الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل تعدّل قوّات "فاغنر" الروسيّة سياسة ترامب الليبيّة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل تعدّل قوّات "فاغنر" الروسيّة سياسة ترامب الليبيّة؟
هل تعدّل قوّات "فاغنر" الروسيّة سياسة ترامب الليبيّة؟
A+ A-

تَجسّد الدعم، وإن لم يكن بشكل حصريّ، في إرسال مقاتلي "فاغنر" لمساعدة الجيش الوطنيّ الليبيّ في معاركه ضدّ المجموعات المسلّحة التي تدعمها حكومة الوفاق. التعقيدات الليبيّة الكامنة في شدّ حبال متعدّد الأطراف تصعّب رسم خطوط واضحة بين الحلفاء والخصوم. على سبيل المثال، قد تكون روسيا على خلاف كبير مع تركيا في تلك البلاد، لكن من الممكن ألّا يصل حجم الخلاف إلى اصطدام بين الطرفين.

"حرب هجينة"

حذّر مدير برنامج الأبحاث التركيّة في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" سونر كاغابتاي ومساعد الباحث السابق في المعهد نفسه بين فيشمان من أنّه إذا "لم تستثمر واشنطن المزيد من الطاقة الديبلوماسية وتدعم بالكامل المبادرة الألمانيّة لتنفيذ وقف إطلاق النار والعودة إلى مفاوضات السلام، سوف تتصاعد حرب الوكالة في ليبيا حتماً". وأضافا في مقال لهما نشره المعهد في 19 كانون الحاليّ أنّه "في هذا السيناريو، يمكن أن تصبح تركيا وروسيا – وليس الولايات المتّحدة أو شركاؤها الأوروبيون – المحكّمين لمستقبل ليبيا."

ما تواجهه الولايات المتّحدة في ليبيا أصعب ممّا تواجهه في سوريا بسبب التفاوت في حجمي الفراغ الذي خلّفته الإدارتان الأخيرتان في كلا البلدين. أعطى الفراغ في سوريا (باستثناء نفوذ متذبذب شمال البلاد) درساً في فهم مدى صعوبة إيجاد حلّ سياسيّ لأزمة انخرطت فيها قوى أخرى بشكل أكثر فاعليّة. كذلك، تبدو بعض التصريحات الأميركيّة اليوم تكراراً لما سمعه مراقبون في سوريا خلال أوقات سابقة، مثل إعلان مايك بومبيو بعد استقباله نظيره الروسيّ سيرغي لافروف أوائل الشهر الحاليّ أنّه لا حلّ عسكريّاً للنزاع الليبيّ. لكنّ ذلك لا ينفي النفوذ الاقتصاديّ الذي تتمتّع به واشنطن إذا ما أرادت العودة إلى ممارسة دور فعّال.

التقت نائبة مستشار ترامب لشؤون الأمن القوميّ فيكتوريا كوتس برئيس حكومة الوفاق فايز السراج كما بالمشير حفتر في تشرين الثاني الماضي. من جهته، أعرب مسؤول بارز في وزارة الخارجيّة عن "قلق كبير" لدى الولايات المتّحدة بسبب تصاعد القتال في ليبيا، مشيراً إلى أنّ واشنطن لا تصطفّ بجانب طرف على حساب آخر بالرغم من اعتراف بلاده بحكومة الوفاق. وأضاف: "نرى الروس يستخدمون حرباً هجينة، مستخدمين مسيّرات وطائرات. هذا ليس جيّداً. مع ازدياد أعداد قوات فاغنر والمرتزقة على الأرض بحسب التقارير، نظنّ أنّه يغيّر مشهد النزاع ويكثّفه".

قلق أميركيّ

ساهمت عناصر أخرى في دعل العمل على إنهاء النزاع الليبيّ أمراً أكثر إلحاحاً بمرور الوقت. إنّ توقيع اتّفاقيّة بين أنقرة وحكومة الوفاق الشهر الماضي حول ترسيم الحدود البحريّة شرق المتوسّط ترك قلقاً أميركيّاً من زيادة التصعيد مع قوى أخرى مثل اليونان وقبرص ومصر. ووصفت الولايات المتّحدة هذه الاتّفاقيّة ب "الاستفزازيّة". مع ذلك، صدرت مؤشّرات إلى سياسة أميركيّة جديدة وفقاً للكاتب غريغوري أفتانديليان من "المركز العربي واشنطن دي سي".

رأى الكاتب أنّ السياسة "الجديدة والأكثر تجانساً" تعكس قلقاً متزايداً من أنّ نزاعاً مطوّلاً يحسّن فرص روسيا بأن تصبح أكثر تجذراً في ليبيا كما تعكس قلقاً من عودة داعش عبر استغلال الفوضى. استند أفتانديليان إلى عدد من التقارير التي ذكرت أنّ واشنطن حذّرت حفتر من أنّ العمل العسكريّ في طرابلس سيكون "كارثيّاً" كما حذّرته من النتائج "السلبيّة جداً" التي سيفرضها الانخراط الروسيّ في ليبيا. لكنّه بالمقابل ذكر أيضاً أنّ واشنطن لا تعتقد أنّ الحلّ يكمن مع حكومة الوفاق. وربط التوجّه الجديد بقانون إعادة الاستقرار إلى ليبيا الذي يعمل عليه الكونغرس والذي ينصّ على معاقبة "الأفراد المغذّين للعنف" في البلاد وعلى دعوة الإدارة لصياغة "استراتيجيّة مواجهة النفوذ الروسيّ".


بعض المصالح الروسيّة

مدى نجاح واشنطن في اعتماد سياسة ليبية متوازنة سيبقى قيد المتابعة. أسّست إطاحة القذافي وتداعياتها الأمنيّة، بما فيها عمليّة اغتيال السفير الأميركيّ كريستوفر ستيفنز في بنغازي سنة 2012، وقائع سياسيّة ومعنويّة تجعل رغبة واشنطن بالعودة إلى ليبيا محدودة. لكن من المرجّح أن تفصل الولايات المتّحدة بين رغباتها والحسابات الإقليميّة.

يعلم الأميركيّون أنّ ليبيا نقطة تناقضات كبيرة بين واشنطن وموسكو. فالأخيرة امتلكت قواعد عسكريّة في طبرق خلال الحقبة السوفياتيّة. وكانت ليبيا سوقاً كبيرة للصناعات السوفياتيّة الثقيلة وأبرزها تلك العسكريّة. بالتالي، تعدّ ليبيا امتداداً تقليديّاً للنفوذ الروسيّ في المنطقة. وكانت هنالك توقّعات بأن يصل حجم الاستثمارات الروسيّة في ليبيا إلى ما بين 5 و 10 مليارات دولار، حين زار رئيس الوزراء آنذاك فلاديمير بوتين طرابلس سنة 2008.

تهديد

من جهة الغربيّين، يعدّ توسيع روسيا نفوذها في ليبيا "تهديداً" على الضفّة الجنوبيّة لحلف شمال الأطلسيّ. لن يتسامح الأميركيّون، وربّما الكونغرس خصوصاً، مع تهديد آخر يطال الحلف من ليبيا، بعد ذاك الذي فرضته موسكو من سوريا. مع ذلك، ثمّة ضبابيّة حول مدى استمرار تجانس الرؤية الأميركيّة إلى هذه المسألة. في البيانات الديبلوماسيّة اليوم، هنالك ما يشي بوجود الحدّ الأدنى من التجانس بعد فترة من التضارب في المواقف أواسط السنة الحاليّة.

بالرغم من ذلك، يكتنف الغموض أدوات الضغط الأميركيّة لمواجهة الروس. هل تملك واشنطن غير الضغط الديبلوماسيّ وقانون إعادة الاستقرار إلى ليبيا للتوصّل إلى هدفها؟ وهل بإمكانها فرض الضغوط دفعة واحدة على كلّ من روسيا وتركيا ومجموعة من الدول الأوروبية والعربيّة لإنتاج التسوية؟ أم أنّه حتى ذلك الحين، ستكون روسيا قد فرضت أمراً واقعاً يحتّم على واشنطن التفاوض معها حول تلك التسوية؟ لن يكون مفاجئاً عدم توفّر أجوبة قبل تبلور المشهد الميدانيّ في طرابلس.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم