الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل "دفن" كوربن حزب العمّال تحت أصوات الطبقة العاملة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل "دفن" كوربن حزب العمّال تحت أصوات الطبقة العاملة؟
هل "دفن" كوربن حزب العمّال تحت أصوات الطبقة العاملة؟
A+ A-

أطاحت الانتخابات برئيس حزب العمّال جيريمي كوربن الذي أعلن أنّه لن يقود الحزب في الانتخابات المقبلة. قد لا تكون خطوة كوربين مستغربة إذ تعدّ خسارة حزبه هي الأسوأ منذ ثمانين عاماً على الأقلّ. من المرجّح أن يستطيع جونسون تأمين خروج بلاده من الاتّحاد الأوروبّيّ (بريكست) في نهاية كانون الثاني المقبل حيث تبقى بريطانيا خلال الفترة الانتقاليّة في السوق الأوروبية المشتركة لكنّها تفقد حقّها بالمشاركة في مؤسّسات الاتّحاد.

تصويت "عمّاليّ" للمحافظين؟

خسر حزب العمّال في مناطق حيث للطبقة العاملة تقليديّاً حضور كبير. وكتب بروفسور العلوم السياسيّة في جامعة ستراثكليد السير جون كورتيس أنّ "العمّال" خسر 11% من الأصوات في تلك المناطق و 7% في مناطق الطبقة الوسطى. وأضاف في هيئة الإذاعة البريطانيّة "بي بي سي" أنّ الرابط بين "العمّال" وقاعدته من الطبقة العاملة تعرّض للضغط بشكل كبير حيث خسر في دوائر لم تصوّت قط لنائب محافظ في انتخابات عامّة.

ويتّفق أكثر من مراقب حول هذه الظاهرة. ترى رئيسة تحرير مجلّة "إيكونوميست" البريطانيّة زاني مينتون بيدوز أنّه بفوز المحافظين، "دفن حزب الأغنياء (حزب) العمّال تحت أصوات الطبقة العاملة" في شمال ووسط إنكلترا بحسب رأيها.

لكن يبدو، بحسب تحليلات موازية، أنّ حزب العمّال هو الذي اختار دفن نفسه تحت أصوات الطبقة العاملة. ولا يعني ذلك استثناء التحوّلات الاجتماعيّة التي شهدتها هذه الطبقة تدريجيّاً خلال العقود الماضية والتي أضعفت العلاقة بينها وبين النقابات والأحزاب اليساريّة بفعل تبدّل طبيعة الإنتاج والتطوّر الصناعيّ المطّرد. إنّما من غير المستبعد أن يكون كوربين هو المسؤول الأوّل عن النتيجة.

أظهرت أرقام "العمّال" الأخيرة (خسارة حوالي 20 مقعداً) أنّ تراجعه هو الذي عزّز موقع المحافظين بحسب صحيفة "الغارديان". فعلى مستوى نسبة التصويت، لم يحصل الأخير إلّا على ما يقارب 34.4% في زيادة 1% عن الانتخابات الأخيرة سنة 2017. وبالتالي، لم يحصل على الغالبية المطلقة من الأصوات. لكنّ تراجع نسبة التصويت لصالح "العمّال" من 40% سنة 2017 إلى حوالي 32.6% كان عاملاً إيجابيّاً بالنسبة إلى منافسه. وفي الصورة العامّة، خسر "العمّال" أربعة انتخابات في 10 سنوات.


مكاسب عدّة لجونسون

حقّق بوريس جونسون فوزاً شخصيّاً أيضاً حين كسر توقّعات المراقبين بألّا يستطيع تعزيز مكانة حزبه بفعل شخصيّته المثيرة للجدل وبفعل إرث التخبّط السياسيّ الذي سيرثه عن عهد رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي.

علاوة على ذلك، كان رهانه على الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة صائباً بالنسبة إلى حزبه علماً أنّ رهانات سلفيه لم تكن كذلك. دعا دايفد كاميرون لإجراء استفتاء "بريكست" متوقّعاً أن يصوّت البريطانيّون لصالح البقاء لكنّ توقّعاته خابت. وراهنت ماي على انتخابات تكسبها الغالبيّة البرلمانيّة في حزيران 2017 فتبيّن مجدّداً خطأ رهانها. كذلك، خسرت مرّتين التصويت لصالح اتّفاقها مع الأوروبّيّين على خطّة "بريكست" في كانون الثاني وآذار من السنة الحاليّة.

لكنّ اللافت أنّ ماي تحاشت الظهور الإعلاميّ، فعُدّ ذلك انفصالاً عن الناخبين، بينما عدّ السلوك نفسه لدى جونسون مثمراً لكونه قد تفادى الوقوع في الأخطاء الإعلاميّة. ونقلت صحيفة "ذا غلوب أند مايل" الكنديّة عن بروفسور العلوم السياسيّة في "كلّيّة لندن للاقتصاد" سايمون هيكس قوله إنّه من النادر أن يتغيّر هذا الكمّ من المقاعد في دورة انتخابيّة واحدة في بريطانيا كما حصل أمس. وأضاف: "توقّعاتي أنّنا حصلنا على بوريس في الرقم 10 (رئاسة الوزراء) ل 10 سنوات."


ضحيّة "بريكست" أم ضحيّة خياراته؟

سيكون جيريمي كوربن أمام امتحان كبير حين سيظلّ رئيساً للحزب في الفترة المقبلة عند محاولة تقييم النتائج قبل تقديم استقالته لاحقاً. ليس أمراً عرضيّاً أن يتسرّب حديث لوزير الظلّ في شؤون الصحّة، العمّاليّ جون آشوورث حديث يقول فيه، ردّاً على سؤال بشأن احتمال فوز كوربين برئاسة الحكومة: "إذا كنت في بلدة صغيرة في ميدلاندز (مناطق وسط إنكلترا) وفي الشمال، الوضع مزرٍ هنالك. هم لا يحبّون جونسون، لكنّهم لا يتحمّلون كوربين وهم يظنّون أنّ ‘العمّال‘ صَدّ بركسيت." ويرى البعض أنّ تفادي إعطاء كوربن لمحة صورة واضحة عن رأيه في "بريكست" مفضّلاً التطرّق فقط إلى شؤون اقتصاديّة داخليّة أثّر على الناخبين لجهة عدم وضوح برنامجه.

كان كوربن بحسب صحيفة "ذا جورنال" الآيرلنديّة أمام خيار صعب خلال الأسابيع الأخيرة: إرضاء الجيل الشاب والمدينيّ المؤيّد لبقاء بريطانيا في الاتّحاد الأوروبّيّ والمؤيّد لكوربين شخصيّاً، أو إرضاء الطبقة العاملة في وسط وشمال إنكلترا والمؤيّدة ل "بريكست".

انحاز كوربين إلى الخيار الأوّل، ويبدو أنّه دفع ثمن ذلك سريعاً وفقاً للأرقام الأوّليّة. ونقلت هذه الصحيفة وغيرها تغريدة بارزة للنائب العمّالي السابق آيان موراي الذي ردّ على الأقاويل التي تعيد سبب الفشل إلى الاستقطاب الداخليّ الذي خلقه ملفّ "بريكست" لا إلى سوء إدارة كوربين للحزب: "كل باب قرعته، فريقي وأنا تحدّثنا إلى 11 ألف شخص، ذكروا كوربين. ليس بريكست بل كوربين".

انتقد كثر، من "العمّال" و "المحافظين" على حدّ سواء، أداء كوربين خلال الأشهر وربّما السنوات القليلة الماضية أداء كوربين في الحزب، وحمّلوه مسؤوليّة فوز جونسون. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصحافيّين. في موقع "أوبن ديموكراسي" وجّه جايمس كيوسيك انتقاداً قاسياً جدّاً لجونسون وانتقاداً أقسى لكوربن، حيث وصف الأخير بأنّه "الرجل الواجهة لليسار الواهم، القبيلة داخل القبيلة التي لا تزال تفشل في الاعتراف بأنّ أهمّ منحة لقضيّة المحافظين هي الهديّة التي لا تزال تقدّمها، كوربين نفسه".

وفي تلخيص لإرث كوربين أضاف: هو عبارة عن "مفاتيح رقم 10 (التي سيهديها) يوم الجمعة، مغلّفة بورقة عيد الميلاد، ومسلَّمة إلى شخص ما كان بإمكانه أن يفوز من دونه".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم