الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

سيناريو قمّة بين الأسد وترامب... ما احتمالاته؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
سيناريو قمّة بين الأسد وترامب... ما احتمالاته؟
سيناريو قمّة بين الأسد وترامب... ما احتمالاته؟
A+ A-

في ما وراء المزاح

بدا الحديث عفويّاً بين الرئيسين. ويمكن أن يقال الكثير عمّا خلف المزاح. هل يقبل الأسد فعلاً بدعوة ترامب إلى سوريا بناء على رغبة بوتين؟ وهل يهتمّ بوتين بتقريب المسافات بين الأسد وترامب؟ وبناء على فرضيّة كهذه، ما الذي يستفيد منه الأطراف الثلاثة؟

استطاع بوتين توسيع موطئ القدم على ساحل المتوسّط بعد انتصاره العسكريّ في سوريا وتعويم نظام الأسد. حقّق بوتين هذا المنعطف في النزاع الطويل المدى بعد استرجاع حلب في كانون الأوّل 2016. وخلال سنتين من هذا التاريخ، كسب المزيد من التقدّم العسكريّ إلى جانب إنشاء مساري سوتشي وأستانا السياسيّ اللذين ظلّ تقدّمها بطيئاً. ومنذ سنة 2018، بدا تحويل الانتصار العسكريّ إلى سياسيّ خطّة تراوح مكانها.

أخفق بوتين بإعادة الشرعيّة الدوليّة إلى دمشق مع استمرار الدول الغربيّة في فرض وتشديد العقوبات على النظام. من جهة أخرى، يظهر أنّ آفاق إعادة إعمار سوريا معلّقة حتى إشعار آخر. بمعنى ثانٍ، لا يستطيع بوتين حصد إنجازات إضافيّة على هذين الصعيدين من دون دعم غربيّ عموماً، وأميركيّ خصوصاً. في هذا الإطار يمكن فهم رغبة روسيّة دفينة، ربّما تجلّت عبر المزاح، بانخراط الولايات المتّحدة في مسار الحلّ السياسيّ لسوريا.

يعلم بوتين ومعه الأسد، أنّ واشنطن أوقفت ملامح انفتاح بدأت دول عربيّة برسمها أواخر سنة 2018 وبداية 2019. والأمر نفسه قد ينطبق على الدول الأوروبّيّة التي من غير المرجّح أن تقدم على خطوة انفتاحيّة على دمشق من دون ضوء أخضر أميركيّ. وسبق أن اجتمعت كلّ من روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا في اسطنبول للبحث في الملفّ السوريّ من دون نتيجة.

بالتالي، بات لزاماً على دمشق وموسكو إيجاد كوّة في جدار التصلّب الأميركيّ من أجل استعادة الشرعيّة الدوليّة تدريجيّاً، وإلّا ستستمرّ الأمور بالمراوحة حتى أمد غير منظور، حتى مع افتراض تحقيق المزيد من التقدّم العسكريّ في إدلب. كيفيّة إيجاد هذه الكوّة يبقى السؤال الأصعب بالنسبة إلى بوتين والأسد. لكنّ حديثهما عن لقاء مع ترامب أثار اهتمام دانيال دو بتريس، الباحث في مركز "ديفنس برايوريتيز" وهي مؤسّسة رأي تعنى بصياغة استراتيجيّة خارجيّة واقعيّة للولايات المتّحدة.


تركيز على شخصيّة ترامب

قارب دو بتريس مزاح الأسد وبوتين من ناحية إمكانيّة أن يعقد ترامب لقاءً مع الرئيس السوريّ. في هذا السياق، ذكر العديد من المسائل التي تجعل الرئيس الأميركيّ يُعرض عن خيار كهذا من بينها استخدام الأسد السلاح الكيميائيّ في نيسان 2017 و 2018، وحتى تفكيره بقتل الرئيس السوريّ عقب الهجوم الكيميائيّ على خان شيخون. لكنّه بالمقابل، رأى أنّ هكذا قمّة هي "أكثر من مجرّد تمرين نظريّ".

ذكر الباحث نفسه في مجلّة "ذا ناشونال إنترست" الأميركيّة أن لا أحد كان يعتقد منذ سنتين بأنّ ترامب سيعقد قمّة مع الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون. وأعرب ترامب أيضاً عن استعداده للقاء الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني، كما لم يناهض فكرة لقاء الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عل هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في أيلول 2018. وينطلق الباحث أيضاً من كون ترامب محبّاً لمظهر عاقد الصفقات، متسائلاً عن الشخص الذي سيرفض الرئيس الأميركيّ التحدّث إليه بعدما أبدى استعداداً لدعوة مسؤولي حركة "طالبان" إلى كمب دايفد للتوقيع على اتّفاق معهم.

على الرغم من أنّ دو بتريس محقّ بشأن رغبة ترامب بتعزيز صورته كعاقد صفقات، وهو أمر لا يخفيه الرئيس الأميركيّ على أيّ حال، قد تشكّل الأمثلة التي ذكرها حجّة لعدم حصول قمّة كهذه. فلقاء ترامب مع مسؤولي "طالبان" أمكن وفقاً لوجهة نظره أن يسرّع انسحاب قوّاته من أفغانستان وهو مطلب أميركيّ شعبيّ بالدرجة الأولى. وعدم رفضه لقمّة مع مادورو يهدف بحسب رأيه أيضاً إلى تأمين "الحديقة الخلفيّة" للولايات المتّحدة والتخفيف من حجم اللجوء والهجرة. ولقاؤه مع كيم أمكن أن يخفّف التوتّر فوق شبه الجزيرة الكوريّة ويقلص خطر بيونغ يانغ الصاروخيّ على البرّ الأميركيّ. وفي احتمال أبعد، بإمكان ترامب أن يدّعي حلّ ملفّ عجز عنه الرؤساء السابقون طوال عشرات السنين. والأمر نفسه ينطبق على التفاوض مع إيران وحلّ ملفّها النوويّ.


"ليس جنوناً"

في جميع تلك الأمثلة، سيكون الرئيس الأميركيّ قد حقّق خرقاً كبيراً في ملفّات مزمنة وطويلة المدى استهلكت جهود الإدارات والرئاسات السابقة من دون جدوى. بينما حلّ ملفّ النزاع السوريّ في عقد لقاء مع الأسد لن يعود بالنفع الكبير على الولايات المتّحدة. حتى وإن كان هدف قمّة كهذه دفع الأسد إلى تقييد النفوذ الإيرانيّ في سوريا، وهو مطلب مهمّ للإدارة الحاليّة، فمن غير المحتمل أن يكون بإمكان الرئيس السوريّ تقديم هكذا التزام. هذا إن كان يرغب به أصلاً.

يعترف دو بتريس بأنّه يجب على المراقبين الأميركيّين توقّع سفر ترامب إلى دمشق للقاء الأسد بمقدار توقّعهم أن يشهدوا درجة حرارة تصل إلى 32 درجة مئويّة في كانون الثاني. لكنّه يضيف أنّه "ليس جنوناً تصوّر الرئيسين الأميركيّ والسوريّ يجلسان بجانب بعضهما البعض بوجود كاميرات تلتقط الصور."

قد يكون التصوّر نفسه غير مجنون. لكنّ تحوّله إلى أمر واقع لا يزال مستبعداً جدّاً.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم