الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

قواعد جديدة في الخليج بعد سنة اللعب على حافة الهاوية

قواعد جديدة في الخليج بعد سنة اللعب على حافة الهاوية
قواعد جديدة في الخليج بعد سنة اللعب على حافة الهاوية
A+ A-

في ظل الحرب الباردة المستمرة في المنطقة والتي كادت تتحول مواجهة الصيف الماضي، تتبلور قواعد لعبة جديدة تمنع تصعيداً قد ينزلق بهذه المنطقة الملتهبة الى حرب شرسة. وينشط في هذه الدينامية الجديدة لاعبون ثابتون يتحركون على أكثر من جبهة ساخنة، وإن تكن مساعيهم لم تثمر حلولاً دائمة أو اختراقات كبيرة، في ظل إشارات أميركية متفاوتة حيال إيران.

بمواجهة سياسة "الضغط الاقصى" التي تمارسها الإدارة الاميركية على طهران لارغامها على العودة الى طاولة المفاوضات والبحث في اتفاق نووي جديد يشمل برنامجها الصاروخي وتطلعاتها الاقليمية، انتقلت الجمهورية الاسلامية الى استراتيجية المقاومة القصوى، واعتمدت سياسة أكثر جرأة إزاء حلفاء واشنطن في المنطقة، شملت هجمات نسبت اليها أو إلى وكلائها على ناقلات نفط، بينها ناقلتان سعوديتان وسفينة إماراتية وناقلة نروجية.

وقد نجحت العقوبات الاميركية في اضعاف الاقتصاد الايراني وتقليص دعم طهران لوكلائها، بما فيهم "حزب الله"، ولكن في غياب استراتيجية متكاملة للمواجهة، لجأت إيران إلى سياسة حافة الهاوية فانتقلت من هجوم إلى آخر أقوى، وكأن لا شيء أكثر تخسره. وكاد اسقاط "الحرس الثوري" طائرة تجسس أميركية مسيرة لدى اختراقها المجال الجوي الإيراني، أن ينقل المواجهة الى مرحلة جديدة لولا تراجع الرئيس الاميركي دونالد ترامب في اللحظة الاخيرة.

لكن الهجوم على منشأتي بقيق وخريص النفطيتين التابعتين لشركة "أرامكو" كان الأخطر إطلاقاً في سياق المواجهة غير المباشرة بين واشنطن وطهران، وشكل الصدمة الكبرى في قطاع انتاج النفط في 63 سنة. ومع أن أدلة أظهرت تورطاً ايرانياً مباشراً في الهجوم، لم تتخذ واشنطن أي اجراء عسكري لوقف طهران عند حدها.

منذ تراجع ترامب عن توجيه ضربة عسكرية في حزيران الماضي إلى طهران رداً على اسقاطها الطائرة المسيرة، "خوفاً من سقوط ضحايا"، تأكدت طهران من أنه لا يذهب إلى حرب عليها، وأن تهديداته التي يطلقها عبر "تويتر" ليست الا عراضات استخدم مثلها ضد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ - أون قبل ان يعود ويلتقيه ويصفه بأنه "مفاوض ذكي وبارع".

التزام أمن الخليج

وأثار الهجوم على "أرامكو" تساؤلات عن الالتزام الاميركي لأمن الخليج، و"عقيدة كارتر" التي تعود إلى عام 1980 عندما تعهد الرئيس سابقاً جيمي كارتر اللجوء الى القوة لتأمين تدفق النفط من الخليج بعد الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفياتي لأفغانستان. ومذذاك، التزم الرؤساء الأميركيون ديموقراطيين وجمهوريين هذا المبدأ باعتبار أن السعودية مصدر مهم للنفط العالمي والمصالح الأميركية.

ويقول الباحث في كلية لندن الجامعية ديفيس روبرتس: "إننا سننظر إلى هجمات 14 أيلول كنقطة محورية في تاريخ الخليج"، مشيراً الى انهيار فكرة دفاع الولايات المتحدة عن المملكة.

وفي مقابل اقتناعها عن أي رد عسكري، دفعت واشنطن ألف جندي إلى السعودية. ولاحقاً، أعلنت إرسال أسلحة وقوات إضافية إلى المملكة تتضمن سربين من الطائرات المقاتلة وصواريخ "ثاد" و"باتريوت" لمساعدة المملكة على تعزيز دفاعاتها.

في غضون ذلك، دشنت الهجمات على منشآت "أرامكو" والتي كان يمكن أن تشعل حرباً في المنطقة، مساراً جديداً في الازمة. فمع أنها مرًت من دون رد، وأعادت المملكة انتاجها النفطي الى ما قبل الهجوم، تراجعت مذذاك وتيرة الاستفزازات الايرانية المباشرة أو عبر الوكلاء في مياه الخليج أو حتى بواسطة طائرات مسيرة لأهداف في السعودية.

وأعلن الحوثيون في أيلول الماضي وقف استهداف السعودية في هدنة من جانب واحد لم يخرقها إلا قصف معسكر جنوب السعودية بصاروخ باليستي، يوم الجمعة الماضي.

وفي المقابل، برزت مؤشرات لاختراقات سياسية سواء في الازمة اليمنية أو مع ايران مباشرة.

وكانت زيارة وفد إماراتي لايران في تموز، وهي الاولى من نوعها منذ 2013 ، اثارت تساؤلات عن قنوات تواصل خليجية - ايرانية، خصوصاً بعد خفض أبوظبي عديد قواتها في اليمن.

ولاحقاً، كشف مسؤول سعودي عن "قناة مفتوحة" بين المملكة والحوثيين منذ عام 2016 لدعم إحلال السلام في اليمن. وجاء كلامه بعدما ساعدت السعودية على التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والانفصاليين الجنوبيين.

وفي إطار مبادرة سعودية لدعم عملية السلام في اليمن، عاد 128 أسيراً من الحوثيين إلى صنعاء الشهر الماضي، بعدما أطلقهم التحالف العسكري الذي تقوده الرياض.

ومنذ الصيف، دأب كتّاب ومعلقون أميركيون بارزون، على ربط الانفتاح الخليجي الحذر على الديبلوماسية مع إيران وجماعاتها الوكيلة بفقدان الرياض الثقة جزئياً بالولايات المتحدة كحام عسكري يمكن الاعتماد عليه، واكتشافها أنه لم يعد في إمكانها الاعتماد على الدعم الأميركي، خلافاً لما قامت عليه السياسة الخارجية الأميركية طوال عقود.

وكتب ديفيد إغناثيوس الشهر الماضي في "الواشنطن بوست" أن هذا الانفتاح هو نتيجة للسياسة "الشاذة" لترامب الذي يتقلب بين تهديده بقصف إيران وتودده للقادة الإيرانيين ودعوته إلى لقاء. في رأيه أن هذا ما دعا دول الخليج المرتبكة إلى توخي الحذر والحفاظ على رهاناتها من طريق الديبلوماسية والاعتماد الكبير على روسيا والصين.

ولكن للسفير اللبناني ناصيف حتي قراءة مختلفة لهذا التحول من المواجهة الى التفاوض. ففي رأيه أن لا مصلحة لأحد في الحرب، وأن أياً من فريقي الأزمة في الخليج لا يريد الحرب أساساً، لكن الخوف من "دعسة ناقصة" تذهب بالمنطقة الى المجهول أتاح تحرك طرف ثالث مع البقاء ضمن لعبة تبادل الرسائل على المسرح الشرق الأوسطي الممتد من اليمن وصولاً الى لبنان.

ومع ذلك، لاحظ أن اليمن يشهد مساراً بطيئاً ومتعثراً فى عملية الحدّ من الصراع لم يترسخ بعد، إلّا أن محاولات "الطرف الثالث" نجحت فى إطلاق مسار خفض التصعيد وإن تكن التسوية النهائية تبقى مرتبطة إلى درجة كبيرة بالمواجهة الأوسع فى المنطقة: مواجهة الحرب الباردة التي تغذي هذه الصراعات وتتغذى منها.

وتنشط دول في المنطقة، خصوصاً عمان والكويت، لايجاد مخارج للأزمة، كما دخلت أخيراً دول مثل باكستان والعراق على الخط لبناء قنوات اتصال بين الطرفين.

وليس واضحاً بعد المدى الذي تذهب إليه هذه الجهود، خصوصاً أن التقارب السعودي مع طهران قد يتسبب في إغضاب ادارة ترامب الساعية الى عزل طهران.

وأكد المسؤول السابق في إدارة الرئيس باراك أوباما روبرت مالي أن الولايات المتحدة لن تتعامل بسهولة مع القناة السعودية - الإيرانية وقت تحاول عزل طهران.

[email protected]

Twitter: @monalisaf

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم