الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قصتي في 2019- "الحمدُ لله"

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
قصتي في 2019- "الحمدُ لله"
قصتي في 2019- "الحمدُ لله"
A+ A-

بعض العُمر يُعلّم النضج وبعضه الآخر يُعلّم لملمة الخيبة. لا يصل المرء إلى اقتناع باجتراح البسمة بسهولة. ذلك اصرار شاقّ ومحاولة متعِبة. تُلقّن السنوات درساً في فتح النوافذ. ما أقفله وجعُ الخسائر وسدّته كآبة الأشياء، راح أخيراً يُشرَّع، ليدخل النور ويتسلّل انفراج الروح.

بارعون في اتّخاذ قرارات، بعضها عمرُه لحظة. تبدأ النهارات بشمسٍ وتنتهي بظلمة. وبين فجر وأمسيات، إنسانٌ مُرهَق، يحاول الانتصار على الموج، بفقشه وصفعه وتخبّط المركب. ويحاول النجاة بقشّة، بنسمة، بيدٍ تمتدّ فتكون خلاصاً من الغرق، ومن تجهّم الوجوه ومحاولة الدفش نحو القعر.

هذه القشّة، الآن أمسكُها. كنتُ بينما أقرأ القصص المُرسلة إلى العدد الخاص من "النهار"، بإلهامٍ من تجربة الأمل في مسار #إليسا، أتلقّى الدرس بخجل، فأهدم جدراناً من ضباب وسواد، فيَّ. حملتني القصص إلى عمق النفس، حيث الصمت والصخب والمراجعة الضرورية للأفكار والانطباعات ومنطق المواجهة. فجأة يبدو كلّ شيء تافهاً؛ حزننا المسكون بالوهم، مشاعرنا الجريحة، علاقاتنا الهشّة، ماضينا المُضحِك، تجاربنا المثقوبة، وبخار الأحلام. أقرأُ العدد وأتعلّم من ناسه. من بسطائه. من الأقوياء بعدما غرزتهم الحياة كمسمار في خشب، واستطاعوا صدّ الضربات، فنبتت من تجاويف أرواحهم براعم خضراء، عظيمة الإرادة، نبيلة، مذهلة.

هذه ليست أنا قبل سنوات، بل أجعل مني نموذجاً عنيداً في وجه أيام تمدّ لسانها لقهرنا؛ أشكر النِعم، وأحمدُ الله. تعلّمتُ خلْع الأسود من الداخل ونفض الضباب، فتنجلي الرؤية. تُطفَأ الكهرباء، فأرى جمال الله في منحي النظر. جرِّب، تخيَّل أبدية الظلام، وقُل شكراً. الآن، في سنّ الثانية والثلاثين، أشاء الاكتفاء بالصحة والأهل والأحبّة. أشاء الالتفات إلى الشمس وتفاصيل النور المشعّ في قلبي. لربما اجترحتُه من الوجع. لربما صنعتُه من الخديعة الذاتية، أو فرضته عليَّ من دون خيارات بديلة، لكنّه يملأني، فيرغمني على الابتسامات والردّ على "كيف حالكِ؟" بـ "حمدالله منيحة".

"منيحة"، هذا تحدّي السنة. يؤكّد عدد إليسا حاجتي إلى التغيُّر. مللت. من نزعتي نحو الحزن وسرعة العطب. من الحساسية المفرطة والجدّية في خارج سياقها. ومن رفع سقف التوقّعات. لذلك، أبسط القصص تُعلّم، وتُبدّل طباعاً وتُقلّب صفحات.

2020 سنة النضج. إنّه مُكلف، لا يملك جميعنا بدل أثمانه. حين تقرأون القصص (يصدر العدد قريباً)، ستدركون أنّ الطاقة الإيجابية تولد من العدم، لكنّها تتعربش فتملأ الجدران أوراقاً. ستكون سنة إكمال صناعة النفس. هندستها. مصافحتها، والابتسام لها. سنة رفض الانكسار مع كلّ هبَّة، والالتواء مع كلّ جرح. أمي بخير. أبي بخير. عائلتي قربي. قلبي ممتلئ بالمحبة. أشعر بإنسانيتي، وبأنّني كائن من ضمير. الباقي يُصلحه الزمن.

اقرأ للكاتبة أيضاً: وداع الذئاب

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم