السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

السؤال الشائك أمام السياج الشائك

غسان صليبي
السؤال الشائك أمام السياج الشائك
السؤال الشائك أمام السياج الشائك
A+ A-

سؤال الانتفاضة اليوم، الأهمّ والشائك على حد سواء، هو الآتي: كيف نتخلّص من كابوس هذه السلطة التي استتبعت وطننا ودمّرت إقتصادنا وسرقت أموالنا وأفقرتنا، وها هي مستمرّة على النهج نفسه الذي سيقضي على كل أمل في مستقبل لنا ولأولادنا؟

في غياب الجواب عن السؤال، أو على الأصح، في ظل تعدّد الأجوبة وتضاربها، نرى شباب الإنتفاضة، شابّات وشبّانًا، يصرّون على إزاحة السياج الشائك الذي يمنعهم من الوصول الى مجلس النوّاب في وسط بيروت.

البعض يرى في هذا الإصرار عملاً عبثيًّا لا يؤدّي الى نتيجة، سوى المزيد من الإصابات البشرية والخراب المادّي، في ظل موازين القوى العسكريّة الحاليّة لصالح السلطة.

في إعتقادي ان أهميّة الإصرار هي في رمزيته وليس في جدواه. وهو إصرار شبّان وشابّات بلادي على إستعادة السلطة، عبر تجاوز السياج الشائك ولو بأياديهم العارية؛ هذا السياج الذي يفصلهم عن المكان الذي يعود الى الشعب، كمصدر للسلطات بحسب الدستور.

هذا الإصرار يؤكّد أيضًا ان مطلب الانتخابات النيابية المبكرة، من اجل إعادة تكوين السلطة، هو المطلب الأهم، على رغم التجاذبات الحالية حول تأليف الحكومة.

في محاولتهم لتحقيق ذلك، ليس صحيحًا ان شباب الإنتفاضة يستخدمون العنف في مواجهة القوى الأمنية. الأصح انهم يستخدمون الشغب، تمامًا كما يعترف أعداء الإنتفاضة أنفسهم، لكن بالمعنى الايجابي للكلمة.

العنف، كما تعرّفه منظمة الصحة العالمية "هو الإستخدام المقصود للقوة الجسديّة أو للسلطة، فعليًّا أو من خلال التهديد، ضد شخص أو أكثر، والتي تؤدّي الى أذىً جسديًّ أو موت أو الى أذىً نفسي، أو الى نموّ غير صحيح أو الى حرمان". بالإستناد الى هذا التعريف، جميع ممارسات السلطة في حق شعبها هي ممارسات عنيفة بوسائل قانونيّة، قضائيّة، غير قانونيّة، عسكريّة، إقتصاديّة, مالية وإعلاميّة.

شباب الإنتفاضة يواجهون هذا العنف الأصلي الذي تمارسه السلطة، حتى لو بدا أحيانًا انهم يتحرشون هم بالقوى الأمنيّة. مشكلة القوى الأمنيّة ليست فقط في انها تستخدم العنف المفرط في دفاعها عن نفسها، بحسب كل المراجع القانونيّة، بل في انها تدافع عن سلطة تمارس العنف على شعبها. وهذا ما يجعلها متواطئة من منظور الإنتفاضة.

صحيح ان شباب الإنتفاضة يواجهون عنف السلطة وقواها الأمنيّة، لكنهم لا يواجهونه بعنف بل بشغب، والفرق كبير بين الاثنين. فالأعمال التي يقوم بها المنتفضون لا ينطبق عليها تعريف العنف المذكور أعلاه، بل تعريف الشغب. وأعمال الشغب هي "أعمال الفوضى والمخالفات التي يقوم بها أشخاص يتعرّضون لحقوق الغير والمصلحة العامّة".

واذا كان المنتفضون يستخدمون أدوات "عنف" فهي تقتصر على المفرقعات والعصي والحجارة، بالمقارنة مع الهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والعنف الجسدي المباشر الذي تستخدمه القوى الأمنية.

لأعمال الشغب التي يقوم بها شباب الإنتفاضة مدلول رمزي ايضًا يجب عدم إغفاله: انها خلق فوضى في نظام لم يعد ينتج إلاّ الفوضى بهدف إعادة ترتيبه. وهي القيام بمخالفات لقوانين لا يجري احترامها من السلطة وأصبحت وسيلة فقط لتطويع الناس. وهي التعرّض لممتلكات مسروقة من الناس مثل المصارف والممتلكات العامة والحكوميّة.

لا يعني كل ذلك على الإطلاق ان على الإنتفاضة ان تكتفي بهذه الأعمال الرمزيّة وان تكرّرها يومًا بعد يوم.

على الإنتفاضة على العكس، ان تحمل معها هذه المعاني الرمزية وتعمل على تطوير ادائها وطرق عملها. وهي اليوم أمام خيارين.

الخيار الاول هو تطوير ممارساتها من أعمال شغب الى "عنف ثوري" حقيقي يخطّط – نعم يخطّط – للإستيلاء على السلطة. فلا "عنف ثوري" بدون هدف ثوري يتوخى الاستيلاء على السلطة (راجع مقالي السابق في "النهار": "شعار سلمية سلمية اكثر ثورية من العنف الثوري"). أمام هذا الخيار عقبات عديدة وخطيرة، عسكرية، رسميّة وغير رسميّة، داخليّة وخارجيّة. فضلا عن انه يخدم السلطة في هذه الظروف، كما انه قد ينفر الكثير من المنتفضين، الملتاعين من العنف الاهلي والخارجي.

أما الخيار الثاني فهو تطوير المسيرة السلميّة. فليس صحيحًا كما يروّج البعض ان السلطة لم تستجب للإنتفاضة لانها كانت سلميّة. فقد شابت الإنتفاضة نقاط ضعف عديدة، بدءًا بضعف التنسيق، وصولاً الى تشتّت الضغوط وتعدّد البرامج. في حوزة الانتفاضة خبرات عالمية ناجحة وعديدة في "النضال اللاعنفي" يمكن الافادة منها.

للخيارين هدف واحد: إنتزاع السلطة من "كلن يعني كلن"، الذين لا يأخذوننا الى الإنهيار فحسب، بل الى الخراب التام.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم