الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"شفت دم بالملعب"!

المصدر: - "النهار"
رين بوموسى
A+ A-

في زحمة طريق الجديدة عند مستشفى المقاصد، يلعب أطفال في وسط الطريق غير آبهين بالسيارات المارة، تتداخل "زواريب" احدها بالآخر. توجهت "النهار" الى تلك المنطقة، للاطمئنان، وبعد يومين من تفجيري بئر حسن، على الاولاد الناجين المنتمين الى مؤسسة المجاد للعمل الاسلامي التابعة لمؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان دار الايتام الاسلامية. يسود المبنى هدوء يرهبك، وبعد ان تغوص في عمق المساحات تسمع صراخ فرح أطفال يلعبون في الملعب الشاسع.


بعض اولئك الأولاد مصابون جراء التفجيرين الارهابيين، حسن، كاميليا، وقمر نجوا كما نجا كل زملائهم في الدار يوم الحادثة. تشعر من خلال نظراتهم بحزنهم الشديد، رغم فرحتهم بالنجاة. فضّل حسن (9 سنوات) الصمت، هو حزين لما حلّ بالدار وبأصدقائه، يحاول ان يخفي مشاعره المجروحة، رغم انه لم يصب باي اذى جسدي. هل رأيت دماً وخراب؟ "ايه"، يجيب حسن في حين تبدو الدموع متحجرة في عينيه، وفيها ألم يحاول اخفاؤه ببسمة صغيرة. يقف متكئاً الى الكنبة، متكتماً غير راغب بوصف ما حدث، ومشدداً على انه ليس حزيناً. كلامه القليل لم يمنعه من التحدث عن اللعب وصديقيه المصابين، يروي لـ"النهار" انهما أصيبا بجروح طفيفة، الا أنه مستمر في اللعب معهما رغم الرضوض والجروح التي سببها الزجاج المتناثر والتي تركت آثارها على الجسديْن الصغيرين.


كاميليا و قمر تبلغان 13 سنة، كانتا تلتقطان صوراً برفقة أصدقائهم خلال احتفال نظم في الباحة الخارجية للدار، لم تكونا تعرفان ما الذي ينتظرهما عند الساعة التاسعة والثلث من صباح ذلك اليوم المشؤوم. دوي الانفجار ترك تأثيراً كبيراً في نفس كاميليا وفي جسدها، "ضغط الصوت العنيف الذي نتج عن الانفجار شكل ضغطاً كبيراً على أذني، ولم اعد اسمع شيئاً، اضافة الى انني اصبت في قدمي اصابة طفيفة".
تسترجع تلك الفتاة السمراء لحظات التفجير الأولى، "هربت الى الداخل.. شفت الدم على الأرض، بدأت بالبحث عن اصدقائي وبعد أن اطمأننت عليهم جميعاً جلست في مكاني بسبب وضعي الصحي". تتحدث الفتاة عن الانتحاري كما سمعت من كثيرين وكما نقلت بعض وسائل الاعلام، وبات كلامها "مثلما يقولون": "فلسطيني، فجرنا وهو يمتلك بيتاً كبيراً في الجنوب ، ورجعوا فجرولو البيت وانتقموا منه متل ما عمل فينا، وأهلو هربوا"، كلمات تلك الفتاة مستقاة من افكار المجتمع الذي يحيط بها، ويظهر غضباً كبيراً تجاه هذه الظاهرة التي كادت تودي بحياتهم.
توجهت كاميليا الى الانتحاري بحزم قائلة: " الله لا يوفقك واذا ما حدا اخدلنا حقنا بكرا الله بياخدو". وتؤكد ان هذه الظاهرة لن تخيفها، "سأبقى في لبنان"، هذا ما أكدته صديقتها قمر التي بدورها لم تصب بأي أذى جسدي.
كلام قمر القليل يعكس صدمتها الواضحة البادية في عينيها، لم تكن تتوقع قمر كما جميع طلاب هذه "المفاجأة البشعة" خلال عيد الميلاد الجماعي الذي نظمته الدار، كما لم يتوقع محمد الشعار أن تكون الصورة التي التقطها قبل الانفجار الأخيرة، كما لم يتوقع كل من ملاك وعلي الموت في لحظة عابرة.
صراخ 260 طفلاً لحظة التفجير لم يكن سوى مناجاة لله لانقاذهم، وما كان منه الا ان استجاب. الاصابات كانت في مجملها طفيفة وبقي طفل في المستشفى، سيخرج اليوم.
مدير عام دار الأيتام الاسلامية الوزير الأسبق خالد قباني يؤكد ان المركز مستمر في أعماله من خلال المراكز االبديلة، حتى إعادة بناء الدار، وسيستقبل عدد من الاولاد في مهنية الفتيات بمركز تمكين المرأة عند طلعة النويري، وعدد آخر في المركز الرئيسي في طريق الجديدة. وبحسم يشدد "لن يرهبنا شيئ وسنعيد بناء الدار وسنتصدى للارهاب".
من جهتها، تقول رئيسة القطاع التربوي في المؤسسة دانا صفدية ان المكان شهد دماراً كبيراً، فالاضرار المادية كبيرة، اما الاضرار النفسية لدى الطلاب فتبقى أكبر وأضخم.


الآثار النفسية


تشرح الطبيبة في العلاج النفسي العيادي للصغار والكبار ريتا عطالله، ان للحرب والتفجيرات آثاراً بيولوجية ونفسية والعقلية على الأطفال والكبار. ففي الشق الأول وفي حال أصيب الطفل بضرر جسدي سيتسبب له بصدمة كبيرة، ما يحتم وجود متابعة نفسية طبية. اما في الشق الثاني، وفي ما يتعلق بالآثار النفسية والعقلية، فمشاهدة الدماء والقتلى والجرحى والمشاهد المضرة والمخيفة تتسبب للكبار كما للصغار باضطراب نفسي، تبدأ عوارضها بنوبات عصبية واكتئاب وقلق دائم وشديد واضطراب في القدرات الذهنية، وفق عطالله. وتشير الى ان البعض يتأثر بشكل سريع والبعض الآخر تبدأ هذه العوارض بالظهور لديه على المدى البعيد.


[email protected]
Twitter: @ReineBMoussa

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم