الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ألم يخاطر بوتين بدفاعه عن ترامب في وجه الاتّهام؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ألم يخاطر بوتين بدفاعه عن ترامب في وجه الاتّهام؟
ألم يخاطر بوتين بدفاعه عن ترامب في وجه الاتّهام؟
A+ A-

تشابه في الردود

لمدّة فاقت أربع ساعات، وأمام حوالي 1900 صحافيّ، استمرّ بوتين في تلقّي الأسئلة خلال مؤتمره الذي يعقده نهاية كلّ سنة ويتطرّق فيه إلى السياسات الداخليّة والخارجيّة للبلاد. عند "دفاعه" عن ترامب، كان لافتاً استخدام بوتين حججاً مشابهة لما يستخدمه الرئيس الأميركيّ أو الجمهوريّون عند مواجهة اتّهامات كهذه: "هذا ببساطة استمرار للصراع السياسيّ-الداخليّ حيث أنّ حزباً خسر الانتخابات، الحزب الديموقراطيّ، يحاول تحقيق نتائج عبر طرق وأساليب أخرى". وأضاف بوتين: "أوّلاً، يتّهمون ترامب بالتواطؤ مع روسيا. عندها يتضح أنّه لم يكن هنالك تواطؤ، لذلك، لا يمكن استخدام هذا كأساس للاتّهام. اخترعوا الآن فكرة أنّه فرض ضغطاً على أوكرانيا." وكان الرئيس الأميركيّ قد غرّد في حزيران 2017: "اخترعوا تواطؤاً وهميّاً مع قصّة الروس، لم يجدوا أيّ دليل، لذلك، يتوجّهون الآن إلى (التحقيق في) عرقلة العدالة حول الرواية الوهميّة".

سبب مباشر

أكّد المجتمع الأمنيّ الأميركيّ تدخّل الروس في انتخابات 2016، وهذا ما فعله تحقيق مولر. ولا يزال الهاجس الأميركيّ وخصوصاً الديموقراطيّ من إعادة تدخّل موسكو في انتخابات 2020 قائماً. وقد يعزّز كلام بوتين الأخير هذه المخاوف.

هنالك سبب مباشر لهذه الكلمات وفقاً للكاتب إريك لوتز في مجلّة "فانيتي فاير": درء عقوبات أميركيّة جديدة على روسيا. تحاول الإدارة الأميركيّة مواجهة رزمة عقوبات يدرسها الكونغرس ضدّ الكرملين وقد تقدّم بها السيناتور الجمهوري المقرّب من ترامب ليندزي غراهام. ويشرح لوتز أنّ بوتين مدرك لمدى أهمّيّة الإطراء في إقناع الرئيس الأميركيّ بالموافقة أو عدم الموافقة على قرار ما. لكنّ النظرة الروسية الاستراتيجيّة إلى العلاقة مع الولايات المتّحدة تتخطّى حزمة عقوبات، من دون إغفال أهمّيتها.

"لن يردعه"

في تصريحه الأخير، أعاد بوتين إقحام العلاقات "الإشكاليّة" مع روسيا في السجالات الأميركيّة، في وقت تبدو الساحة الداخليّة متخمة بحدّة هكذا سجالات. بناء على فرضيّة أنّ بوتين تدخّل لمصلحة ترامب في الانتخابات الماضية، سيكون تدخّله مرّة أخرى لإعادة انتخابه السنة المقبلة مؤكّداً بحسب رأي البعض.

بالنسبة إلى الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" بول والدمان، يعبّر كلام بوتين عن أنّ تدخّله في الانتخابات الرئاسيّة جارٍ على قدم وساق بالرغم من عدم معرفة الأميركيّين بعد بأسلوب وطريقة التدخّل. وكتب أنّ كلام بوتين أراح ترامب الراغب بالحصول على المساعدة أكان من روسيا أو من أيّ دولة، لأنّ الاتّهام "لن يردعه" عن ارتكاب "جرم" آخر. فهو برأي والدمان لا يرى في ضغطه على أوكرانيا أيّ خطأ كما أنّ الرئاسة جعلته مدفوعاً أكثر بالظلم والانتقام ممّا كان عليه كمواطن عاديّ.

"روعة" و"مثاليّة"

في حين أنّ أفكار ترامب يمكن أن تخدم بوتين في السياسات الدوليّة، لا ينطلق اهتمام بوتين بالدفاع عن ترامب من رغبة روسيّة بوجود حليف أميركيّ قويّ في البيت الأبيض. بل بحسب بعض الآراء، المطلوب هو نقيض ذلك تماماً.

في حديثه إلى مايكل هيرش من مجلّة "فورين بوليسي"، يقول محامي حقوق الإنسان سكوت هورتون الذي مثّل موكلين من الاتّحاد السوفياتي السابق: "أراد بوتين أن يتمّ انتخاب ترامب في 2016 ويريد أن يتمّ انتخابه في 2020، لكن هذا لا يعني أنّه يريد ترامب رئيساً قويّاً يدير أميركا. العكس تماماً. سيكون دعم ترامب مدفوعاً بتحليل من الكرملين يقترح أنّه كان متقبّلاً للمصالح الروسيّة (القرم، أوكرانيا، كوريا الشماليّة، تفكيك الناتو، إضعاف الاتّحاد الأوروبّي) وسيكون قائداً مجزِّئاً عوضاً عن أن يكون موحِّداً."

وأشار هورتون إلى أنّ الوضع أصبح أفضل من وجهة نظرهم مع وصول ترامب إلى السلطة لكن بعدما أصبح ضعيفاً ويهدّده الصراع الداخليّ. "لذلك، سيكون صراع حول الاتّهام رائعاً. وحرب أهليّة في أميركا، مع منصّات روسيّة دعائيّة تبشّر بها بشكل مستمرّ ستكون مثاليّة."

بين الاستراتيجية والحسابات

في هذا السياق، بات جزء وازن من السياسيّين والأكاديميّين الأميركيّين مقتنعاً بأنّ ما يريده بوتين هو زيادة الانقسامات في المجتمع الأميركيّ كما في المؤسّسات السياسيّة أكثر من مجرّد دعم ترامب شخصيّاً. على الرغم من أنّ الإطار العام لهذا المشهد قد يكون منطقيّاً، تبقى الحسابات التفصيليّة أكثر تعقيداً.

الباحثة غير المقيمة في مركز "كارنيغي" من موسكو تاتيانا ستانوفايا، تلفت النظر في مقالها الذي نشرته مجلّة "بوليتيكو" إلى هذه الحسابات. يريد بوتين تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ومع الغرب، ومن هنا، كان الانفتاح على أوكرانيا وأوروبا، لكنّ ارتباط روسيا بقضيّة الاتّهام يضرب صورتها العالميّة كما يضرب هذا الهدف. من ناحية ثانية، أشارت ستانوفايا إلى أنّ ترامب يشكّل لروسيا أفضل "عازل" عن المؤسّسة الأميركيّة التي تراها "عدوانيّة" بجناحيها الديموقراطيّ والجمهوريّ. ولهذا السبب، إنّ الإضرار بترامب يعني الإضرار بالعازل الذي يفصلها عن المؤسّسة، ولهذا السبب، لن تكون موسكو فرحة بالاتّهام وفقاً لرأيها.

إذا كان بوتين حريصاً على الدفاع عن ترامب ورفع حظوظ نجاحه بناء على هذه الحسابات، فلا شكّ في أنّه ارتكب خطأ غير مقصود قد لا يفيده على المدى الطويل. أمّا إذا كان هدفه زيادة الشرخ الأميركيّ الداخليّ، فقد يكون الكرملين على وشك مشاهدة أو الاستمرار في مشاهدة تطوّرات من هذا النوع، في سنة مفصليّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم