الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

البعثة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى جعلتني أقوى وحفّزتني لخوض تجارب مماثلة

شانتال لقيس
البعثة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى جعلتني أقوى وحفّزتني لخوض تجارب مماثلة
البعثة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى جعلتني أقوى وحفّزتني لخوض تجارب مماثلة
A+ A-

اسمي شانتال لقيس، حائزة على إجازة في اختصاص "المختبر الطبي" وماجستير في علم الأوبئة، وقد عملتُ في مستشفيات وكليات طب في منطقة الأشرفية في لبنان. انضممت لمنظمة أطباء بلا حدود في أيلول 2016، وبدأت العمل كمسؤولة علم أوبئة في مشاريع المنظمة في لبنان، حيث ارتكز دوري على مراقبة وتقييم أنشطة المشاريع من خلال إنشاء ومتابعة أنظمة إدارة البيانات في المشاريع. ويشمل ذلك دعم وتوجيه فرق البيانات، كما تقديم الدعم والتوجيه لفريق الداتا المتواجد في المشاريع، إضافةً إلى العمل على أبحاث تخدم هذه المشاريع. كل ذلك، إلى جانب العمل مع وزارة الصحة في حال دعَت الحاجة إلى القيام باستجابة طارئة.

بعد مدَّة من انضمامي إلى المنظمة والتعرف إلى طبيعة العمل فيها، طلبت الذهاب في مهمة خارج لبنان، وكان يفترض أن أتمكن من الذهاب قبل عامين (2017) إلى بعثة طوارئ حيثُ نمط العمل مختلف تماماً. ولكنَّ لم تسنَح لي الفرصة سوى هذا العام للذهاب في بعثة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى. أخبرتُ عائلتي بقراري، لم يشكل ذلك صدمةً طبعاً لهم، إذْ كانوا على علمٍ بأني أطمح لذلك وأنَّ طبيعة عملي تقتضي السفر ضمن بعثات مختلفة، ولكن برزَ بعض التردد من جهتهم.

أفريقيا الوسطى والخبرة المختلفة

يقولون إنَّ "المكان الذي نجهله نخاف منه"، هكذا شعرتُ في البدء مع وصولي إلى المطار في بانغي، احتجتُ نحو 3 أسابيع للتأقلم في بلدٍ جديد نظراً للاختلاف الثقافي. وأدركت أنها تسمى "بعثة" لسبب ما، إذ تخرج حرفياً من روتينك اليومي وطبيعة عملك، وتشعر بالانفصال عن نمط حياتك المعتاد، سعياً لخوض تجربة في بيئة مختلفة تمامًا لناحية الطقس والمجتمع وظروف المعيشة الأساسية. كنتُ تعيسة يوم وصلتُ وكذلك يوم غادرتُ جمهورية إفريقيا الوسطى إذ أحببتُ البلد وطبيعة العمل والتعامل مع الناس. كنتُ فرحة في مكان إقامتي وبات لدي غرفة وأصدقاء جُدد. صحيحٌ أنَّ الحياة صعبة، ولكن لا تشعُر بالتوتر والضغط رغم كل العوائق. كما يُقدِّر المجتمع المحلي الجهود التي تبذلها منظمة أطباء بلا حدود الموجودة في البلاد منذ أكثر من عشرين عاماً، يثقون بها، ويدركون توافر الخدمات التي يحتاجونها بشكل مجاني وذات نوعية.

من بين المشاريع التي تديرها المنظمة: الأمومة الشاملة والولادات القيصرية، العناية المركزة لحديثي الولادة، فحص النساء لاحتمال وجود فيروس نقص المناعة البشرية، وبرامج الصحة النفسية والتوعية الصحية. كما تدعم المنظمة خدمات التخطيط الأسري وتُقدِّم المساعدة للنساء اللواتي تعرضن للعنف. في عيادة التوليد التابعة للمنظمة في بانغي أشرفت الفرق العاملة على 9,600 ولادة، كما قدمت الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية لخفض معدل المرض والوفاة نتيجة المضاعفات التوليدية وتبعات الإجهاض غير الآمن الذي يعتبر من أهم أسباب الوفيات بين النساء.

لم يكن عملي كمسؤولة علم أوبئة على تماسٍ مباشر مع المرضى، ولكن سمعتُ الكثير من القصص المحزنة التي تشاركها معنا الفريق الطبي عن حجم المعاناة الهائل الذي يمرُّ به المرضى قبل وصولهم إلى عياداتنا. اقتضى دوري على تدريب الموظفين المحليين وتوظيف مديرٍ للداتا، إذ إنَّ نوعية الداتا الصادرة طرحت علامات استفهامٍ عدَّة، خصوصاً وأنَّ الأرقام كانت أحياناً متضاربة، ما استدعى ضرورة العمل على جمع الأرقام الصحيحة والتدقيق فيها. خلال هذه التجربة عملت مع أشخاص يمتلكون خبرات بسيطة لناحية التقنيات العملية، لذلك سعيت قبل مغادرتي للطلب بحصول الفريق المحلي على تدريب يساعد في تطوير هذه الخبرات.

لا أحب قول "وداعاً"!

3 أشهر مرَّت بسرعة، لم أخبر أحداً من زملائي بأنَّه اليوم الأخير لي ضمن هذه البعثة، لا أحبُّ الوداع. لكنْ عندما رأى بعضٌ من زملائي حقيبة سفري تفاجأوا، وإلى اليوم، لا يمكنني أن أنسى الحزن على وجوههم. سألوني "متى ستعودين"؟ فأجبتهم بأنَّ مهمتي اقتضت بأن أتواجد لثلاثة أشهر فقط. هذه المدَّة كانت كافيةً لأدرك الدور المؤثر الذي تقوم به أطباء بلا حدود وتقدير الناس لها. وعلى الرغم من أني لا أفضل حياة التنقل وأسعى للاستقرار بدلاً منها، إلا أنَّي حتماً، أرغبُ بتكرار هذه التجربة. لقد تعلمتُ الكثير منها، جعلتني أقوى وأعطتني دافعاً وحافزاً أكثر لخوض تجارب مماثلة. أتطلع إلى العمل في سياق الطوارئ، وأدركُ جيداً أنَّ الضغط سيكون أكبر ولكنني مستعدةٌ لذلك!

* أخصائية علم أوبئة مع منظمة أطباء بلا حدود

بدأت منظمة أطباء بلا حدود العمل في جمهورية إفريقيا الوسطى عام 1997، وقد وصل عدد أفراد المنظمة في عام 2018 إلى 2,829. وقد قدَّمت المنظمة في عام 2018، نحو 852,600 استشارة خارجية، وتلقى 546,800 علاجاً للملاريا، كذلك ساهمت المنظمة في ولادة 17,800، وعالجت نحو 4,010 أشخاص إثر حوادث عنف جنسي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم