قصص أصحاب محلات البقالة المتواضعة في الأزمة... رفوف فرغت و"الرزق على الله"

موجة غلاء ضربت لبنان مع ارتفاع سعر صرف الدولار، مهددة بالقضاء على قدرة المواطن الشرائية في وقت أدت الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها البلد إلى صرف عدد كبير من الموظفين وتقليص رواتب آخرين، ما أثّر بالتأكيد على معيشة اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على التقشف قدر المستطاع في شراء حاجياتهم، فكيف أثّر ذلك على محال البقالة الصغيرة؟ وهل تداعيات الأزمة خطيرة على مصيرها؟ أم أن بالإمكان تحمل أعباءها؟

خشية كبيرة

داخل أحد محلات البقالة في الطريق الجديدة جلست أم كريم تنتظر زبوناً كي تسترزق، حيث شرحت لـ"النهار" الوضع الصعب الذي تعانيه منذ أن أطلت الأزمة الاقتصادية برأسها على لبنان، وقالت" الناس خافت، أصبحت تفكر ألف مرة قبل ان تقدم على شراء حاجياتها، لاسيما مع ارتفاع الأسعار ليس فقط الى الضعف بل ثلاث مرات اكثر من السعر القديم، وما زاد الطين بلّه ان مبيعي في الدكان يرتكز على المدرسة المجاورة وبعد أن أغلقت أبوابها على مدى شهر ونصف الشهر انخفضت حركة المبيع إلى درجة أني اضطررت إلى إغلاق الفرن الملاصق للدكان والذي استأجرته ببدل إيجار 400 دولار شهرياً، هذا إضافة إلى أن أسعار المواد الأولية ارتفعت من السكر والزيت والطحين، لا بل حتى ورق اللف"، متهمة التجار بأنهم السبب في غلاء الأسعار حيث قالت: "كل تاجر يبيع البضائع بسعر صرف الدولار كما يريد، هذا عدا عن تعمدهم إخفاء عدد من المواد الأساسية من السوق كي يعاودوا بيعها لنا بالسعر الذي يريدونه، مع العلم أن المخازن تحتوي على عدد كبير من البضائع، كل ذلك دفعني إلى عدم شراء أنواع عدة من المنتوجات حيث أترقب الأوضاع التي يتجه إليها البلد".

الخوف من الأسوأ

وعن الزيادة التي طرأت على أسعار السلع شرحت أم كريم "الزيت ارتفع سعره بشكل كبير من 7500 ليرة إلى 13500 ليرة لعبوة الـ2 ليتر، الرز الهندي كان يباع بـ3000 ليرة الآن بـ4000 ليرة، أما الرز المصري فانقطع من السوق، فشوال الرز وزن 25 كيلو ارتفع سعره من 45 ألف ليرة إلى 65 ألفاً، كذلك السكاكر تأثرت بارتفاع الأسعار، أما الدخان فكان له نصيب كبير من ذلك، حيث إن كل يوم يختلف سعر الكروز منه، باختصار أي منتج ارتفع سعره بين 2000 و3000 ليرة"، لافتة إلى أنه "إذا بقي الوضع على ما هو عليه، فبالتأكيد لن أستطيع أن أكمل الطريق وسأغلق المحل، إذ حينها حتى بدل إيجاره لن يكون بإمكاني أن أدفعه".

إمكانية "الصمود" لمدة قصيرة

في الشارع المقابل وقف عماد البرادعي خارج دكانه يرتّب بضائعه، وعند سؤاله عن مدى تأثّره بالأزمة الاقتصادية أجاب: "تأثرت جداً (كل شي غالي)، وذلك بسبب جشع التجار الذين يزيدون 100 ليرة على سعر صرف الدولار لحماية أنفسهم". وشرح: "علبة التون أصبح سعرها 3500 ليرة بدلاً من 2500 ليرة، كرتوتة البيض زادت ألف ليرة، السكر سعره نار ارتفع من 4 آلاف لكل 5 كيلو إلى 2000 ليرة للكيلو، الأجبان والألبان نالها نصيب كبير، فكيلو الجبنة ارتفع من 10 آلاف إلى 13 ألف ليرة بحجة ارتفاع سعر الحليب، حتى علبة البيكون، أكل الفقراء، أصبح سعر الصغيرة منها 2750 ليرة، كذلك أدوات التنظيف، لا بل حتى كيس البطاط عمدت بعض الشركات إلى رفع سعره، فيما شركات أخرى حافظت على السعر القديم، لكن بعدما كنا ندفع بفواتير لاحقة، الآن أصبحنا مجبرين على الدفع مسبقاً، الأمر الذي اضطرني إلى التوقف عن شراء بعض المنتوجات"، لافتاً إلى أن "ربحي من مبيع الدخان بألف دولار لا يتعدى الخمسين ألف ليرة في حين لو صرفت المبلغ الى الليرة اللبنانية كنت لأربح أكثر وأسرع، هذا عدا عن فقدان منتجات من السوق". وأضاف ممازحاً: "لم يبقَ منتج على سعره إلا بسكويت أونيكا"، مؤكداً "لا يمكنني الاستمرار على هذا الحال لأكثر من شهرين إذ عندها قد أضطر إلى اتخاذ القرار الأصعب ألا وهو إغلاق باب رزقي".

وضع متردٍ

إذا كان دكانا أم كريم وعماد يحتويان على بضائع، وإن بكمية تقل عما في السابق، فإن دكان عصام رحمة القريب منهما خير دليل على أن الأزمة الاقتصادية أرخت بظلالها على أصحاب محلات البقالة، فالمشهد وحده يتحدث عن الظروف الصعبة التي يعانيها، رفوف وبرادات شبه خاوية. وعن الوضع الذي وصل إليه تحدث قائلاً: "لدي نحو 4 ملايين و500 ألف ليرة في السوق كوني أبيع بالدين للزبائن، والآن لا أحد باستطاعته دفع المترتب عليه في وقت أخجل من مطالبتهم كونهم جيراني، كل ذلك أدى إلى عدم قدرتي على شراء بضائع جديدة عدا عن أن سعر صرف الدولار مرتفع". وأضاف: "لا زلت أنتظر الفرج ولو لم يكن الدكان ملكي، لكنت أغلقته".

في المحصلة، رفوف فرعت من البضائع بفعل فرق سعر صرف الدولار وانخفاض القدرة الشرائية، ولسان حال يقول "الرزق على الله".