الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

قصتي مع 17 تشرين الأول: ظننا خطأ أنّ اللبنانيين استسلموا

المصدر: "النهار"
أحمد عياش
قصتي مع 17 تشرين الأول: ظننا خطأ أنّ اللبنانيين استسلموا
قصتي مع 17 تشرين الأول: ظننا خطأ أنّ اللبنانيين استسلموا
A+ A-

حتى مساء الخميس من يوم 17 تشرين الاول الماضي، لم تكن هناك بحسب المعايير الصحافية من أحداث محلية يمكن اعتبارها من النوع الذي يحرّض على المتابعة باهتمام. ومقياسي في هذا المجال، وقد يخالفني كثير من الزملاء في اعتماده، هو لائحة المواضيع الاكثر قراءة في موقع "النهار" الالكتروني. في ذلك اليوم، كان انشغال القرّاء بمواضيع تراوح بين شؤون معيشية تفاقمت مع شح الدولار وبدء أزمات محروقات وخبز ودواء وبين شؤون إجتماعية تتصدرها حوادث الانتحار وقصص مشاهير الفن. أما المواضيع ذات الصلة بالسياسة الداخلية فهي خارج اللائحة تقريبا. وفي هذه الحالة، ماذا بإمكان الصحافي الذي يقوم عمله على الكتابة في السياسة أن يفعله كي يجذب ما أمكن من القراء الى ما يكتبه؟

مساء ذلك اليوم، صودف أنني كنت وزوجتي نقوم بزيارة عائلية. وما كدنا نعود الى المنزل، حتى بدأت الاخبار العاجلة ترد اولاً على الهاتف النقال، وكذلك عبر شاشات التلفزة المحلية، وفيها ان تحركات لناشطين كانت محدودة من حيث اعداد المشاركين فيها، واتسعت لتشمل المئات بل الالوف من المواطنين في مناطق عدة من العاصمة إحتجاجا على تدهور الاحوال المعيشية، وخصوصا تلك "القشّة التي قصمت ظهر البعير" المتعلقة بقرار وزاري بفرض ضريبة على خدمة "الواتس أب". وما رواه لي الزميل في "النهار" محمود فقيه، وهو احد الناشطين الذين تحركوا تلك الليلة، وسجلت روايته في مقال، ان مجموعة المجتمع المدني التي ينتمي اليها، أصيبت بالدهشة وهي تشاهد حشودا من المواطنين تنخرط في الاحتجاجات من دون سابق إنذار او تصميم. وفسّر الامر لاحقاً، بأن اتساع حركة الاحتجاج، يعود الفضل فيها الى النقل التلفزيوني المباشر الذي أوصل صورة الاحتجاج المحدود الى منازل اللبنانيين، فلم يتأخروا في مغادرة منازلهم للمشاركة بدورهم في هذا الاحتجاج.

لا مبالغة في القول، ان إحتجاج ليل 17 تشرين الاول الماضي، والذي إستمر حتى ساعات فجر اليوم التالي، كان كرة ثلج لم يسبق للبنان أن شاهد مثلها في تاريخه الحديث والقديم، وفق ما كتبه صحافيون وسياسيون وخبراء. والقاسم المشترك في ما كتبه هؤلاء، انه ندر في لبنان، أن يتوحد اللبنانيون في قضية متجاوزين انتماءاتهم الطائفية والسياسية والمناطقية. لقد كان مشهدا غير مسبوق ان يتحرّك اللبنانيون في وقت واحد في كل المحافظات. انه زمن جديد، بالنسبة لكل من يزاول مهنة الصحافة.

فجأة، قفزت الكتابة السياسية من الرتابة الى الحيوية. وبإمكان كاتب السطور الذي يزاول المهنة منذ نحو 45 عاما، ان يشهد ان 17 تشرين الاول 2019، هو في مرتبة الاحداث الكبرى التي عاشها. كنت في التاسعة من العمر، عندما اندلعت ثورة 1958، وفي ذاكرتي عنها المتاريس التي انتصبت بين المناطق التي والت عهد الرئيس كميل شمعون وتلك التي عارضته. وشاهدت بأم العين قطع الاسطول السادس الاميركي قبالة شاطئ منطقة الدورة في شرق بيروت. ورافقت حرب 1975 منذ بدايتها حتى نهايتها عام 1989. وفي 14 آذار 2005، بعد شهر على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، كان مشهد مئات الالوف الذين فاضت بهم ساحتا الشهداء ورياض الصلح صاعقاً في لبنان والعالم مطلقاً ثورة الارز التي غيّرت مسار لبنان. أما حرب تموز 2006 و7 أيار 2008 فكانا ايضا على لائحة الاحداث الكبرى التي مرّت بلبنان. والآن جاءت ثورة 17 تشرين الاول 2019: اللبنانيون لم يستسلموا.    

‏ [email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم