الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

المرأة صانعة للفنّ... مَن هي أرتميزيا لومي؟

ديانا عساكر
المرأة صانعة للفنّ... مَن هي أرتميزيا لومي؟
المرأة صانعة للفنّ... مَن هي أرتميزيا لومي؟
A+ A-

أرتميزيا لومي رسامة إيطالية عاصرت العظماء أمثال كارافادجيو. اشتهرت في الفترة الزمنيّة التي عَمِلَت فيها وبالرغم من ذلك فهي غير معروفة حتى يومنا هذا. كأنّ التاريخ تجاهلها عن سبق إصرار و ترصّد. التعتيم الذي أصاب أرتميزيا أصاب العديد من الفناّنات التشكيليات المعاصرات أيضا. حاول تعداد خمسة من أشهر الفنانات التشكيليات دولياً! تبدأ بالمكسيكيّة فريدا كالو ثم ّ تتوقف للحظة فتدرك بأنّك ككثيرين تفشل بتعدادهنّ. لا تقلق فحالك حال الجميع. فمشكلة شهرة الفنّانات التشكيليّات تكمن في التأثيرات الاجتماعيّة المكانيّة والزمانيّة وحتّى الموضوعيّة المحيطة بالأعمال الفنّية للفنّانات.

فلنحاول فهم أسباب هذا التعتيم التاريخي للأعمال الفنّية النسائيّة:

إن تلخيص مجموع الأعمال الفنيّة النسائية أمرٌ مستحيل في مقال واحد. لذلك سوف أعرض ملخّص مقتضب وسريع للاسباب و سأحصر المقال بالحقبة الفنيّة الممتدّة من الستينات من القرن الماضي حتّى يومنا هذا.

وسبب إختياري للستنيات تاريخي إذ إنّه يتزامن مع ظهور الحركات والمطالبات النسائيّة في الولايات المتحدة و أوروبا. فخلال هذه الفترة حصلت المرأة على حقوقٍ كانت ممنوعة مثال الغاء التمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنيّة القانونية والاجتماعيّة . ترافقت هذه الحقوق مع الحرّية الجسدّية و الجنسيّة للنساء في المجتمع و في الفنّ. فتحوّل وجود المرأة من موضوع فنيّ في أعمال الفنانين ومصدر الهامهم الى وجود فعلي للمرأة كصانعة للفنّ، خصوصاً تلك التي تواجدت في مجتمع أميركي حينها، المجتمع الذي يتباهى بثقافة الإستهلاك، ما اضطرّ العديد من الفنانين أن يتماشوا معه، مثل وارهول الذي أعطى المجتمع الأميركي أعمالاً فنّية تشبهه في غزارة الانتاج و في مواضيعه . فأستغلّ نجوميّة ممثلات السينما وغيرهم في نشر فنّه "الصناعي". وأستعمل بعض الفنّانات التشكيليات الوسط الفنّي السينمائي كسلّم للنجاح أمثال أليزابيت بايتون ويوكو أنو.

يوكو أنو فنانة الأداء اليابانيّة الأميركيّة التي أشتهرت عالمياً بعد ارتباطها العاطفي بجون لينون عضو فرقة البيتلز البريطانيّة. وقد استعملت فن الأداء في معارضتها وزوجها لينون حرب فيتنام، وسميا حملة "في السرير من اجل السلام" ودعوا خلالها الصحافة لتغطيتهما وهما في سريرهم الزوجي في فندق من الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساء. وعند تخطيطهم لتكرار العمل الفنيّ مُنعا من دخول الأراضي الأميركيّة.

أمّا أليزابيت بايتون فقد إغتنمت فكرة ارتباط أسمها بأسماء المشاهير في تسعينات القرن الماضي لتكتسب الشهرة في الوسط الفنّي، حيث أقدمت على رسمهم وأهملت إتجاهات الفنّ المعاصر الذي اهتمّ بالفكرة والتجربة. ففي هذه الفترة بدأ فيها أهمال المواد التقليديّة لتشكيل الاعمال الفنيّة وبدأ الفنّانون باستعمال وسائل تكنولوجية باهظة الثمن مثال الكاميرات والفيديو. وهذه الاتجاهات الفنّية التي تعتبر التجربة بحد ذاتها عملاّ فنّياً إجتاحت الفنّ المعاصر وأثّرت سلباً على الفنانات التشكيليّات . ولم تستطع الفنانات مجاراة الفنّانين لأن الفئة العظمى من الفنانات كانت تعاني من الوضع المادي المتردّي. وقد أثّر الفقر سلباً على عدم تواجدهن في المدن الكبيرة وإحتكاكهن بأصحاب المعارض الكبيرة وجامعي القطع الفنّية المشهورين. ففي فترةٍ بدأ فيه استعمال التسجيلات البصريّة باهظة الثمن إستُبعٍدت المرأة طوعاً بسبب ظروفها الماديّة القاهرة. ولكي تجاري الفنّانات الحركات الفنّية المعاصرة أستعمل بعضهن الحقوق المكتسبة الجديدة في الحرّية الجسديّة والجنسيّة في الأعمال. تعرّت غالبية الفنّانات في شكل أو آخر، ولم تكن الفنّانة اليابانيّة يايو كوساما استثناء. فحين ذهبت الى الولايات المتّحدة إحتضت ثقافة الهيبي في أعمالها الفنّية فرسمت النقاط على جسدها وأجساد المشاركين العارية. فبالرغم من العري الواضح في أعمالها الّا انّه جاء طفولياً. تمحور عمل كوساما الفنّي بإختلاط الفانتازيا بحس الطفولة وهو أمر قلّ نظيره عند أخريات. فظهرت النزعة الجنسيّة العنيفة في أعمال مارينا أبراموفيتش الملقّبة بجدّة الاداء الجسدي التي فرضت الإذلال والماسوشيّة كموضوع أساسي لإنتاجاتها الفنّية، فتعرّت وجرحت جسدها بالشفرة . أذلّت نفسها أمام الجمهورالمراقب في شكل منفّر ومستفز ، مبرّرة التعذيب العلني لجسدها بمفهوم الصدمة (الفنّية) حيث تدرس من خلالها العلاقة بين المتلقّي وصانع العمل الفنّي. وقد صدمت الجميع بالعنف الجسدي الذي قدّمته وكيف لا؟ تلك التي تعذّب جسدها العاري، تُسيل دماءها أمام الناظرين وتتمدد عارية متألّمة على لوحٍ من ثلج ولا تصدر أي ردّة فعل طبيعيّة، لا تصرخ لا تتحرّك. فتحوّل جسدها الى تمثال صامد، حي، متألّم، ينزف دمأ و يتحمّل الألام الجسديّة . تقف الفنانة غير آبهة لأي محظورات بإسم الفنّ و كأنّ وجودها منفصل عن جسدها والوقت. عنف العمل الفنّي ترك أثراً في نفوس فنانات أخريات جرّبن فنّ اختبار قدرة تحمّل الجسد لآلام التعذيب مثال الفرنسيّة جينا باين.

وعند انتشار الصدمة في عالم الفنّ، وقعت أخريات في فخّ الحريّة الجسديّة. فبالغن في استعمال العنف الجسدي ونفّرن الجمهور والوسط على حدّ سواء. و السبب بسيط، كيف يستطيع العاملون في المجال الفنّي تسويق وبيع منتج غير قابل للتسويق في النظم التربويّة؟ ومعلوم أن وجود الاوّل مرتبط بوجود الثاني. فانتشار الأفكار الثقافيّة- من ضمنها شهرة حركة فنية ما أو عمل فنيّ ما - يتمّ عبر المناهج التعليميّة في المدارس و الجامعات.

لذلك كان من المنطق عدم إدراج أعمال فنّية عنيفة في الكتب المدرسيّة وحصرها بدراسات متخصصة قليلة في الجامعات، ما نتج عنه تجاهل التربويين قصداً لأعمال النساء الفنّية. فنفيت فنونهن من دخول المناهج الدراسيّة وكيف للعري –الجنسي الماسوشي - الصادم أن يدرج في مناهج تربويّة محافظة؟ الجواب هو: لا ولن يستطيع . وهو الامر التي تداركته الفنّانات المذكورات في هذا المقال فتوجّهن في أعمالهن اللاحقة الى ما هو اعمق من العري والمازوشيّة. لتبتكرن فنا من دون خدش الحياء العام، والأهم من ذلك فنّ قابل للتدريس في المناهج التعليميّة من دون تحفظات لا على الفكرة ولا في الأسلوب.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم