئيس التركيّ يريد إظهار أنّ العلاقات العسكريّة مع الولايات المتّحدة والناتو مرغوب بها، لكنّها في الوقت نفسه لم تعد أساسيّة.

المُجاز في التاريخ الدوليّ من كلّيّة لندن للاقتصاد والعلوم السياسيّة كيفين براون ذهب أبعد من ذلك منذ يومين، وطرح عدداً من النقاط التي تفكّر تركيا بانعكاسها إيجاباً على مصالحها بمجرّد خروجها من الناتو. فهي ستتحرّر من القيود الغربيّة في تعاملاتها العسكريّة مع روسيا وفي تعاملاتها التجاريّة مع الصين. وأضاف براون في مؤسّسة "ذا ناشونال إنترست" أنّه وفقاً لتصميمات إردوغان الاستراتيجيّة، سيجعل الرئيس التركيّ بلاده تستفيد من موقعها التاريخيّ كنقطة توازن بين الشرق والغرب الأمر الذي يسمح لدولته بالاستفادة من كلا الطرفين. لهذه الأسباب، "لا يمكن استبعاد خروجٍ من الناتو كخطوة ثوريّة تالية بالنسبة إلى تركيا الجديدة". 

سلبيّات

لا جدال في أنّ هذه النتائج إن تحقّقت ستضيف مكاسب لأنقرة. لكنّ السؤال الأساسيّ أيضاً يتعلّق بالخسائر التي قد تتكبّدها تركيا أيضاً لو انسحبت من الحلف. فهي ستفقد قوّة عسكريّة كبيرة يمكن أن تساهم في الدفاع عنها لو تعرّضت لهجوم. صحيح أنّه من المنظور التركيّ، لم يقف الحلف مع أنقرة حين سلّح الأكراد، ولم يقف معها خصوصاً حين أسقطت المقاتلة الروسيّة، لكنّ الخروج من الحلف في وقت تسعى دول أوروبّيّة أخرى الانضمام إليه قد لا يكون مناسباً. حتى البديل عن هذا الحلف غير متوفّر أو واضح بالنسبة إلى الأتراك.

عمليّاً، ليس هنالك هيكليّة عسكريّة وسياسيّة دوليّة أخرى تضاهي الحلف الأطلسيّ، يمكن تركيا الانضمام إليها. وهذا ما قاله المدير الدوليّ ل "المعهد الملكيّ للخدمات المتّحدة" جوناثان إيال، في حديث لموقع "بيزنس إنسايدر" في تعليق على التحذير الذي أطلقه إردوغان في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمس" سنة 2018 حين قال إنّ بلاده قد تبدأ بالبحث عن أصدقاء جدد.

فالدخول إلى نادي "منظّمة شنغهاي للتعاون" (تركيا شريك حوار معها) ليس بديلاً حقيقيّاً عن "الناتو" أو حتى عن الاتّحاد الأوروبّيّ. والأهمّ في هذه المسألة على الأرجح، هو أنّ تركيا تتمتّع بنفوذ أكبر على الغربيّين داخل الحلف لا خارجه. وهي إذ تعلم أنّ لديها ثاني أكبر جيش في الناتو بعد الجيش الجيش الأميركيّ، تدرك أنّ الغربيّين لن يتخلّوا عن أنقرة بهذه السهولة. بالتالي، ستتمكّن تركيا من انتزاع تنازلات أطلسيّة أكثر حين تكون عضواً في الحلف. كذلك، لا تستطيع العلاقة مع روسيا تعويض العلاقة مع الأطلسيّ لأنّها هي نفسها غير مستقرّة.

"المجد لأوكرانيا"

اجتازت موسكو وأنقرة مسافة طويلة في توطيد العلاقة الثنائيّة. وصل الحجم التجاريّ بين البلدين إلى 25 مليار دولار سنة 2018، لكنّه لا يزال يحتاج إلى الوقت للوصول إلى ما كان عليه الأمر سنة 2012 حين وصل إلى 33 مليار دولار. وهذا ما اعترفت به وزيرة التجارة التركيّة روشار بيكان في تمّوز 2019. واجتاز الطرفان مسافة أطول في العلاقات العسكريّة مع صفقة "أس-400"، كما في مجال الطاقة مع انطلاق أعمال بناء أول محطّة نوويّة تركيّة في أكويو عبر اتفاق مع روسيا. لكنّ العلاقات في مجالات سياسيّة أخرى لا تزال غير مستقرّة.

تقدّم سوريا وليبيا مثلاً واضحاً، بما أنّ كلا الطرفين يدعم مجموعات متناقضة داخل البلدين. وإذا كانت الدولتان قد توصّلتا إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا، فإنّ التطوّرات الأخيرة في إدلب تظهر أنّ العلاقات مع روسيا هي على المستوى نفسه من الصعوبات التي تطبع العلاقة التركيّة-الأميركيّة. كذلك، حملت زيارة إردوغان إلى كييف في الثالث من الشهر الحاليّ وإطلاقه صرخة "المجد لأوكرانيا" القوميّة التي تستخدم دعماً للحرب ضدّ الانفصاليّين المؤيّدين لروسيا، الكثير من الدلالات في هذا السياق، بما أنّها مثيرة لحساسيّة موسكو.

ليس معنى ذلك، أنّ الخلافات الروسيّة-التركيّة في هذه الملفّات الحسّاسة ستفجّر العلاقات الثنائيّة. لكن ببساطة، لم تصل الروابط مع روسيا إلى الحدّ الذي يجعل تركيا تكتفي بالنفوذ الطامح إليه إردوغان إقليميّاً مع بوتين. بالمقابل، يحظى أردوغان بعلاقة إيجابيّة مع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الذي يخفّف من تشدّد الكونغرس إزاء أنقرة.

تؤيّد هذه المعادلة فرضيّة بقاء تركيا في الناتو... أقلّه في المدى المنظور.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم