الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

التكنولوجيا... ربح وخسارة

المصدر: النهار
مها العمر
التكنولوجيا... ربح وخسارة
التكنولوجيا... ربح وخسارة
A+ A-

استوقفني البارحة إعلان لجريدة النهار.

جريدة لطالما رافقتني مع قهوتي الصباحية، أتحسس ورقها، أقلب صفحاتها، أقرأ مقالاتها وكلي ثقة بآراء كتابها.

أفكار وتحليلات أنارت عقولنا حررت بالحبر على الورق.

اليوم..وفي زمن التكنولوجيا، جريدة النهار التي قدمت الدم بحاجة إلينا للتبرع بالحبر.

تذكرت مقالاً كنت قد قرأته في مجلة أجنبية منذ زمن بعيد تنبأ فيه الكاتب بأنه سيأتي يوم تنقرض فيه الكتب والمجلات والصحف.

يروي المقال قصة طفل في العاشرة من عمره.

وجد بالصدفة وهو يلعب في منزل جدته بشيء غريب. حمله بإعجاب وراح يسأل جدته عن فحوى هذا الشيء.

جلست الجدة وراحت تشرح له بهدوء أن ما وجده هو كتاب من ورق وحبر وصور.

تطرقت في شرحها إلى أنه في زمنها كان الأولاد يذهبون إلى مبنى كبير يدعى ..المدرسة.

هناك كانوا يجتمعون في الصف على مقاعد خشبية يصغون إلى الأستاذ وهو يشرح لهم الدروس، يدونون بالقلم على الورق، يقرأون في الكتب ويقدمون الامتحانات أيضاً بالحبر والورق.حتى إنهم كانوا يجتمعون في فترة الاستراحة في ملعب كبير، يمارسون فيه شتى إنواع الرياضة والألعاب التي لم تعد موجودة (اللقيطة، القاموع، المستخباية، والعفريتة).

حزن الطفل كثيرا لدى سماعه قصة الكتاب وما رافقها هو الذي يعيش في زمن لم يعد للمدرسة وجود ولا للعب مع الرفاق وجود، ولا للمشاركة وجود. زمن صارت فيه الآلة تحتل مكان الإنسان، يدرس ويقدم الامتحانات من خلالها، زمن استغنت فيه البشرية عن المدرسة والأستاذ، عن الرفاق والكتب .

تنبأ كاتب المقال بكل هذا في الستينيات

يوم لم يكن للتكنولوجيا وجود....

اليوم وصلنا إلى زمن الحاسوب والهاتف الذكي وكثير من الوسائل الأخرى...

مع تقديري الشديد لكل ما قدمه العلم في هذه المجالات من أجل تسهيل حياة البشر، إلا أنه أثر سلبياً من ناحية العلاقات الإنسانية.

كانت العائلة تجتمع وتتحاور بجو من الألفة

أرى اليوم الاهل والأولاد في انفصام تام.

كل في عالمه الخاص مع هاتفه

كان الجار يحيي الجار والناس تهتم لرؤية بعضها.

اليوم ...لم يعد أحد يلاحظ أحداً.

في السيارة..على الطريق..في المحلات التجارية..في المطاعم..

حتى في البيت الواحد... كل في غرفته مع آلته...

آلة ليس لديها مشاعر ولا أحاسيس...بات الجميع عبيداً لها.

أنا ما زلت أريد التفاعل مع أخي في الإنسانية.

أريد أن أحب وأثور، أغضب وأفرح أحزن وأتفاعل مع الأخوة والأصدقاء.

مع البائع والعامل في الطريق مع كل الناس من حولي.

لا أريد أن أرى نظرات بلهاء شاردة كلما حييت أحدهم.

لا أريد لأحفادي أن يكفوا عن اللعب والضحك مع رفاقهم ولا أن يشعروا بالوحدة في غرفهم.

أود أن أسمع قهقهاتهم وهم يختبئون وراء الستائر ويقفزون على الأسرة..

أما أنا فسأبقى وفية لكتابي بكل حواسي

أقلب صفحاته بطرف أصابعي

ألمس ورقه... أستمع إلى حفيفه... وأشم رائحة حبره

وللنهار أقول:

معك... وسنبقى

فنجان القهوة لا يحلو من دونك...


..

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم