الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الليرة اللبنانية بين الربط والتحرير

المصدر: النهار
د. خلدون عبد الصمد
الليرة اللبنانية بين الربط والتحرير
الليرة اللبنانية بين الربط والتحرير
A+ A-

حكاية الليرة بدأت بعد انهيار السلطنة العثمانية حيث كانت العملة الرسمية هي الليرة العثمنلية، ثم وبغياب العملة دخلت عبارة "المصاري" نسبة للجنيه المصري، وبعدها تم إنشاء بنك سورية، ثم بنك لبنان وسوريا، وذلك بالشراكة مع الفرنك الفرنسي، ثم تعامل اللبنانيون مع الجنيه الاسترليني ثم إصدار أول عملة باسم الليرة اللبنانية، إلى أن

أُسِّس مصرف لبنان بقانون النقد والتسليف الصادر في العام 1963 حيث بدأ العمل رسمياً في العام 1964 وكان سعر الصرف الرسمي بما يقارب الثلاث ليرات لبنانية للدولار الاميركي الواحد، وبقي على هذه المقاربة حتى الثمانينيات، حيث بدأت الليرة بالانهيار التدريجي إلى أن وصل إلى أكثر من 2000 ليرة للدولار الواحد، ثم تمّ تثبيتها أواخر التسعينيات بقرار ربط سعر الصرف عند 1507.5 ليرات للدولار الواحد.

بعد هذه الخضّات لليرة اللبنانية، استقرت العملة الوطنية استقراراً طويلاً رغم الاهتزازات الاقتصادية في لبنان والتي بدأت ملامحها من خلال التجاذبات السياسية التي دارت في تلك السنوات مروراً بالأزمة العالمية ٢٠٠٨ ووصولاً إلى الأزمة السورية بما في ذلك من نهوض وركود في الاقتصاد اللبناني، كل هذا وبقيت الليرة على ذات سعر الصرف، وهنا تبرز تساؤلات كثيرة: لماذا تقرر تنفيذ الربط في لبنان؟ وماهي إيجابياته وسلبياته؟ وهل من الممكن تغيير نظام الربط هذا؟ ومتى؟

إن فكرة تثبيت العملة لم تأتِ من فراغ، فانهيار العملة وتأرجحها منذ الثمانينيات وحتى تثبيتها، كان شيئاً مقلقاً على بلد بدأ بالإعمار بعد انتهاء الحرب التي دمرت كل لبنان اقتصادياً، وكان لا بد من السياسة الاقتصادية آنذاك أن تترك أمر الليرة واهتزازاتها لمصرف لبنان الذي كان ضمن ذات المنظومة الاقتصادية، والانصراف لإعادة الإعمار وإعادة بناء مؤسسات الدولة وعلاقتها الخارجية من كل النواحي لا سيما الاقتصادية، فتثبيت سعر الصرف هو مسؤولية كبيرة تقع على المصرف المركزي حيث يتدخل شارياً وبائعاً وفق السيولة في الاسواق، ووفق المتغيرات والأزمات، ليبقي على السعر ثابتاً حتى لو اضطر غالباً إلى خسارة بعض من احتياطاته بالعملات الأجنبية.

من ناحية أخرى، صحيح القول إن تثبيت سعر الصرف زاد من ثقة المواطنين والمستثمرين في القطاعات الاقتصادية كافة، إلا أنها كلفت وما زالت تكلّف الخزينة أموالاً ترفع العجز وترفع بالتالي الدين العام وخدمته السنوية.

ونصل الآن إلى السؤال المحوري: هل فكّ الارتباط أصبح ضرورياً أم أنه مخاطرة كبيرة على الاقتصاد اللبناني؟

كما قلنا سابقاً، إن من إيجابيات ربط العملة هو الاستقرار والثقة والسيولة والملاءة، وفك الربط من الممكن أن يعرّضنا لمشاكل كبيرة أولها سحب الودائع وتراجع القدرة الشرائية، وبالتالي زيادة التضخم، أما سلبياته فواضحة الآن مع ما يمر به الاقتصاد اللبناني، فزيادة الدين العام وتكلفته ستستمر بالارتفاع، وسيستمر المصرف المركزي في سياسة قضم الاحتياط الأجنبي عند حلول أية أزمة كما هو الحال الآن، وصولاً إلى نقص السيولة وبالتالي تراجع النمو وارتفاع الدين نسبة إلى الناتج المحلي.

في الخلاصة العامة، إن قرار الإبقاء على ربط العملة او تحريره يجب قياسه بالواقع الاقتصادي في حينه؛ إن الاستقرار الذي شهده لبنان منذ عدة سنوات حتى في خضم الأزمات العالمية والسياسية كان من الممكن ان يكون نقلة نوعية وقفزة عملاقة للاقتصاد اللبناني على كل الاصعدة، حيث كان الاقتصاد قادراً على تحمل التغييرات في وجه لبنان الاقتصادي إلى حين الاستقرار ودخول لبنان بعملته القوية الاسواق العالمية، أما الآن، فإن الحديث عن فك الربط هو خطوة انتحارية بكل ما للكلمة من معنى، فاقتصاد لبنان والاعباء التي يحملها قد تؤدي إلى الانهيار إذ لا يمكنه أبداً ونهائياً أن يتحمل مثل هذا التغيير الكبير، والأصح الان هو العمل نحو الاستقرار الكامل من خلال العمل على ما تبقى لنا من اقتصاديات... وإلى حين التحول نحو البلد النفطي مع ما تحمله الارض اللبنانية وبحرها من غاز قد يرفع من شأن لبنان الاقتصادي، حينها، وحينها فقط، نستطيع التفكير جدياً بتغيير وجهة لبنان الاقتصادي وأولها فك ربط العملة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم