السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

إلى رئيس الجمهورية

المصدر: النهار
د. محمد الساحلي
إلى رئيس الجمهورية
إلى رئيس الجمهورية
A+ A-

أكتب لكم ولم أعد أعلم إن كان كتاب مواطن له قيمة عند من احتكم لرغبة الشعب وتعهّد بصون الدستور والجمهورية.

أكتب لكم وأنا على يقين وثقة وإيمان أن موقع الرئاسة واجبٌ احترامه شاء من شاء وأبى من أبى.

لكن قبل البدء بالكلام، أجد نفسي مضطراً إلى توضيح ما يلي:

١- أنا شيعي ولم تتواصل السفارة الإيرانية معي

٢- أنا فرنسي ولم تتواصل السفارة الفرنسية معي

٣- أنا عاشق لتاريخ زايد ولإنجازات الإمارات، ولم تتواصل السفارة الإماراتية معي

٤- أنا نائب غرفة التجارة الأميركية في إحدى الدول، ولم تتواصل السفارة الأميركية معي

أقول ذلك كي أمسح عن أكتافي - سابقاً وحاضراً ومستقبلاً- التهمة الأسهل، ألا وهي دعم السفارات.

السيد الرئيس

أتفق معكم أن الناس في لبنان قد تحركت وملأت الشوارع في الوقت الخطأ. وإن دل ذلك على شيء، فهو يفضح أنانيتنا ومقاربتنا الأمور بمكيالين.

نحن أخوات وأخوان جورج زريق، لم تحرك فينا حادثة استشهاده جفناً. نحن اليوم ندفع ثمن صمتنا.

نحن أخوات وأخوان عدد من صبايا لبنان، لم نر في تكرار عمليات ابتزازهن بصور وفيديوات سوى حوادث فردية. هي في الحقيقة مرآة انحطاط جيل بأكمله نتيجة الفقر والحرمان. نحن اليوم ندفع ثمن صمتنا.

نحن أخوات وأخوان شباب لبنان الذي خسر الانتخابات نتيجة مشاركة ٤٠ في المئة؜ من الناخبين. لم نحرك ساكناً ولم نسأل مسؤولاً. نحن اليوم ندفع ثمن صمتنا.

نحن أخوات وأخوان الجيل الكفوء الناجح في جميع الامتحانات سوى في امتحان وامتهان الانحناء المذهبي والحزبي. بات العلم عاهة والولاء للزعيم جسر العبور لمعاش الليرة اللبنانية المرهون للدولة ومن الدولة. نحن اليوم ندفع ثمن صمتنا.

لكننا اليوم لم نعد قادرين على دفع الأثمان. عندما يجوع المواطن، يلجأ لقريب أو جار أو حتى غريب. إنها ميزة شعبنا وشعوب المنطقة. عندما تجوع الدولة، تلجأ إلى حليف أو صديق أو حتى غريب. إنها ميزة سياستنا الإقتصادية.

السيد الرئيس

اليوم المواطن ليس جائعاً. الدولة ليست جائعة. إنه الوطن. لبنان جائع ومتعطش ويكاد يلفظ أنفاسه. جُلّ ما يطالب به قيادةً حكيمةً لا تتلهى بصغائر الأمور. الوطن جائع يبحث عمّن لديه رؤية للمستقبل وليس من عيّنه على كرسي للمستقبل.

نحن الشعب اللبناني قاومنا أشرس الأعداء وانتصرنا.

نحن الشعب اللبناني أوصلنا اسم لبنان عالياً أينما كان وفي أي مجال يكاد يمر في ذهنكم.

نحن الشعب اللبناني بنينا أوطاناً باتت اليوم تتغنى بما آلت جوازاتها إليه.

نحن نستطيع النهوض بلبنان كما لم يعتقد أكبر فلاسفة الشاشة وأعهر محرّضي الشبكة الإلكترونية.

الأموال المنهوبة، الفساد المستشري، الطائفية السياسية، حساسية رجال الدين، المحميات الإقتصادية... عناوين كانت تصلح لاستقطاب الأصوات. أصوات لطبقة سياسية لم تعد قادرة على محاكاة الواقع.

يدّعي مَن حولكم أن عدد المتظاهرين أو الثوار أو الزعران الشلاعيط لا يتعدى الآلاف في أفضل الأحوال. إنه مفهوم المسلخ الذي لا أؤمن به. ولكن لمَ لا نجوب محطات الوقود، والمصارف، والأفران، والمستشفيات، والقنصليات، وقاعة المغادرة في المطار، ومكاتب الدخول في المدارس والجامعات؟ إذا ما قبلنا بمنطق الأرقام، لبنان فيه حوالى الأربعة ملايين مواطنة ومواطن. وإذا ما حذفنا ناس الساحات يبقى لدينا في أسوأ الأحوال (وفق تعداد مؤسستكم الإعلامية) حوالي ٣,٩٠٠,٠٠٠ فرد. وإذا ما استقصينا السياسيين ومتموليهم وحاشية السلطة نصل إلى ما يقارب ٣,٨٥٠,٠٠٠ شخصا.

السيد الرئيس

في لبنان، ذاك الوطن الجائع الذي تحكمون، تجدون ٣,٨٥٠,٠٠٠ إنسان موجوع. ألا يستحق هؤلاء لفتة أبوية كما تدعون؟

طالبناكم بدعوة أهل السلطة إلى قصر الشعب وإغلاق الأوصاد ومطالبتهم بدفع جزء من أموال الشعب. انتفض أحدهم وطالب أن يقوم هو بإقفال الأوصاد. ولكنكم أنتم الرئيس. وفي حضرتكم لا يجوز أن ينتحل مَن في الظل صفتكم.

طالبناكم بالدعوة للاستشارات النيابية. وليقم كلّ بما يمليه عليه المعاش المدفوع من قبلنا. ولكن جاء من يتسلى بنا ويقنعنا أن ذاك محروق وذاك مسلوق. في الواقع، الكل متسول يطمح لكرسي ينحت خشبه الشعب من خشب توابيت جورج وحسين وعلاء وناجي و...

اليوم نطالبكم بالدعوة إلى مؤتمر النهوض بلبنان يشارك فيه من يؤمن بدوره كمواطن وليس من يدعي ذلك، ينظمه رئيس الجمهورية وليس من يطالبنا بالتبرع في مؤتمرات تكشّفت اليوم أهدافها.

السيد الرئيس

تذكّرنا الدولة يومياً بضرورة الخروج من الشارع درءاً للفتنة ودعماً لتشكيل حكومة استلطاف دول مؤتمر سيدر.

لكن دعوني أذكركم بالتالي: إذا كان مؤتمر سيدر يؤمّن ١١ مليار دولار من خلال مشاريع إنمائية تتلخص بكلمتَي محارق الكهرباء. فاعلموا أن اللبنانيات واللبنانيين أتوا بما يفوق الـ ١٢٠ مليار دولار من خلال أموال ودائع نقدية أمّنت لكم ولسلطتكم ولدولتكم معاشاتكم وتكاليفكم وحتى زينة أعياد تحلّ عليكم وحدكم.

السيد الرئيس

الاستغناء عن شخص أو موقع ليس ذلّاً ولا مهانة. فأنتم استغنيتم عن الموقع والقصر والدولة في زمن الحرب. حينها آمن العديد بوطنيتكم واحتفل بعودتكم وهلّل لرآستكم. فكيف يكون اليوم الخروج من حكومة، مستقبلها قصير سلفاً، إجحافاً وغبناً.

السيد الرئيس

راسلتكم لأنني ولأول مرة أجد نفسي عاجزاً عن مخاطبة ابنتي وابني حينما سألاني إن كنا سنقضي فترة الأعياد في لبنان. لا أعرف بماذا أجيب. إن كنتم كما ادّعيتم أباً لمواطني لبنان، وجب عليكم منح أطفالنا التفسير المقبول لحلمهم الوحيد: البقاء في لبنان.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم