السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

زاوية نخصّص فيها جلسات المكابرة

نبيل مملوك
زاوية نخصّص فيها جلسات المكابرة
زاوية نخصّص فيها جلسات المكابرة
A+ A-

استفقتُ وكانت المدينة كعادتها متعبة من سلخ طرقاتها واستخدامها لتضميد جراح الوطن. الشوارع تضجّ بالصامتين. أجساد يمكنكِ قراءة ماضيها والتطلُّع إلى حاضرها والتعزية بمستقبلها. يغيب عن الحيّ الذي تسكنين فيه صوت "رامبو" الصادح بحماسة لبيع ما اقتناه من خضر. مرّت شبيهة عمتي في الحزن والسرساب، وأوشكتُ على تجنّبها، لكن منديل هذه السيدة ساعدني على التميز بين كربها ومسك الكرب المعطّرة به عمتي، ومرّت سيارات تخجل من حرق وقودها لتمنحني حق المرور قرب بيتك. كان الساعة تقف عند التاسعة، وترتجل دقائقها العشر بقدرة امرأة تحاول تحرير جنينها. البرد كان يرافقني، وكما جرت العادة، كنت أطهو في مخيلتي نكاتًا و"نهفات" لأمليها على زملائي وزميلاتي في الإذاعة، حيث الفرح وزاوية لكلّ واحد منا نخصّص فيها جلسات المكابرة.

شربت قهوتي مع غادة وارتأيت أن أرتشف النصف الآخر من مرارة فنجاني لوحدي، على مكتبي، منصتا لـ "بغيبتك نزل الشتي قومي طلعي ع البال"، متعمّقًا بغابات البنّ التي تركتها نديّة على خديكِ ذات قصيدة. كان كلّ شيء يستدعي التكرار والابتذال. العاشرة، تحلّ ضيفة على معصم الدهر، والثواني تتقدّم بحرارة الباردين العاطلين عن الشغف.

تذكّرت أنّ هاتفي لم يصبّح أناملي بعد. "فلفشت" في حساباتي كالمعتاد، حيث لا أثر لغبار رسائلك. حيث رسالتك الملغاة بسبب خذلاني أناكِ، معلقة كما يعلّق المقاومون صورة لدبابة إسرائيلية فجّروها. كنتُ فرحاً بنصري يوم تجرّأت على عدم الردّ عليك. كنتُ فرحًا حتى استفقت ولم أجدكِ. بعد شهر، سافرتِ من دون أن تخبريني. سافرت وحملت جروحي من دون اعتذار. من دون استسماح. من دون "دير بالك عَ حالك". من دون "الله يحميك". سافرت تاركة الشرود يعبث بقسوة الفناجين على ذوقي. سافرت كي تستجمّي على مساحة قلقي، وكقاطعي الطرق، أطلقت "زمامير" الألم والكآبة على أوتوسراد ذاكرتي.

شهر والأغنية هي نفسها. والنطق يستعطي عبارة تصفكِ باستفزاز. شهر والآحاد ترشني كالرماد على مذابح الفراغ. نعم لقد بتُّ مجرد عدد. مجرد خبر يبحث عن جملة تكونين اسمها، لأتأكد مجدداً أن حبي لكِ كان ماضيًا ناقصًا... من التجاوز.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم