الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

فلتتحمّل السلطة مسؤوليّة "العنف القليل" قبل "العنف المحتمل الكثير"

عقل العويط
عقل العويط
فلتتحمّل السلطة مسؤوليّة "العنف القليل" قبل "العنف المحتمل الكثير"
فلتتحمّل السلطة مسؤوليّة "العنف القليل" قبل "العنف المحتمل الكثير"
A+ A-

مقدّمة لا بدّ منها: هذا العنف ليس كلّه بريئًا. ولكنْ.

جسم الموضوع: هذا العنف ليس سببًا. إنّه نتيجة. فهو نتيجة سياسات النهب والسرقة والإفقار والتجويع والإذلال والتيئيس التي تتعرّض لها الغالبيّة العظمى من الشعب اللبنانيّ، على يد سلطته الغاشمة. ثمّة اقتناعٌ بأنّ ما يشهده لبنان اليوم من تدهورٍ غير مسبوق، على السمتويات كافّةً، لهو أمرٌ منطقيٌّ جدًّا، وواقعيٌّ جدًّا. بل طبيعيٌّ جدًّا. وأكثر من جدًّا. وللغاية. السبب هو هذه السلطة بالذات، بل الطبقة السياسيّة برمّتها.

أنا مقتنعٌ بأنّ ما يحدث من انتفاضٍ، ومن تمرّدٍ، ومن عنفٍ، كان ينبغي له – منطقيًّا - أنْ يحدث قبل الآن. قبل الآن بكثير.

أنا مقتنعٌ أيضًا بأنّنا مُقبِلون على زمنٍ قد يُشهَد فيه ما يمكن أنْ أسمّيه العنف الأقصى، العنف العاري، أي العنف غير القابل للوصف، وهو الذي تحدّثت عنه "الكتب" وأوردت أنّه "يبشّر" (ينذر) بالويل والثبور وعظائم الأمور.

أنا مقتنعٌ بهذا تمام الاقتناع، وأقول متداركًا: عجبًا، بل العجب العجاب كيف أنّ هذا الذي يحدث الآن، لم يحدث قبل الآن!

أنا مقتنعٌ بأنّ هذا العنف البدائيّ، الأوّليّ، التمرينيّ، ليس هو العنف. ولا هو ظلّه. ولا شظاياه.

صدِّقوني: البوصلة المجتمعيّة تسجّل الوقائع كما هي، بدون زيادةٍ ولا نقصان. هذه البوصلة "تتنبّأ" أيضًا، إذ تُرِي بعض المؤشّرات إلى ما نحن مقبلون عليه. وهي مؤشّراتٌ لا شيء يكبح جموحها الجنونيّ، وخصوصًا إذا تداخلتْ، وتراكبتْ، مع معطياتٍ متشابكةٍ، معقّدةٍ، داخليّةٍ وخارجيّةِ، ومع مصالحَ وحساباتٍ و"أجندات"، أين منها مصالح لبنان واللبنانيّين.

انتباه: إذ أجدُني مدعوًّا إلى امتشاق حبر الوضوح الفجّ في تحليل ما يجري، لا أتوانى عن "وصفه" (تأويلًا) بأنّه "صحّيٌّ" جدًّا، لأنّ "حقيقته" تندرج في باب التحليل – لا الذاتيّ – بل الموضوعيّ الاستنتاجيّ، الذي يمليه المنطق الجدليّ.

انتباه: لن أسمح لبعض "الحرصاء" على القانون والدستور والأمن الوطنيّ، بأنْ يجدوا في هذا الوصف، ما يُشتمّ منه أنّه دعوةٌ إلى ممارسة العنف، أو تحريضٌ على ممارسته.

إلى هؤلاء "الحرصاء" على السلم الأهليّ، وعلى الأمن الوطنيّ، وعلى العيش المشترك، وعلى التعايش، كما إلى هؤلاء الداعين إلى تأليف حكوماتٍ ممّا هبّ ودبّ من شعارات "اللون الواحد"، أو "الوحدة الوطنيّة"، و"لمّ الشمل"، وسوى ذلك من تعبيراتٍ منافقة، بل مجرمة، إلى هؤلاء: لن تجدوا في ما أقول، تحريضًا على العنف، ولا دعوةً إلى ممارسته.

لكنّي أقول بالحبر العاقل - الجريح - الموجوع، بأنّ ما ارتكبته الطبقة السياسيّة، في حقّ الدولة والمواطن، وفي حقّ لبنان واللبنانيّين، طوال العقود والعهود المتلاحقة، كما في "عهد هذا الزمن الرديء الراهن"، يجعل اللجوء إلى العنف طبيعيًّا وواقعيًّا ومنطقيًّا. للغاية.

لم يعد يُستطاع تحمّل السلطة اللبنانيّة، هذه السلطة اللبنانيّة، ولم يعد ممكنًا أنْ يُحكَم لبنان بإرهاب الطوائف والمذاهب والخرافات والأساطير والمحاصصات والتقاسمات.

إنّنا، في ظلّ استمرار معادلات السلطة هذه، سنكون محكومين سلفًا بـ"أقدار" القهر. الظلم. الاستبداد. الكذب. النفاق. الرياء. السرقة. الفساد. مصّ الدماء. الذلّ. الإهانة. الفقر. الجوع. المرض. التهجير...

إنّنا، في ظلّ استمرار معادلات الحكم والسلطة هذه، سنكون محكومين سلفًا بأقدار الموت اليائس.

لم نعد نستطيع أنْ نتحمّل كلّ هذا الموت. كلّ هذا الخنوع. كلّ هذا القبول بالأمر المأسويّ الواقع.

صدِّقوا هذه الصرخة. واحذروها: لم تعد تُحتمَل هذه الطبقة السياسيّة. لم تعد تُحتمَل.

أعرف أنّ العنف الذي شهدناه، ليس كلّه بريئًا.

أقول بالفم الملآن إنّ هذا العنف ليس كلّه بريئًا.

لقد انبرى "متذاكون" و"مراؤون" كُثُر، من أهل الطبقة السياسيّة إلى "احتضان" ما يجري، "وتبريره"، "لعلّة في نفس يعقوب". هؤلاء، هم أيضًا، جزءٌ من المشكلة. لكن ما لنا ولهؤلاء، ولغيرهم.

إنّي، أنا "المواطن القتيل"، أشهد أنّ ما جرى من عنفٍ "بريء"، هو عنفٌ "طبيعيٌّ" للغاية. و"منطقيٌّ" للغاية. إنّه حقيقةٌ تاريخيّةٌ، فلسفيّةٌ - اجتماعيّةٌ - سياسيّة (فليسأل المسؤولون وأهل السلطات جميعًا عن معايير مناهج علوم الاجتماع والتاريخ والفلسفة والمنطق، وعلم السياسة، وليسألوا الأطبّاء النفسانيّين وأطباء الصحّة العقليّة والجسمانيّة).

صدِّقوا هذه الصرخة: هذا العنف، في أسبابه، وفي أشكاله وأنواعه ومراتبه ودلالاته، وفي مترتّباته كافّة، هو نتيجة أفعالٍ إجراميّةٍ متراكمة، ارتكبتها هذه الطبقة السياسيّة التي لم يعد يُحتمَل استمرارها في السلطة.

يجب أنْ يدرك رئيس الجمهوريّة وحلفاؤه هذه الحقيقة.

كما يجب أنْ يدرك الأطراف المقابلون، بل أطراف الطبقة السياسيّة، كلّهم بلا استثناء، أحزاباً وتيّارات، وطوائف ومذاهب، وميليشيات، أنّ سلطتهم لم تعد تُحتمَل. ويجب أنْ تنتهي.

إنّ وعي المعادلة القائمة يجنّب الجمهوريّة سوء المصير.

يجب أنْ تعي السلطة (كلّ أطراف السلطة والطبقة السياسيّة) هذه المعادلة، وأنْ تتدارك الأخطار الوجوديّة الناجمة عن ازدرائها، والاستخفاف بها، أو رفضها.

ثمّة طرقٌ قانونيّةٌ ودستوريّةٌ، وآليّاتٌ شرعيّةٌ، تدرّجيّة، لنقل السلطة، وتسليمها إلى أصحابها الحقيقيّين.

لن تكون الاستقالات الطوعيّة التدريجيّة من مؤسّسات السلطة والحكم، في منأى من هذا التصوّر.

لأنّ استمرار هذه الطبقة السياسيّة في الحكم وفي السلطة، لم يعد يُحتمَل. ولم يعد قابلًا للعيش.

هذه حقيقةٌ تاريخيّةٌ، فلسفيّةٌ، مجتمعيّةٌ، سياسيّةٌ، منطقيّةٌ، واقعيّةٌ، و... طبيعيّة.

الطبقة السياسيّة لا تزال تُنكر هذه الحقيقة. وتتجاهلها. وتهرب منها.

لكنْ، لا مفرّ من هذه الحقيقة.

لو كان العنف هو السبب، لبطُل العجب. لكنّه نتيجة. إنّه نتيجة السياسات الغاشمة التي تنتهجها السلطة. فلتتحمّل هذه السلطة، فلتتحمّل هذه الطبقة السياسيّة برمّتها، مسؤوليّة اغتيال حياتنا الوطنيّة، الجماعيّة والفرديّة. ولتتحمّلْ، في ضوء ذلك، فلتتحمّل هذا "العنف القليل" قبل أنْ يجرفها "العنف المحتمل الكثير".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم