الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

إقتراحات اقتصادية لخريطة طريق ما بعد الثورة

حسن وهبي- مغترب لبناني
إقتراحات اقتصادية لخريطة طريق ما بعد الثورة
إقتراحات اقتصادية لخريطة طريق ما بعد الثورة
A+ A-

منذ شهرٍ ونيّف، استفاق اللبنانيون على نار الحرائق التي التهمت مساحات واسعة من أحراج لبنان كما طالت العديد من الأملاك الخاصة، وكانت سخرية القدر أن الحرائق اشتعلت في كافة المحافظات والمناطق ما وضع اللبنانيين أمام أزمة واحدة وشكّل لهم وحدةَ حالٍ وحّدت من عزيمتهم... ومن هناك تمخضت ولادة طائر الفينيق.

أيام معدودة وإذ بالحشود والآلاف من المواطنين يملأون الساحات والشوارع ليعبّروا عن سخطهم للسياسات الضريبية الجائرة والفشل الذريع للسياسيين الذين فشلوا مراراً وتكراراً في إدارة شؤون البلاد وموارده. في بداية الأمر، راهن الكثير على أن حراك الحشود أتى كردة فعل لا أكثر وسرعان ما ستنطفئ عزيمتهم. لكن الأيام توالت والحشود ما زالت تتوافد بازدياد والكل يصرخ "لا للفساد، لا للطائفية".

ما سمعنا في الأيام الماضية كان معبّراً ومؤثّراً ولا يمكن تجاهله خصوصاً وأن الوعي العام بازدياد، ولا يختلف عاقلان بأن آلام الناس ما عادت تشفيها وعود سياسيي الـ30 عاماً الماضية بعد الآن. فإلى أين نحن ذاهبون؟ وما هي الخطط التي من شأنها استعادة ثقة الشارع والنهوض بالوضع الاقتصادي من جديد؟

لن أتطرق في هذا المقال إلى الجانب السياسي، إنما سأسلط الضوء على بعض المقترحات والمشاريع الاقتصادية التي من شأنها وضع لبنان على المسار الصحيح، لا بل ضمان نهضة لبنان وتحقيق قفزة اقتصادية نوعية ونموٍّ متسارع غير مسبوق.

أولاً، على سيبل الإيجابية في الطرح، أعتقد أن أبرز ما يميز لبنان اليوم هو فقر وتردي حالة البنية التحتية. نعم، تردي حالة البنية التحتية هو من أبرز ميزات لبنان لأنه بذلك يشكّل عامل جذب للإستثمار (بالطبع في ظل بيئة وحوكمة اقتصادية فعالة) من حيث النوع وحجم الاستثمار والعوائد المرتقبة.

ثانياً، تعدّدت الاقتراحات وكثرت الأقاويل المتعلقة بالإصلاحات، إلا أنه، وللأسف الشديد، لم أسمع من أحد من السياسيين الحاليين أي شيء عن مشاريع جديدة تعد بنمو الناتج القومي، وجلّ ما سمعناه يتعلق بخصخصة القطاعات والمؤسسات القائمة، وهذا خطأ فادح لأن المشاريع التي تبقي على حال المؤسسات ولا تطورها أو تعتمد خططاً للتوسّع فيها ستبقي الوضع الإقتصادي في حال الركود أو تقوده إلى الأسوأ خاصة في ظل عدم الشفافية والفساد الإداري القائم. وبالتالي، فإن أي مشروع إقتصادي يجب أن يرتكز على الإصلاحات وطرح المشاريع الجديدة معاً.

ثالثاً، وهنا المقترح الرئيسي، إذا نظرنا إلى محيطنا الإقليمي، نجد اقتصادات ناجحة وسياسات بناءة في جذب الإستثمار الخارجي وطرح المشاريع الكبرى وخاصة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. فمثلاً، في أوائل الألفية تم إنشاء هيئة المناطق الحرة في دبي وشكّل هذا القرار عامل جذب للأموال والمستثمرين الأجانب حيث سمحوا لهم بالتملك الحر وإنشاء الشركات بدون كفيل مواطن، بالإضافة إلى العديد من الميزات الأخرى. وشكّلت هيئة المناطق الحرّة عندئذ هيكلاً موازياً للمؤسسات العامّة وقتها، وساهمت في تسريع وتيرة التطوّر، ما شكّل حافزاً لهذه المؤسسات بالقيام بأعمال إعادة الهيكلة الإدارية وهندسة الإجراءات تماشياً مع تطوارت السوق الحاصلة.

في عام 2016، تم إطلاق رؤية 2030 في المملكة العربية السعودية ومن ضمنها تم إنشاء 12 برنامجاً اقتصادياً لتسريع وتيرة الإصلاحات الإقتصادية وتحفيز النمو المحلي. وقد شكّلت برامج الرؤية هذه، كما حصل سابقاً في دبي، هيكلاً موازياً للمؤسسات العامة وساهمت في خلق بيئة اقتصادية نشطة بهدف تحقيق نهضة اقتصادية ذات معالم محدّدة، وذلك في وقت قياسي.

بناءً على ما سبق، أقترح أن يتم تشكيل فريق استشاري تابع لرئاسة الحكومة، من مسؤولياته إعداد نظام حوكمة لهيئة اقتصادية استثمارية مستقلة يتم تشكيلها في أسرع وقت ممكن. ولتفادي تضارب أعمال الهيئة الجديدة مع أعمال المؤسسات العامة التقليدية المتجذرة في نظام المحاصصة الطائفية في لبنان، أقترح أن يتم تخصيص أراضٍ في كافة المحافظات على ألا تقل مساحة الأراضي المخصّصة عن 2 مليون متر مربع (لكل محافظة) ويُطلق عليها إسم المدن الاقتصادية النموذجية، وتكون هذه المدن المستحدثة تابعة بشكل كلّي للهيئة الجديدة، وألا يتداخل عمل الهيئة مع أعمال أيٍّ من المؤسسات العامة كالبلديات أو المديريات، وأن تتخذ نموذج الشراكة ما بين القطاع العام والخاص بشكل أساسي لتمويلها. وعليه، فإن الهيئة الاستثمارية الجديدة يجب أن تتمتع بصلاحيات واسعة لإدارة المدن الاقتصادية، وأن تكون مخولة بإجراء كافة التصاريح وإصدار الرخص ومنح صكوك الأراضي وفضّ النزاعات وإصدار الإقامات للأجانب وإدارة شؤون المستثمرين... لضمان نجاح هذه المدن، يجب أن تأخذ كل مدينة صفة تعكس البيئة الحاضنة لها، وبالتالي يفترض أن يتم إعداد دراسات الاستخدام الأفضل قبل تطوير الأرض لتحديد أوجه الاستخدامات المثلى في هذه المدن، ومن ثم تأمين بنية تحتية متطورة تشمل كهرباء وشبكة مياه وطرقات ومحطات تكرير للصرف الصحي وإنترنت.

رابعاً، لربط المدن الاقتصادية ببعضها، أقترح طرح مناقصة مفتوحة لشركات سكك الحديد حول العالم ودعوتها لزيارة لبنان للبدء بدراساتها الأولية لبناء تصورها المبدئي لإنشاء شبكة لسكك الحديد تربط المحافظات ببعضها البعض على أن تكون مراكز المحطات الرئيسية لسكك الحديد متواجدة في المدن النموذجية المذكورة أعلاه. وأشدّد على أن يتم طرح مشاريع سكك الحديد بأسرع وقت بحسب نموذج BOT الكفيل بعدم تكلفة الدولة أي شيء.

خامساً، أقترح إعادة هيكلة وحوكمة وتطوير قطاع الكهرباء والاستفادة من نموذج الشراكة BOT وذلك لتوسعة شبكة الكهرباء الحالية ووقف الهدر.

سادساً، ما زالت أزمة النفايات تتصدّر عناوين الصحف للعام الرابع على التوالي، وهذا أمر معيب. لذلك أقترح أن يتم طرح مناقصة لإنشاء مراكز فرز وإعادة تدوير نفايات في كافة المناطق اللبنانية، والحد من التركيز على المطامر البيئية لتتقلص نسبة الطمر إلى ما دون 10% خلال 3 سنوات فقط. بالإضافة إلى ذلك، أقترح أن يتم بناء وحدات تكرير مجارٍ، وأن يتم توزيعها على كافة المناطق وخاصة في المدن الرئيسية، وذلك لمعالجة المجاري والحد من تلوث الأنهار والشواطئ والمياه الجوفية وزيادة مخزون المياه الصالحة للاستخدام المنزلي.

سابعاً، تماشياً مع مشاريع الإصلاحات الإدارية في الإمارات والسعودية، أقترح أن يبدأ العمل على إعادة هيكلة وتحديث سياسات وإجراءات العمل في الوزارات والإدارات العامة وأن يتم اعتماد أفضل الممارسات العالمية في تطبيق خطط تغيير الإدارة وخطط إدارة التواصل والتي تهدف إلى تحسين أداء الإدارات ورفع مستوى الشفافية وتحسين الإنتاجية والإرتقاء بمستوى الأداء الإداري والمهني عموماً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم