الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

هل سيحوّل الدب الروسي ليبيا إلى سوريا ثانية؟

المصدر: النهار
سينتيا الفليطي
هل سيحوّل الدب الروسي ليبيا إلى سوريا ثانية؟
هل سيحوّل الدب الروسي ليبيا إلى سوريا ثانية؟
A+ A-

بعد أن احتلت روسيا الأخضر واليابس في سوريا واستباحت الأرض والعرض، بعد أن كانت هي الرصاصة المميته في قلب ثورة الشعب السوري باعتراف الروس أنفسهم: حيث جاء على لسان رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، الجنرال فاليري غيراسيموف، أنّ تدخل روسيا العسكري في سوريا سنة 2015، لدعم نظام الأسد، أنقذ الأخير من السقوط، عندما كان يسيطر على 10 بالمئة من البلاد فقط، وكاد ينتهي "في غضون شهر ونصف أو شهرين". كما وقال وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، في كانون الثاني 2017، إن العاصمة دمشق، كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة، في يد من وصفهم بـ"الإرهابيين" عندما تدخلت روسيا لدعم نظام بشار الأسد.

بعد أن قال بوتين كلمته في قاعدة حميميم الروسية كأنه الآمر الناهي بالشؤون السورية، يطل علينا الدّب الروسي في ليبيا ليغرق قوات حفتر بالأسلحة والأساليب اللازمة بهدف الإنقلاب على الحكومة الشرعية الليبية.

فماذا يريد الرّوس من ليبيا؟

بعد ثورة ٢٠١١ التي أطاحت طاغية بوتين المدلّل، معمر القذافي، تحرّكت روسيا في ليبيا وأقامت علاقات مع جميع الأطراف الليبية المتصارعة في البلاد بمن فيهم حفتر وحكومة الوفاق الوطني، وبعد سياسة "ضربة عالحافر وضربة عالمسمار"، فعلت الكيمياء بين بوتين وحفتر كما بوتين والأسد فعلها، فعوّم الرّوس ما يعرف بالجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر في حربه ضدّ ما نعته بالإسلاموية المتواجدة في مدينة بنغازي.

يبدو أن روسيا لا تتردد بفعل كل ما يلزم من أجل استعادة أمجادها وتمدّد نفوذها في الشرق الأوسط، لقد دعمت حفتر عسكرياً حتّى ظهر على متن حاملة الطائرات أميرال كوزينتسوف التي عبرت المياه الليبية في كانون الثاني٢٠١٧. كما طبعت روسيا في العام ٢٠١٦ حوالي ٣ مليارات دولار لصالح حفتر وقواته من أجل إغراق السوق الليبي والبنك المركزي بالعملات الزائفة في محاولة للتضييق أكثر فأكثر على الحكومة الشرعيّة، كما قال المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا أشرف الشح واصفا الحركة الروسية بليبيا بالغزو الروسي لبلاده.

هذا الدّعم المالي والعسكري لحفتر وقواته ليس مجاناً، فقد حقّقت روسيا في ليبيا كما سوريا أرباحاً هائلة لن تكون مستعدة للتخلي عنها بسهولة.

أولاً- على صعيد النفط الليبي

على الرغم من أن الحرب التي يقودها حفتر في طرابلس ضد الشرعية، بعيدة عن حقول النفط، إلا أن هدفه الرئيسي هو إحكام السيطرة على الصناعة النفطية التي تديرها حالياً شركة النفط الوطنية، التابعة للحكومة الشرعية في طرابلس، وبالتالي حرمانها من الدخل النفطي الليبي حسب المراقبين. ولتحقيق هذا الهدف لا يستبعد خبراء بنشرة "أويل برايس"، أن تستهدف قوات حفتر في أي لحظة حقل الشرارة الليبي الأكبر في ليبيا، وميناء الزاوية الذي يصدر أكبر كميات من النفط. ومن ثم حرمان الحكومة الشرعية من الدخل النفطي. وينتج حقل الشرارة نحو 300 ألف برميل يومياً، وهو حقل مرتبط بميناء الزاوية الذي تصدر ليبيا من خلاله 6 ملايين برميل يومياً. وفي حال سيطرته على حقل الشرارة، سيكون حفتر عملياً قد سيطر على صناعة النفط.

وكانت قوات حفتر منعت في حزيران الماضي تصدير النفط الليبي لعدة أسابيع، بعد استيلائها على اثنين من موانئ التصدير وحولت إداراتهما من شركة النفط الوطنية إلى سلطات النفط في شرق ليبيا. في هذا الصدد، يرى الخبير النفطي البريطاني نيل كويلام، في حوار مع معهد الدراسات الملكي البريطاني، (تشاتام هاوس)، أن ليبيا لديها الطاقة لإنتاج 1.8 مليون برميل لولا الحرب الأهلية التي يقودها حفتر، والتدخلات الخارجية في تطويل أمد النزاع ومنع التسويات السياسية التي اقترحتها الأمم المتحدة. وقال إن الاحتياطات النفطية المكتشفة تسمح لليبيا بإنتاج 2.5 مليوني برميل يومياً.

كما وسعى حفتر العام الماضي لبيع شحنات من النفط، عبر شركات أسست في الإمارات، متخطياً بذلك الحظر الدولي الذي يحصر التصرف في النفط الليبي بشركة النفط الوطنية.

وينظر المجتمع الدولي لتحركات حفتر العسكرية، على أنها تجد تشجيعاً ودعماً من الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يعمل على استعادة نفوذه في ليبيا التي انتزعت منه بواسطة تدخل قوات حلف الأطلسي. وبحسب دبلوماسيين غربيين على علم باستراتيجية بوتين في ليبيا، فإن روسيا ترغب في استعادة الهيمنة على النفط الليبي، وتسويق معدّاتها العسكرية واحتكار عقود إعادة بناء ليبيا التي دمرتها الحرب، وتقدر بمئات المليارات. كما تخطط لإنشاء قاعدة بحرية في سواحل ليبيا على البحر المتوسط.

ثانيا- ترميم العلاقات الدبلوماسية الروسية

يتعدى الاهتمام الروسي المتنامي للملف الليبي الإطار المحلي البحت بل له بعد إقليمي. فهناك أطراف في شمال إفريقيا (الجزائر ومصر) والشرق الأوسط (الإمارات العربية المتحدة، قطر وتركيا) والغرب (فرنسا، إيطاليا والولايات المتحدة الأميركية) ناشطة حالياً في الساحة الليبية. ويستفيد الجنرال حفتر من دعم عدد منها (مصر والإمارات العربية المتحدة، وبشكل أكثر سرية إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية)، وهو يشكل بذلك نقطة التقاء لهذه البلدان مع روسيا.

فالكرملين الذي سيطر على الملف السوري عسكرياً ودبلوماسياً منذ التدخل المسلح في أيلول ٢٠١٥، لا يمكنه أن يتجه إلى خيار عسكري في ليبيا دون أن يخاطر بمواقعه في سوريا. وأكثر ما يمكن أن تفعله روسيا هو المساهمة في عملية بحرية متعددة الجنسيات لمنع وصول الأسلحة والجهاديين عن طريق البحر.

وبالمقابل تشهد موسكو نشاطاً دبلوماسياً حثيثاً يرتكز على قدرتها في القيام بحوار موسع يتغذى من النفوذ الجديد المكتسب عبر الاختراق الذي قامت به في سوريا، فعملها في ليبيا يسمح لها بتكثيف علاقات وطيدة أصلاً مع بعض الدول (مصر والإمارات العربية المتحدة) وخلق هامش للحركة تجاه أطراف أخرى تضررت العلاقات معها (قطر، فرنسا والولايات المتحدة).

ثالثا- على صعيد بيع الأسلحة

لقد قال المحلّل السياسي المختص بالشأن الروسي محمود الحمزة إن "روسيا تريد أن تعيد أمجادها في ليبيا، لأن حفتر وعد روسيا بإحياء اتفاقيات شراء الأسلحة التي كانت تربط روسيا وليبيا من أيام القذافي، والتعاون في مجال النِّفْط والأسلحة والغاز، وبالتالي فالروس يهمّهم ذلك لأن السياسة الروسية بعد تفكُّك الاتحاد السوفييتي هي سياسة براغماتية تنطلق من المصلحة الخاصة للنخب الحاكمة في روسيا كأولوية، لذلك هم مستعدون للتدخُّل عسكريّاً وإشعال الحروب من أجل مصالحهم الاقتصادية".

كل ذلك في ظل مواقف أميركية خجولة كالتي ظهرت في سوريا، فهل ستجعل روسيا من ليبيا سوريا ثانية؟ هل ستسطيع القوات التركية الحلول محل الدّور الأميركي الواهن وقلب الموازين؟

فلننتظر الأيام المقبلة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم