الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

نعتذر منكم

المصدر: النهار
سارة برجاوي
نعتذر منكم
نعتذر منكم
A+ A-

لطالما كنت أحلم بأن أكبر وأصبح شابة جميلة مميزة تستقطب إعجاب الجميع.

لطالما كنت أحلم بتلك اللحظة التي أرى فيها ابتسامتي الفاترة على المرآة، ابتسامة تجمّلت بنوع من الرضا أستقبلها بكل سرور وأنا أنظر إلى ملامح وجهي.

لطالما كنت أنتظر ذلك الوقت الذي أصبح فيه ناجحة، واعية، واثقة الخطى، محترمة في عيون مجتمعي ومتألقة بالنسبة لمن حولي.

نعم.. لطالما كانت هذه أحلامي التي أصبو إلى تحقيقها، معتقدة أنني عند حصولها سأكون من أسعد نساء العالم.

ولكن! هل فعلاً عندما تحققت شعرت بهذه اللذة؟

هل فعلاً توصلت إلى هذه القناعة التي لا تجعلني معرضة للحزن، قوية ثابتة أمام المحن؟

ربما نعم.. ولكن ليست كما كنت أتوقع. فثمة شيء في داخلي لم تصله السعادة بعد! هذه السعادة التي على الرغم من علمي بصعوبة منالها، إلّا أنّني لم أكن أتقبل حقيقة الصورة التي عرفتها عنها في واقع الحياة.

فقد علمت أنّها تأتي ولكنها غير مكتملة. جانب فيها ينقص وأحزان فيها تعبر. أدركت أنّها تطلّ لتغيب لاحقاً، نستضيفها للحظات مؤقتة، لا نوشك على لمسها حتى تندثر مجدداً! نحاول اقتنائها ربما، حصرها في داخلنا، إحاطتها من كل جانب كي تبقى. ولكنها عبثاً ترحل فجأة كما أتت دون موعد ولا سابق إنذار. نقف أمامها عاجزين عن التحكم بها، نضعف أمام أحزاننا ويحيطنا واقع فقدان الطمأنينة الذي يسيطر علينا أكثر من أي شيء آخر.

أمام هذه الصورة التي عرفتها عنها والتي واكبتها متأثرة بكل جزء من تفاصيلها، كنت أظن أنّي مبالغة في تصوري لها، أو أنّ الأمر لا يحتاج إلى كل هذا التأثر والتوهّم، وكأنّ المشكلة باتت محصورة بشخصيتي.. ربما سببها قلق أو حالة نفسية أُصنف فيها بالمتشائمة أو بكثيرة الشكوى! ولكنني علمت لاحقاً أنّ ما أعانيه هو أشبه بحالة عارمة يعاني منها معظم شباب جيلي الحالي! ما يعني أنّي لست حالة استثنائية بينهم بل أنا بأكثر حالاتي الطبيعية المنسجمة مع الواقعية.

ولكن، كيف توصلت إلى ذلك؟

بدأت بمراقبة هؤلاء الشباب والشابات، متسائلة في كل مرة عن دواعي انفعالاتهم ونداءاتهم وحتى بكائهم. كنت أرى دائماً تشابهاً في همومنا وعوامل قلقنا. كالخوف من المستقبل، الضياع القائم باستمرار، عبء هواجس الحاضر والاشتباك في مخاطر الماضي.. وغيرها من المعطيات التي كانت تؤكد أنّنا ندور في الحلقة نفسها من التشنجات المتواصلة.

فهم يتقلبون في طباعهم كما تتقلب وضعية الحياة. هم يتغيرون معها كما تتغير معالم الطبيعة كلما عصفت بها كارثة عصيبة، وكأنهم يبدّلون أثوابهم القديمة كلما اقتربوا من ظاهرة جديدة، يتكيفون معها اضطرارياً رغم مقدار المشقة والمتاعب التي تحمّلهم إياها. ينسون معها كل سعادة رافقتهم، وكل محط أمل جعلهم يوماً يظنون أنّ غدا أفضل. وكأنهم أُصيبوا بموجة من اللامبالاة ومن عدم الاكتراث المتناهي، من الشلل الجسدي والعمى البصري. وكأنّهم خسروا الشعور بالتفاجؤ والإحساس بالابتهاج.. حتى إنّ الصدمة الإيجابية معهم لم تعد مجدية.. فقد تخدرت عندهم العاطفة وكأنّها لن تعود أبداً.

نعم هذه هي الحقيقة التي كنت أوثّقها على الدوام، والتي علمت فعليا أنّها تتنافى مع شعار: "جيل اليوم هو جيل المستقبل" الذي لطالما أطلقه متفائلون من الجيل الماضي على أبناء الجيل الحاضر المتمثل فينا "نحن".

ولكن أيّها المتفائلون، ألم تتساءلوا عن أسباب هذه الحال التي وصلنا إليها؟

ألم تتفكروا بمآل طموحاتنا التي نودّعها يوماً بعد يوم؟

ألم تسمعوا صوت شاباتنا التي تقول: "كيف أحلم وألمي لا يلتفت إليه أحد؟"..."كيف أرجو السعادة وأنا أعلم مسبقاً أنّها ليست آتية؟"..

بالتأكيد أنتم لم تبادروا إلى معرفة ما نحن فيه، أنتم فقط تكتفون بتذكيرنا ببناء تاريخ غد ونحن نتخابط بصراعات تاريخ أمس.

لذلك اسمحوا لنا كي نقدم لكم اعتذارنا، فنحن لسنا "جيل المستقبل"، نحن جيل يبحث عن عناصره المفككة كي يستجمعها من جديد ويعيش بهناء يستحقه لأجل نفسه وليس لأجلكم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم