الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

لعبة؟! (1)

جورج موسى
جورج موسى
A+ A-

دخل غرفة مليئة بالمرايا. ظلَّ يبحث عنها لأيام. جال في قاعات رياضية عدّة ونوادي تعليم الرقص. كان يحتاجها لهُ وحده... أخيراً وجدها. بالأمس القريب، كان يخشى المرآة. يخشى النظر فيها. في الواقع، كان يخاف أن تفضحه. تكشف عيوبه. لا أمام الآخرين فحسب، بل أمام نفسه أيضاً.


معظم الناس - إن لم نقل كلّهم - يخشون أن يرى الآخرون عيوبهم. يعرفونها ضمناً، يكترثون ولا يكترثون. قلّة فقط لا تهتم بألسنة الناس. جلُّ ما يقتلها، حكمها هي على ذاتها. هو واحد من أولئك القلّة. الليلة تحديداً، كان يريد مواجهة نفسه بنفسه. الليلة كان يريد اتخاذ القرار.
على الكنبة أمامه، حبال للقفز. تناول واحداً منها وراح يقفز، فيما كان يحدّق بالمرآة.
هل جُنَّ؟ وهل يفوق ما يقوم به الآن، كل الجنون الذي يعيشه. "ترى، من المسؤول منّا عن هذه الحياة التافهة التي وصلنا إليها نحن الثلاثة؟". قبل سنوات قليلة أحبّها حتى الجنون. كانت الزوجة والعشيقة. ثم جاء "زلزل" الحب. صديق قديم قال له يوماً إن الارتباط مقبرة الحب. لم يصدقه. أمه وأباه ظلا حبيبين حتى بعد وفاة والده. هو ما زال يحبّ زوجته، لكنّ مشاعره تجاهها ليست واضحة كما كانت سابقاً. فجأة دخلت امرأة ثانية على الخط. ألهبت قلبه مجدداً. ما أصبح بديهياً وجميلاً مع العشيقة، بات مستحيلاً مع زوجته. الجنس ليس كل شيء. الجنس كل شيء. مهما حاول إدعاء التحرّر، يبقى رجلاً شرقياً. مخزونه التربوي لا يسمح له بالتفكير بالمتعة، حين يتحدث عن "أم الأولاد". كان يعلم أنه مخطئ، وكان – في الوقت نفسه – على يقين بأنه يستحيل عليه تغيير التفكير، تجاوزه أصدقاء كثر وبقي هو سجين اقتناعات تقليدية بالية.
في البداية كانت اللعبة مميّزة. رجل وامرأتان. لكل منهما وقتاً وطقوساً وأماكن وعادات.
مع الوقت، تحوّلت تلك العلاقة الشائكة كابوساً. لم يكن يحتمل خداعه المستمر تجاه شريكة بنى معها حياة كاملة وأسس أسرة وأنجز خطوات وحقق أحلاماً. في المقابل، لم يكن يحتمل فكرة تخلّيه عن الشابة الثانية التي قبلتْ بوضعه وأحبّته، وصدّقتْ أنه قد يتخلّى عن زوجته من أجلها. مع الوقت، أصبحت حياته حجيماً. تعلَّق بالمرأتين. أصبحت له حياتين. واحدة علنية، وأخرى سرّية. حين يكون مع الأولى، باله يبقى عند الثانية. وحين يعيش العلاقة الغامضة، تطل صورة المرأة الأولى التي تنتظره. ومع ذلك لم يكن قادراً حتى هذا المساء أن يتخلّى عن إحداهما. والآن، دقّت ساعة المواجهة. عليه ان يختار أي حياة يريد. واحدة منهما يجب ان تخرج من الدوّامة. أقلّه حينها، يرتاح ويريحهما. واحدة منهما: أولى معها اولاد وكثير من الذكريات. وثانية، يختبر برفقتها شغفاً لا يوصف. يقولون إن الحب يحمل أشكالاً متنوعة. ولكن، كيف يمكن له أن يحب امرأتين؟
غداً عليه أن يحسم أمره. إما الزوجة أو العشيقة. يستحيل أن يستمر مع الاثنتين في الوقت نفسه. أنهى حفلة الجنون التي اختارها لليلته. أخذ حماماً دافئاً. دخل سيارته. على المقعد المجاور، وردة وبطاقة صغيرة داخل ظرف ملوّن. فتحه. ورقة معطّرة طبعت عليها عبارة: "عزيزي، لم أعد قادرة على الإستمرار في حياة الوهم التي نعيشها". صُعق. هل هي الزوجة؟ اللعنة! عشيقته أيضاً تحمل نسخة عن مفاتيح سيارته. من منهما اختارت الانفصال؟ كيف له أن يسأل؟ وكيف ستنتهي هذه اللعبة؟ لعبة؟!!


[email protected]
Twitter: @moussa_georges

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم