الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تقييد النواب سلطة ترامب بضرب إيران... متى ينتهي شدّ الحبال؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
تقييد النواب سلطة ترامب بضرب إيران... متى ينتهي شدّ الحبال؟
تقييد النواب سلطة ترامب بضرب إيران... متى ينتهي شدّ الحبال؟
A+ A-

الإطاران الدستوريّ والقانونيّ

يحفظ الدستور للكونغرس صلاحيّة "إعلان الحرب". لكن بعد الحرب العالميّة الثانية، عمد كثير من الرؤساء إلى شنّ عمليّات خارجيّة من دون موافقة الكونغرس، بناء على كونهم القادة الأعلى للقوّات المسلّحة، وطالما أنّ عمليّاتهم هي أقلّ من أن تُدعى حرباً.

سنة 1973، صدر قانون سلطات الحرب الذي يمنع الرئيس الأميركيّ من شنّ حرب ما لم ينل تفويضاً من الكونغرس. اعتُبر القانون بمثابة استرجاع السلطة التشريعيّة لصلاحيّاتها. هدف القانون حينها إلى تقييد سلطة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في المراحل الأخيرة من حرب فيتنام. وقضى هذا التقييد بمنع إدخال الولايات المتحدة في عمل عسكريّ من دون تفويض خاص أو من دون أن يكون الكونغرس قد أعلن الحرب أو من دون أن يكون هنالك حالة طوارئ وطنيّة "خلقها هجوم على الولايات المتّحدة، أراضيها، أو ممتلكاتها، أو قوّاتها المسلّحة." وإذا شنّ الرئيس أيّ عمليّة فعليه إبلاغ الكونغرس في غضون 48 ساعة. ويجب أن ينهي العمل العسكريّ في مدّة 60 يوماً. حاول حينها نيكسون استخدام حقّ النقض لكنّ الكونغرس صوّت عليه بغالبيّة الثلثين.

سنة 2001، وبعد ثلاثة أيّام على اعتداءات 11 أيلول أقرّ الكونغرس تفويضاً للرئيس "باستخدام كلّ القوّة الضروريّة والمناسبة ضدّ أولئك الأمم، المنظّمات، أو الأشخاص الذين يحدّد أنّهم خطّطوا، فوّضوا، ارتكبوا أو ساعدوا (على شنّ) الهجمات الإرهابيّة التي حصلت في 11 ايلول 2001 أو أووا هكذا منظمات أو أشخاص لمنع أيّ أعمال مستقبليّة من الإرهاب الدوليّ ضدّ الولايات المتّحدة من قبل هكذا دول، منظّمات أو أشخاص". وفي تشرين الأوّل 2002، صدر "قرار تفويض استخدام القوة العسكريّة ضدّ العراق" الذي أجاز للرئيس الأسبق جورج بوش الابن اجتياح العراق للتخلّص من خطر أسلحة الدمار الشامل التي اشتبه بتخزينها على يد صدّام حسين.

يوفّر هذا التسلسل الزمنيّ للأحداث صورة عامّة عن الخلاف القانونيّ بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، ويؤسّس لفهم تأثير الانقسام السياسيّ الأميركيّ الحاد على هذا الملفّ.


"ليس بلا أسنان"

تصويت الأمس غير الملزم استند إلى قانون 1973. طالب النص ترامب ب "إنهاء استخدام القوّات المسلّحة الأميركيّة للانخراط في أعمال عدوانيّة في أو ضدّ إيران أو أيّ جزء من حكومتها أو جيشها" إلّا إذا أعلن الكونغرس الحرب أو فعّل "تفويضاً قانونيّاً محدّداً" لاستخدام القوّات المسلّحة. أدخل النص استثناء يجيز استخدام الرئيس القوّة العسكريّة إذا "كانت ضروريّة ومناسبة للدفاع بوجه هجوم مسلّح وشيك ضدّ الولايات المتّحدة".

في ظلّ الصراع الداخليّ الذي تعشيه الولايات المتّحدة، سيخضع تعريف كلمة "وشيك" للتجاذب السياسيّ. لم يقتنع معظم النوّاب الديموقراطيّين بتبريرات ترامب لاغتيال سليماني والخطر الذي قال إنه كان يحدق بحياة الأميركيّين بسببه. وطالبوه بضرورة مشاركة المعلومات الاستخباريّة مع الكونغرس قبل القيام بعمليّته العسكريّة.

سيحوَّل القرار إلى مجلس الشيوخ للتصويت عليه الأسبوع المقبل بشكل محتمل، حيث يتمتّع الجمهوريّون بغالبيّة 53 مقعداً من أصل 100. لكن مع إبداء عضوين جمهوريّين معارضة لقرار ترامب باغتيال سليماني، قد يكون التصويت متقارباً. لا يحتاج النصّ إلى توقيع الرئيس الأميركيّ، ولهذا السبب، سيكون رمزيّاً في المبدأ. لكنّ رئيسة مجلس النوّاب نانسي بيلوسي قالت إنّه "لن يكون من دون أسنان".

تراشق كلاميّ

قال رئيس لجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس النوّاب إيليوت إنغل: "على الرئيس عرض قضيّته أوّلاً – أوّلاً، لا بعد شنّه هجوماً غير حكيم ثمّ إتيانه بسبب عن ضرورته وعن شرعيّته". (قانون 73 يفرض التشاور مع الكونغرس "في كلّ حالة ممكنة"). ولم تكن بيلوسي أقلّ حدّة: "خلال الأسبوع الماضي، بحسب وجهة نظرنا، شنّ الرئيس – الإدارة – هجوماً استفزازيّاً، غير متناسب ضدّ إيران، ممّا عرّض الأميركيّين للخطر".

بادر ترامب إلى الردّ سريعاً على بيلوسي التي وصفها ب "المجنونة" كاتباً في تغريدة أنّه لم يكن ينبغي عليه إبلاغ الكونغرس ولم يكن عليها المطالبة بذلك "لأنّه عليك أن تكوني قادرة على اتّخاذ قرارات بجزء من الثانية أحياناً. أحياناً عليك التحرّك بشكل سريع جدّاً، جدّاً."

السيناتور الجمهوريّ المعارض لقرار الاغتيال مايك لي وصف الإحاطة التي تلقّاها من الإدارة بأنّها "مهينة" وبأنّها "على الأرجح الإحاطة الأسوأ التي رآها في مسألة عسكريّة على الأقلّ". وأضاف: "كان عليهم المغادرة بعد 75 دقيقة بينما كانوا في طور إخبارنا بأنّنا بحاجة إلى أن نكون صبياناً وفتيات صغاراً جيدين وألّا نناقش ذلك علناً."

من جهته، أعلن النائب الديموقراطيّ عن نيويورك ماكس روز والذي كان أحد الديموقراطيين الثمانية الذي صوّت ضدّ الإجراء أنّه يرفض تسييس الحرب والسلم. أمّا النائب الجمهوريّ عن فلوريدا والمقرّب من ترامب مات غايتز فقد أشار إلى أنّه يدعم الرئيس وإلى أنّ "قتل سليماني كان القرار الصائب، لكنّ الانخراط في حرب لانهائيّة أخرى في الشرق الأوسط سيكون القرار الخاطئ."


ماذا يقول خبراء القانون؟

يبدو أنّ في مجلس النوّاب أعضاء يريدون اقتراح نصّ أكثر تشدّداً يدعو إلى عدم تخصيص اعتمادات لهكذا هجمات إضافة إلى سحب التفويض الذي أعطي للإدارة الأميركيّة بموجب "قرار تفويض استخدام القوة العسكريّة ضدّ العراق" سنة 2002. وقد تطرحه بيلوسي للدراسة وفقاً لما أعلنته. توسّعت الإدارات المتعاقبة بتفسير صلاحيّات تفويض 2002 فاستخدمته ضدّ داعش.

ليس هنالك اتّفاق قانونيّ في الولايات المتّحدة على كيفيّة استخدام الرئيس الأميركيّ صلاحيّات شنّ العلميّات العسكريّة بالاستناد إلى تفويض 2002. يرى بروفسور القانون في جامعة نيويورك راين غودمان أنّه لا يجوز توسيع هذا التفويض الذي تحدّث عن مواجهة "التهديد المفروض من العراق" لأنّه عنى أسلحة الدمار الشامل الذي أنتجها صدّام حسين كما أنّه يصعب تخيّل أنّ الكونغرس كان يقصد آنذاك إيران وفقاً لرأيه. بالتالي، لا يجوز توسيعها لتشمل الحرب ضدّ داعش وبشكل أخصّ استهداف سليماني. لكنّ بروفسور القانون في جامعة هارفارد جاك غولدسميث رأى سنة 2014 أنّ هذا التفويض يشمل "بشكل شبه مؤكّد" محاربة داعش.

للمراقبين السياسيّين تقييمهم

الكاتب السياسيّ في "المجلس الأميركيّ للعلاقات الخارجيّة" زاكاري لوب، ومنذ تمّوز الماضي، وجد أنّ التوتّر الحاليّ بين واشنطن وطهران قد يعيد تفويض 2001 إلى الواجهة. ورأى حينها أنّ بإمكان الإدارة تطبيقه على إيران بعدما أحاطت الكونغرس بالعلاقة الظاهريّة بين إيران وتنظيم "القاعدة"، كما أنّ تفويض 2001 لا يحدّد معالم زمانيّة ومكانيّة واضحة بحيث استخدمتها الإدارات لتحارب الإرهاب في 14 دولة بحلول سنتي 2017 و 2018.

من جهتها، ذكّرت عضو هيئة تحرير "نيويورك بوست" كيلي تورانس بيلوسي نفسها بأنّها لم ترَ ضرورة في تفويض الصلاحيات إلى إدارة أوباما عندما شارك في إطاحة نظام القذّافي، أو حين شنّ غارات في سوريا واليمن والصومال وباكستان. وكتبت في شبكة "أن بي سي" أنّ ترامب امتلك الحجّة الأقوى عبر الرجوع إلى تفويض 2001 (لا 2002) خصوصاً أنّ سليماني نسّق الهجمات التي أودت بحياة متعاقد أميركيّ.

من غير المتوقّع أن ينتهي السجال القانونيّ والسياسيّ داخل الولايات المتّحدة حول صلاحيّات ترامب في شنّ العمليّات العسكريّة الخارجيّة بدون تفويض من الكونغرس. هنالك شبه إجماع من طيفي المشهد السياسيّ الأميركيّ أنّ قرار مجلس النوّاب شكّل على الأقلّ "رسالة" إلى سياسة ترامب. في هذا الإطار، سيكون الاستقطاب الداخليّ بالتأكيد محطّ مراقبة لدى الإيرانيّين لتحديد خطواتهم الإقليميّة المقبلة. لكنّ الإيرانيّين لن يكونوا وحدهم في هذا المجال. الروس والصينيّون في موقع المراقبة هم أيضاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم