الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - ثورة من فوق قبل الثورة من تحت

المصدر: أرشيف "النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - ثورة من فوق قبل الثورة من تحت
أرشيف "النهار" - ثورة من فوق قبل الثورة من تحت
A+ A-
نستعيد في #نهار_من_الأرشيف مقالاً كتبه رفيق المعلوف في "النهار" بتاريخ 4 حزيران 1997، حمل عنوان "ثورة من فوق قبل الثورة من تحت"."إن صخرة تاربيين قريبة من الكابيتول"() مثل روماني قديم ما من دولة يحكمها عاقل أو نخبة عقلاء أوفياء للأمة التي بوأتهم قيادتها وجعلتهم أجراءَها لخدمة أمنها ورخائها، إلا ائتزرت بالحيطة والحذر، واعتصمت بالحكمة والأناة والاتزان. إلا دولتنا التي تستعجل دائما تقرير المستحيل، كي لا تفوّت على نفسها موعدا واحدا من مواعيدها المتواصلة مع الفشل! ففي كانون الاول الماضي، أعربت حكومتنا عن اقتناعها، بعد طول انتظار، أن البلاد بحاجة الى انتخابات بلدية واختيارية. لكن أحدا لم يرغمها على تحديد موعد تلك الانتخابات في حزيران 1997. وفي الوقائع أنه حتى بعد تحديد الموعد المذكور، وفيما كانت الحكومة تمكنن البطاقات الانتخابية وترمّزها، مستنسخة لوائح الشطب على الكومبيوتر بدلا من نسخها بقلم الكوبيا... لم يفطن أي دماغ من أدمغتها الالكترونية الحصيفة، الى أن قانون الانتخابات البلدية الذي وضع لزمان آخر لم يعد يصلح لهذا الزمان، وأن العيوب اللاصقة به أخطر وأدق من أن تعالج في جلسة نيابية عادية تزامنت مع بداية العدّ العكسي لحلول الاستحقاق، الامر الذي اضطر الحكومة، كما هو معروف، الى سحب مشروع القانون وتعديلاته المقترحة من المجلس النيابي خلال انعقاده، وذلك تحت وابل من رصاص القصر الجمهوري وقذائف المعارضة، ثم تأجيل موعد الانتخابات من حزيران 1997، الى نيسان 1998، وربما الى الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. كذلك وجدت هذه الحكومة في لحظة من لحظات الفطنة التي تغتاب ناموس البطنة وما تحدثه في الذهن من بلادة وفي الانتباه من تخلف، أن اجراء انتخابات نيابية في صيف السنة 2000، سيعطل موسم الاصطياف، خلال تلك السنة الفاصلة بين قرنين وحقبتين من الزمن... فاستدرجت مجلس النواب الأغرّ، الحافظ للمكارم، والمتأهب دائما لركوب الأسنّة في حومة الوغى وحوبة الجلّى، الى تمديد ولايته ثمانية أشهر. وقد واكبت هذا القرار الاخرق استقالة رئيس المجلس الدستوري، فبدا القرار وكأنه صفعة مقصودة للهيئة الدستورية العليا التي سبق ان رفضت ذلك التمديد. وبعد أخذ وردّ في وسائل الاعلام ومحافل السياسة، تعرضت خلالهما الدولة والمؤسسات لقوارع الاقلام وكواشف العدسات والاضواء، اعتذرت الحكومة عن تلك العجلة الشيطانية وقررت تقديم اقتراح بتحويل التمديد الى تقصير... هكذا تحكم الخفّة سلوك مجلس الوزراء وتقضم هيبته ورصانته تدريجيا، حتى أصبحت قراراته موضع استهزاء المواطن وسخريته وازدرائه.ولعل أقرب الشواهد على هذه الخفّة التي جعلت الحكم أشبه بلعبة "اليويو" في حديقة أطفال، مصير جبل النفايات في برج حمود. فقد أثار نواب الارمن منذ بضعة أشهر قضية هذا المرحاض الكريه الذي تحول الى جبل في غرّة بيروت "المدينة العريقة للمستقبل"، وجاء الوعد "القاطع" من وزير البيئة بناء على قرار مجلس الوزراء بأن المكبّ المذكور سيمنع على الشاحنات في موعد اقصاه 30 ايار 1997. لكن شيئا من ذلك لم يحدث في 30 ايار. فاستمهل الوزير نواب المنطقة والاهالي حتى 20 تموز المقبل... ولا يشك احد في أن هذا الموعد سيؤجل هو ايضا الى الخريف، ومن الخريف الى الربيع، الى ما شاء الله. ولو فرضنا ان حساب الوزير في حقل الحكومة البور جاء مطابقا هذه المرة لحساب البيدر الطافح بالقذارة في برج حمود، فماذا تفعل الدولة غدا بجبال النفايات الممتدة على طول الشاطىء، من طرابلس الى صيدا وصور، كأسنان التنين في سفح لبنان؟!ربما كان نقل القاذورات الى الجبل هو الحلّ الامثل في نظر الحكومة، كما حدث لنفايات الكرنتينا التي أحالوها على واد من أجمل وديان لبنان في المونتيفردي وقدموها أطباقاً شهية على مائدة الخنازير، ثم أمروا باعادتها الى الكرنتينا (...) ولكن هل بقي في الجبل الاخضر منطقة واحدة خالية من النفايات؟! وهل بقي نبع ماء واحد غير ملوث بمياه الصرف وصديد النفايات؟! إن أخشى ما يخشاه المواطنون، هو أن تغرق الدولة في مستنقع النفايات كما غرقت في بؤرة الكسارات التي ظل القرار الحكومي بمنعها يسير من تأجيل الى تأجيل، والمخطط التوجيهي لنقلها ينتقل تحت ضغط الاهالي الغاضبين من تعديل الى تعديل، طيلة أعوام، حتى تنامت بفضل هذا التردد وأصبحت اليوم بشهادة وزير البيئة نفسه 710 كسارات، 54 في المئة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم