تعقيدات "اللون الواحد" تجمّد مجدداً حكومة دياب
مضى يوم آخر من أيام المخاض الغامض الذاتي الذي يخوضه تحالف قوى العهد و8 آذار لتجاوز تعقيدات "اللون الواحد" التي لا تزال تحول دون ولادة حكومة الرئيس المكلف حسان دياب والتي بدأت علامات الاستفهام المختلفة ترسم حول طبيعة الخلفيات التي أرجأت تأليفها وصدور مراسيمها في اللحظة الحاسمة بعدما كانت كل المعطيات تنبئ بانتهاء مسار تأليفها. واذا كانت المعطيات والمعلومات المتسربة عن العقد الاخيرة التي حالت دون انجاز الرئيس المكلف التشكيلة الحكومية حصرت هذه التعقيدات بتباينات حول المحاصصة في شأن بضعة مقاعد وزارية من دون مسها الهيكلية الاساسية للتشكيلة ذات الـ18 وزيراً، فان هذه المعطيات تبدو عرضة لاختبار لن تتجاوز مدته الساعات الـ 48 المقبلة للتأكد من طبيعة التعقيدات واستشراف المرحلة التالية.
ذلك ان جهات مطلعة على الاتصالات الجارية في مواكبة مأزق التأليف أفادت ان العقد المتصلة ببعض الحقائب الوزارية وتوزعها حزبياً وطائفياً تبدو جدية و"معتادة" في حال توزيع الحقائب الوزارية على غرار ما كان يجري لدى تأليف الحكومات السابقة وليس ثمة ما يبعث على الاعتقاد بان التشكيلة الحكومية مرشحة لان "تطير" من هذه الناحية. لكن الجهات نفسها لاحظت ان مجريات المخاض الحكومي الحالي انما تحصل بين أفرقاء الصف الواحد بما يثير تالياً التساؤلات الواسعة عن حقيقة ما يجري وماذا يعني ان يستأثر تحالف سياسي بعملية تأليف الحكومة ومن ثم يبدأ اطلاق اشارات حيال عجز هذا التحالف كما الرئيس المكلف عن الاضطلاع بدور التنسيق بين هذه القوى تجنبا لمعركة تقاسم الحصص وافتضاح هشاشة التماسك القائم داخل قوى 8 آذار؟ وقالت ان ثمة معطيات تؤكد ان معركة المحاصصة تكتسب اطاراً جدياً حول التمثيل الوزاري بين اطراف التحالف بما يعني ان التحضيرات الجارية لانجاز الحكومة تتجاوز المديين القريب والمتوسط للحكومة والاستعداد لمرحلة طويلة اذا قيض للحكومة ان تصمد في مواجهة جبهات داخلية وخارجية عدة ستفتح في وجهها وتعبر عن رفض لها كسلطة مقبولة ومطلوبة لانقاذ لبنان من اخطر كارثة مالية واقتصادية واجتماعية حلت به.
ومع ذلك فان تجاوز التعقيدات في مهلة تنتهي مطلع الاسبوع المقبل سيرتب مشهداً مختلفاً وحقائق جديدة قد يكون فيها من المعطيات الداخلية والخارجية ما لم يظهر بعد وهو أمر سيعني حينذاك اجراء حسابات سياسية جديدة لان التأخير الى هذا الموعد ينزع القناع عن التعقيدات الحقيقية وربما كشف وجود معطيات خارجية اقلقت أفرقاء التحالف الداعم لدياب أو بعضهم وجعلتهم يفرملون الاندفاع نحو ولادة الحكومة.
ووسط هذه المناخات أكدت أمس مصادر قريبة من الرئيس المكلّف حسان دياب أنه متمسّك بالإطار العام الذي حدّده لتشكيل الحكومة، والمعايير التي وضعها لاختيار الوزراء، وأنه لن يتساهل في التزام هذه الضوابط.
وقالت إن دياب، "انطلاقاً من تمسّكه بصلاحياته الدستورية كرئيس مكلّف، يرفض اعتماد النهج القديم في تشكيل الحكومة، سواء كان واضحاً أو مستتراً، لأنه يصرّ على أن تكون الحكومة تتمتّع بصدقية وتشكّل صدمة إيجابية، فتحظى بثقة اللبنانيين أولاً، وبترحيب عربي ودولي ثانياً ".
وشدّدت المصادر على "أن أي محاولة لتشويه صورة التشكيلة الحكومية ستؤدي إلى إضعاف قدرتها على التصدّي للكارثة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يواجهها لبنان، مع ما يعني ذلك من تداعيات خطيرة على كل المستويات".
ولاحظت "أن القفز فوق انتفاضة اللبنانيين التي انطلقت في 17 تشرين الأول 2019 هو تجاهل للوقائع وجهل للواقع، والرئيس المكلّف لن يقبل بإدارة الظهر لها أو تمييع مطالب اللبنانيين الذين يعبّرون عن غضب صادق مما وصلت إليه أحوال وطنهم ".
وفيما لم تتناول أوساط الرئيس المكلف تفاصيل التعقيدات التي تعترضه في انجاز مهمته، رأى مصدر مسؤول في "التيار الوطني الحر" أن "الذين يتعاملون مع الملف الحكومي بمنطق العدد و الحصص معروفون وقد كشفوا عن انفسهم بمطالبتهم بعدد محدد من الوزراء، فيما لم يتعامل التيار بهذه العقليه لا من قريب ولا من بعيد".وقال إن" الوقائع تشهد أن الذين دعم التيار توزيرهم، هم من أهل الاختصاص ولا يمتون إليه سياسياً بأي صله بل أنهم مستقلون و يتمتعون بالجدارة والنزاهة التي دفعت التيار الى تأييد وصولهم ".
وفيما بدا واضحا ان الجمود الذي أصاب الجهود لانجاز التشكيلة الحكومية لم يقترن باي تحرك سياسي علني بارز بما يستبعد معه انتهاء الازمة في الساعات المقبلة أو غداً، تبين ان الشروط والتعقيدات التي برزت منذ يومين بين الافرقاء الداعمين للحكومة لم تتبدد نهائياً حتى مساء امس، بل ان بعض المعطيات أشار الى امكان ان يعلن رئيس "تيار المردة" النائب والوزير السابق سليمان فرنجية في مؤتمر صحافي يعقده ظهر اليوم موقفاً تصعيدياً من تركيبة الحكومة، علماً انه كان طالب في مفاوضات التأليف أولاً بتعيين وزيرين لـ"المردة" وبعدما سمّيت وزيرة لحقيبة الاشغال فقط، برزت عقدة ثانية تمثلت في حصول "التيار الوطني الحر" مع الحصة الرئاسية على الثلث المعطل في التشكيلة الامر الذي رفضه فرنجية. وترددت معلومات مساء أمس عن امكان ان يعلن الاخير عدم مشاركة "المردة" في الحكومة على ان يمنحها نواب التيار الثقة في مجلس النواب.
وثمة عقدة ثانية تتمثل في رفض دياب محاولات لرفع عدد الوزراء الى 20 أو 24 وزيراً بدلاً من 18 الامر الذي يضعه في تجاذب مع "التيار الوطني الحر" ورئيس مجلس النواب نبيه بري اللذين يدفعان نحو رفع عدد الوزراء. اما العقدة الثالثة فتمثلت في دخول الحزب السوري القومي على خط التعقيدات اذ دفع نحو تعيين النقيبة السابقة للمحامين أمل حداد في حقيبة الاقتصاد، فيما يحجز الوزير جبران باسيل هذه الحقيبة لمرشح آخر هو ايمن حداد.
الراعي
وفي ظل هذه الاجواء كان للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي موقف حاد من التأخير في تاليف الحكومة اذ قال إن "كل من يعرقل ولادة الحكومة المنتظرة يمعن في إغراق لبنان أكثر فأكثر في ازمته المالية والاقتصادية بشكل يحول دون خروجه منها. بأسلوبهم هذا انما يعادون الشعب اللبناني الذي يهاجر، ويعادون لبنان ومؤسساته. انني اسميهم "اعداء لبنان". يقول الرب يسوع: "صلوا من اجل اعدائكم"، ونحن سنصلي من اجلهم الليلة". وأضاف: "ان الذين يعرقلون ولادة الحكومة انما يعرقلون قيام لبنان ونهوض الشعب اللبناني من معاناته وقد فقد الامل في كل شيء. وهم من يجعل من شبابنا المطالب بحكومة نزيهة تنهض بلبنان، عرضة للاذلال والقهر على الطرق وفي الساحات. انهم يطالبون بكرامتهم المسلوبة وبخير لبنان. لا تكون المرجلة في ان من يعرقل هو نفسه من يذهب الى دس من يقوم بأعمال شغب من خلال تكسير عدد من المؤسسات العامة والمصارف والتعدي على الاملاك العامة والخاصة. هؤلاء لا يريدون دولة لبنان ولا خير شعبه. نصلي من أجل كل هؤلاء، "اعداء لبنان"، كي يخافوا الله ويعودوا اليه، ولكي يتحملوا مسؤولياتهم ويقوموا بواجباتهم في خدمة لبنان وشعبه".
أمام مصرف لبنان
وعاد التوتر ليل أمس أمام مصرف لبنان حيث تظاهر جمع من المحتجين وتخطى عدد منهم الشريط الشائك الموضوع فوق الجدار الخارجي للمصرف، ودخلوا باحته الداخلية، ثم خرجوا بناء على طلب قوى الأمن الداخلي المولجة حراسة المصرف. كما عمد البعض الآخر إلى رمي زجاجات حارقة وحجارة إلى داخل باحة المصرف، في حين أزال آخرون الشريط الشائك من فوق الجدار الذي يفصل عن الباحة الداخلية.وتدخل أفراد مكافحة الشغب وعملوا على ابعاد المتظاهرين ورشق بعضهم العناصر الامنية بالحجارة.وخلال المواجهة اصيب مراسل محطة "الجديد" آدم شمس الدين في رأسه ونقل الى احد مستشفيات المنطقة.
وفي وقت لاحق انضمت وحدات من الجيش الى قوى الامن وابتعد المتظاهرون في مسيرة نحو شارع الحمراء واكملوا طريقهم الى شارع بلس حيث توقفوا فترة أمام منزل الرئيس فؤاد السنيورة وأطلقوا هتافات ضده.وعادوا مجددا الى مصرف لبنان.