الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

دارين هاشم تترجم في تصاميمها حنيناً إلى منزل جدّتها في لبنان

المصدر: "النهار"
كارلا باسيل
دارين هاشم تترجم في تصاميمها حنيناً إلى منزل جدّتها في لبنان
دارين هاشم تترجم في تصاميمها حنيناً إلى منزل جدّتها في لبنان
A+ A-

تزامن إطلاق مجموعتها الثانية مع حلول موسم الخريف والشتاء. وتعتبر المصممة المقيمة في بريطانيا دارين هاشم هذه المرحلة أشبه بالشرنقة. وتتمحور مجموعتها حول ما يختلج داخل الإنسان من عاطفة وفكر وحنين الى الجذور والى المنزل العائلي في الريف اللبناني والذي لم تطأه قدما دارين منذ خمسة عشر عاماً. 

وتقول دارين: "استوحيت هذه المجموعة من أعمال آيلين غراي، وهي رسامة ومصممة ومهندسة عصرية من أوائل القرن العشرين. لقد كانت آيلين فنانة شاملة، تقوم بتجارب جديدة وتقوم بتحدّي نفسها. وما بدأ معها كمهنة رسم بسيطة تحوّل مع الوقت إلى تصميم الأثاث والهندسة المعمارية التي قامت آيلين بتعلّمها بنفسها. يا لها من امرأة عصامية! ولكونها ريادية وسابقة لعصرها، صبّت آيلين تركيزها على "الآخر" بثقافاته المختلفة وتقنياته الفنية الحديثة مثل الورنيش الياباني الذي دفعها إلى اختيار مجالات وأساليب وأذواق فنية مختلفة في حياتها، من الفن إلى تصميم الأثاث وصولًا إلى الهندسة المعمارية، وكذلك من الطراز الباروكي إلى الآرت ديكو وصولًا إلى الأسلوب البسيط القائم على أقل قدر ممكن من الأثاث. وخلال سنوات عمرها التي ناهزت 98 عامًا، أظهرت آيلين تطورًا فنيًا كاملًا لم يتوقف يومًا عن الابتكار والتجربة وهو بالنسبة إلينا مثال يحتذى به على المستويين الشخصي والعملي."

كل هذه العوامل أثرت في دارين وترجمتها في تصاميمها الجديدة ففيما يتعلق بالألوان والمواد، كان التركيز على مرحلة فن الآرت ديكو الذي عملت عليه آيلين، حين كانت تتعلم تقنية طلي الورنيش، فمزيج من المواد الخام مثل الخشب مع الملونات وطبقات من الراتنج، دفعنا إلى التفكير أكثر بمزيج من المواد والألوان المختلفة.

فجاءت لوحة الألوان ترابية أكثر من أي وقت مضى: من تدرجات اللون الأخضر الداكن إلى تدرجات اللون الأصفر الأشبه بلون الإجاص، مصحوبة بألوان أكثر هدوءًا كالرمادي واللون البيج. أمًا تداخل الأقمشة فقد شكّل الجزء الأكبر من اهتماماتنا الرئيسية، لتقوم بتذكيرنا بمجموعة من صور كامي فيفييه حيث تم دمج الكيان الأنثوي مع الأحجار الطبيعية.

أما بالنسبة لتصوير المجموعة، فقد كان عملًا سيبقى محفورًا في الذاكرة. فهو أولًا أشبه بواجب تجاه نفسي وثانيًا تحية لجدتي من جهة والدي وللألوان والروائح التي أطعمتني إياها عن غير قصد في طفولتي. ويقع منزل جدتي في جنوب لبنان، في بلدة صغيرة لم يسمع معظم سكان الجنوب باسمها حتى. فعندما كنت أقول "كوثرية السياد"، كانت عيونهم تنظر إلي بدهشة وحيرة، وكأنني أتحدث عن كوكب آخر معلق في الفضاء.

ومنزل جدتي غير مأهول منذ أكثر من 15 سنةً، وقد مرت سنوات طوال من دون أن تطأه قدماي. أما جلسة التصوير، فقمنا بها خلال شهر شباط / فبراير عندما كان برد الشتاء قارسًا. وتجربتي الوحيدة في المنزل كانت دومًا لمدة شهرين خلال عطلة فصل الصيف؛ إلا أن الصور في ذاكرتي لا تزال حية. فها هو المنزل الذي أطعمتني فيه جدتي الألوان والروائح والطعمات التي حملتها معي طوال حياتي عن غير قصد. هذا المنزل الذي لطالما كان عابقًا بالحياة وبأصوات الأطفال في كل ركن من أركانه وكل زاوية من زوايا حديقته؛ فجأة رأيته خالٍ من سكانه ويعجّ بالغرباء. وقد ذكرني التجول في المنزل بالطقوس اليومية: جدتي تجفف "السماق" على قطعة قماش عند مدخل المنزل وتحاول التأكد من أننا نحن الأطفال لن نمشي عليها، تعبئة الزيتون المغموس بالخل والملح في الطرابين، وتحضير أوراق العنب لنتمكّن من أخذها معنا إلى إفريقيا في زجاجات مياه فارغة. وقد اعتادت جدتي على تحضير "المونة" كما يسمونها، لنقتات منها طوال العام ...

ومن هذه الذكريات الحيّة،  بعض الأطفال الذين يلعبون على السطح حيث كانت تتدلى عناقيد العنب ذي الشكل المتطاول بلونيها الأبيض والأحمر... عناقيد لم أرها مرة أخرى، بينما كان أطفالٌ آخرون  يلعبون في الطابق السفلي في الحديقة تحت أشجار التوت ويقومون بهرس حبات التوت لتصبح أيديهم وكأنها ملطّخة بالدماء. ويجدر بالذكر أنّ جدتي لديها 11 ولدًا ولكل منهم حوالي 3 أو 4 أطفالًا  ... حاولوا فقط تخيّل المشهد!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم