الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

صرخة تجار عبر "النهار"... "منهارون ومفلسون"

المصدر: "النهار"
ريجينا الأحمدية
صرخة تجار عبر "النهار"... "منهارون ومفلسون"
صرخة تجار عبر "النهار"... "منهارون ومفلسون"
A+ A-

يمرّ الاقتصاد اللبناني بمرحلة هي الأخطر منذ الاستقلال، ولا شك في أنّ الحرب الاقتصادية أقسى من كل أنواع الحروب. العملة اللبنانية التي بدأت تتهاوى أمام الدولار، هي سلاح يفتك برزق المواطن. لماذا؟ لأن معظم السلع التي يشتريها اللبناني تستورد من الخارج بالدولار، وبعض المتاجر والمحال تسعر منتوجاتها بالدولار أيضاً، وهناك شركات تدفع لموظفيها بالعملة نفسها. وصار سعر صرف الدولار الواحد 2250 ليرة لبنانية والحبل على الجرار.

أمّا الأسواق التجارية، فأعلنت حال الطوارئ فيما السلطة تصمّ آذانها عن صرخاتها. مع العلم أنّ الأزمة ليست وليدة الساعة وهي آخذة في التفاقم إذ شلت الأسواق وأقفلت شركات ومتاجر كثيرة والصامد منها يشكو ويضع إحتمال الإقفال أو الإفلاس نصب عينيه.

شارع مار الياس السكني تحول مع بدء الحرب الأهلية إلى سوق تجارية موقتة، إلا أنّ امتداد سنوات الحرب حولت الموقت إلى دائم. اليوم، يقف بعض أصحاب وموظفي المحال في هذا السوق أمام أبواب محالهم بانتظار زبائن ربما لن يأتوا. كبار السن منهم يجلسون داخل المحال وراء مكاتبهم مستذكرين الأيام الخوالي، أيام البيع والعز والبحبوحة. فيروي أديب فاضل وهو صاحب متجر لبيع الأحذية منذ 35 سنة، الفرق بين الماضي والحاضر. ويجيب على سؤال، عما إذا كان قد مرّ عليه مثل هذه الأيام اقتصادياً؟ يجيب: "أعوذ بالله". ويكمل "أيام الحرب سقطت القذيفة بجوارنا، فأسدلت باب المتجر المصفح وذهبت إلى المنزل، وعندما عدت بعد أنّ انتهى القصف، فتحت متجري وتهافت الزبائن بشكل كثيف وكأن لا وجود للقصف"، موضحاً أنّ "مشكلة الناس الأساسية ليست الحرب بل المال، وآنذاك كان الشعب مكتفياً مادياً". وبحسرة مسن يضيف العم أديب: "المصيبة الإقتصادية أقسى من مصيبة الحرب". ويؤكد أنّ "الحياة ستستمر، لذا يجب أن نتفاءل ونمضي في عملنا، فمكره أخاك لا بطل".

ولكل صاحب مصلحة وجع خاص يترجمه بطريقة تختلف عن جاره. لكنهم جميعهم متفقون على الأزمة والوجع. علي غدار، صاحب متجر أحذية آخر، متزوج ولديه ولد. وهو خائف على مستقبله ومستقبل ابنه كجميع أصحاب الأعمال الحرة فيقول: "رغم أسعاره المدروسة واسم محله إلا أنّ المبيع إنعدم". ويتفهم علي وضع الناس التي باتت تقبض نصف معاشاتها "أصبح الفرد منا يفضل تأمين المواد الغذائية والأولية على أن يشتري حذاء". ويضيف "شو بدنا نلحق على مدارس وأكل وشرب". حرقته تصف حرقة التاجر القديم الذي لا يهون عليه أن يعلن إفلاسه ويسلم أمره لمصير مجهول "أبكي عندما أفكر بأنني مقبل على الإقفال. في أي مهنة سأعمل؟ هل أستطيع أن أهاجر؟ ماذا أقول لإبني؟ كان همي أن أوفر له الحياة الكريمة وألا يعيش ما عشناه نحن". يصمت قليلا ثم يضيف بغصّة "ماذا يمكنني أنّ أفعل، سامحني يا ابني، راح المال والرسمال". أما العم الستيني صاحب محل الملبوسات فيقول إن "الحل إذا بقي الوضع على ما هو عليه أنّ نلتزم بيوتنا منتظرين مساعدة ابننا الطبيب الذي يعمل في شركة أدوية والذي يتقاضى نصف معاشه. وبسبب فرق العملة أصبح يتقاضى نصف النصف". ويتابع "خلص، ما عدنا نملك شي وما باليد حيلة". ويعتبر الإلتزام بالإضراب العام المقرر ابتداء من يوم غد الخميس وحتى السبت المقبل، أو عدمه "لن يقدم ولن يؤخر".

أمّا بالنسبة إلى وفيق حوحو وهو صاحب محل لتصميم المجوهرات، فالسبب الأساسي وراء تدهور وضع محله هو ارتفاع سعر صرف الدولار وفقدانه من السوق بخاصة أنّ مهنة الصاغة تعتمد بشكل أساسي عليه كعملة. ويصف الوضع الراهن بـ "المزري، واقتصادنا انعدم". فوفقاً لوفيق فإن "محال الصيغة باتت تشتري الذهب من الخارج بالدولار وتسعره بالليرة اللبنانية، ما أدّى إلى إرتفاع صرخة الزبون وتكدس البضاعة بالمحل". وأخبر وفيق "النهار" أنّ هناك أفراداً تبيع صيغتها كي تأمن معيشتها " كانت الناس تشتري الليرة والأونصة كي تستثمر بها وتستفيد من بيعها، الآن أصبحوا يأتون ويبيعون خاتم الزواج أو يعرضون ساعة يد للبيع كي يستطيعوا أن يأكلوا".

وثمة تجار آخرون يتفاوضون مع مالكي محالهم على الإيجار الذي كسر منذ أشهر، ومنهم جاد نجم، إيجار محله 2000 دولار شهرياً، الذي يقول: "إمّا أن يسامحني مالك المحل بالأشهر غير المدفوعة أو أنني سأصبح المحل الـ 27 الذي سيقفل في مار الياس". ومؤكداً مقولة شر البلية ما يضحك، "لقد أوقفت الموظفة عن العمل بطلب منها لأنها شعرت أنّ نسبة مبيعنا لن تسدد راتبها المجتزأ".

والحال نفسه لدى إيمان عون التي أشارت إلى أنّ سبب وجودها في متجرها (للألبسة) هو قربه من منزلها. أمّا نسبة المبيع فهي وفق إيمان "zero". ولأنها لا تحتمل عبء الإيجار الشهريّ، فلن تقفل. كما أنّها تمضي وقتها "برؤية المارة". وأعلنت أنّها ستشارك بـ "الإضراب الذي ستقرره جمعية التجار، علّها تكون وسيلة ضغط على المتحكمين بأرزاقنا".

 في ظل هذه الخنقة الإقتصادية، أيّ سبل للإنقاذ؟ وهل الصحوة الثورية الاجتماعية التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول الماضي، ستصحبها صحوة سياسية واقتصادية؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم