الى كل أم عاملة...كيف تعوّضين غيابك عن أطفالك؟
تعتبر الأم مصدر الأمان والعاطفة في المنزل، ولطالما يترك غيابها فراغاً. انطلاقاً من ذلك اعتبر مكانها الطبيعي في المنزل إلى جانب أطفالها. أما الأم العاملة فيساورها إحساس دائم بالذنب لتغيبها عن أطفالها. لكن بحسب المحللة النفسية في مركز بلفو الطبي ريما بجاني لا بد من مواجهة وتخطي هذه الفكرة التقليدية القائلة بأنه على الأم أن تمكث إلى جانب أطفالها وإلا فمن الطبيعي أن تشعر بالذنب لدى الابتعاد عنهم ما يلغي إمكان إرضاء ذاتها وتطوير نفسها بالعمل على حياتها المهنية.
في المقابل، على الأم الحريصة على حياتها المهنية أن تحرص في الوقت نفسه على تأمين حضور كامل إلى جانب طفلها لا جسدياً فحسب بل على المستوى النفسي أيضاً.
لطالما ارتبطت فكرة الأم العاملة بإحساس بالذنب الذي يرافقها لغيابها عن أطفالها في أوقات تواجدها في مكان العمل. ترفض بجاني هذه الفكرة التقليدية، مؤكدة أن الأهم هو تواجد الأم لا جسدياً فحسب، بل نفسياً ومعنوياً أيضاً. من الطبيعي أن تختللف المعايير بحسب سن الطفل وبحسب معدل ساعات عمل الأم. لكن بشكل عام ثمة حالة عامة يمكن الاستناد إليها. "يرافق الأم في المفهوم التقليدي إحساس بالتقصير، فتتخبط مشاعرها بين رغبتها في تطوير حياتها المهنية وأمومتها التي تشعر بالتقصير حيالها. وقد لعب المجتمع دوراً أساسياً في وضع هذه الأفكار المسبقة في الأذهان فيما تبرز الحاجة اليوم إلى التحرر من هذه الأفكار. علماً أن الأمور تزيد صعوبة هنا على الأم التي تلتزم بالعمل لأسباب مادية.
ليس صحيحاً أنه على الأم أن تتواجد في المنزل طوال الوقت . فكما أن وجودها مهم كذلك وجود الأب لا يقل أهمية وعليهما أن يتشاركا في الأدوار. علماً أن كثراً من الأمهات اللواتي لا يعملن لا يتواجدن بشكل كامل من الناحيتين الجسدية والنفسية إلى جانب الأطفال".النوعية أهم من الكمية
تشدد بجاني على أن نوعية الوقت الذي تخصصه الأم لأطفالها هو أكثر أهمية بعد من الكمية ومن الضروري أن تعرف الأمهات ذلك. فيجب التوضيح أن "الحضور النفسي" للأم إلى جانب الأطفال هو الأهم. "يمكن أن تكون الأم عاملة وفي الوقت نفسه تخصص وقتاً لأطفالها وذلك حتى أثناء غيابها عن المنزل. على سبيل المثال يمكن أن تتصل الأم بأطفالها لدى عودتهم من المدرسة وتسألهم عن يومهم وتتابعهم، فيبدو ذلك أكثر أهمية من الحضور الجسدي. من المهم أن يشعر الأطفال بالأمان وبوجود أمهم إلى جانبهم من الناحية المعنوية على الأقل وأنها تساندهم وعلى تواصل معهم. في المقابل يجب محاربة الفكرة القائلة بضرورة حضورها طوال الوقت في المنزل".
في المقابل تشير بجاني إلى الأمهات اللواتي يكنّ حاضرات في المنزل ولا يركزن على أطفالهن ربما لاستخدام الهاتف الخليوي أو لأسباب أخرى فتبدو الأم هنا وكأنها غير موجودة. "إذا كانت الأم عاملة من الضروري أن تتخذ إجراءات بحيث تخصص الوقت الذي تعود فيه إلى المنزل كاملاً لأطفالها فتعوّض غيابها عنهم.
-إذا كانت تعود إلى المنزل وأطفالها صغار يمكن أن تقرأ لهم القصص وأن تلعب معهم وأن تلوّن معهم فترافقهم إلى أن يناموا.
-في هذه الحالة لا يمكن أن تهمل أطفالها طوال هذا الوقت من لحظة وصولها إلى الوقت الذي ينامون فيه، وإن كانت متعبة أو منزعجة أو منشغلة أو لديها مشاكل في العمل. فتخصص هذا الوقت كاملاً لهم. فتكون هذه التضحية التي تقوم بها كأم لأطفالها لتشاركهم في كافة تفاصيل حياتهم.-يجب ات تترك الأم المشاكل والتوتر خارجاً لدى عودتها إلى المنزل ليكون حضورها كاملاً مع أطفالها.
-إذا كان الأطفال أكبر سناً يمكن أن تتابع دروسهم التي أنجزوها وتتحدث معهم عن يومهم في المدرسة.
-يعتبر التواصل مع الطفل ضرورياً وأساسياً في هذه الحالة، فلن يفيد أن تكون الأم موجودة جسدياً ولا تتواصل مع أطفالها.
-من المهم التركيز على المتعة في التواجد مع الأطفال بدلاً من أن يتحوّل الأمر إلى واجب. فأسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن يتحوّل الولد إلى عبء على الأم. من المهم التركيز على رغبات الطفل في الوقت الذي تتواجد فيه أمه معه. ففي النهاية تربية الأطفال بحسب بجاني، هي الأصعب والأجمل في الوقت نفسه، أياً كانت طباع الطفل.
-يمنع على الأم أن تعوض غيابها بالهدايا. فيجب أن ينحصر تقديم الهدايا بمناسبات معينة، لأن هذا أكثر ما يفسد الأطفال باللجوء إلى الهدايا كتعويض عن الغياب. فالولد ذكي ويعرف كيفية التحكم بمشاعر أهله. لذلك يجب عدم التهاون في هذا الإطار وعدم استبدال العواطف بالأمور المادية.
-يجب أن تكون الأم معنية بحياة أطفالها من دون أن تتحوّل إلى السيطرة عليهم. فيجب أن تؤسس معهم علاقة صداقة على أن يتم الحفاظ على حدود معينة تحترم دور الأهل واحترام الأطفال لهم رغم التفاهم والتواصل الدائم.
تشدد بجاني على أهمية وجود الأم ومتابعة أطفالها من الناحية المعنوية حتى لا يشعر الطفل بنقص في مكان ما. ومن المهم أن تساعده على ترجمة رغباته بأفضل شكل ممكن. وفيما تؤكد على أهمية عمل الأم تشدد أيضاً على أن الأولوية تبقى للأطفال، ويجب ألا يصبح نجاحها في حياتها المهنية على حساب الصحة النفسية لأطفالها وأن يبقى التوازن أساسياً في علاقتها بهم.