الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

"العونه" ردّاً على انهيارات العهد العوني

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
"العونه" ردّاً على انهيارات العهد العوني
"العونه" ردّاً على انهيارات العهد العوني
A+ A-

لم أكن لأسميّ هذا العهد بـ"العهد العوني".

أصحابه أطلقوا عليه هذا الأسم وأنا أستعير التسمية.

أصحابه أرادوا الإستئثار بكل شيء، حتى بالزمن السياسي، على رغم ان النظام ليس نظاماً رئاسيًّا كب يُسمّى العهد بإسمه.

العهد عهد حكومة "وحدة وطنية" وليس عهد رئيس للجمهورية، الذي لا يتحمّل وحده بالطبع مسؤولية الإنهيار الحاصل.

المسؤولية تقع عليهم "كلن" و"كلن يعني كلن".

لكن "كلن" أتوا بهذا العهد. "حزب الله" طوعاً والآخرون انصياعاً.

هذا العهد أوصلنا الى الإنهيار، وكل شيء يكاد يتوقّف في هذا البلد إلاّ الإنتفاضة.

لقد سبق وقلت في مكان آخر، ان اللون البرتقالي هو اللون الذي يسبق اللون الأحمر في إشارات السير، وينبّهنا انه علينا ان نتوقّف عن الحركة قريباً.

نعم كل شيء يتوقّف في بلادي إلاّ الإنتفاضة. الإنهيار على كل المستويات، غير ان معنويات شعبي عالية والشباب يقود عملية النهوض من القعر.

الشعب رفض التسليم بالإنهيار، فانتفض عليه، بعدما كان الانهيار حتمياً ما قبل الإنتفاضة.

لكن عدم التسليم بالإنهيار لا يكفي، كما ان الإستمرار في الإنتفاضة لا يكفي أيضا.

كذلك لا يكفي انتظار الحكومة الجديدة ولا الانتخابات النيابية المبكرة ولا "سيدر" وأخوته وأخواته.

الشح المالي في المصارف، وإقفال المؤسسات وتسريح العمال والموظفين، وأزمات الدواء والبنزين والخبز وغلاء الاسعار وغيرها، تتطلّب من الإنتفاضة مبادرات إضافية، حتى لو كانت هذه الأزمات مفتعلة من السلطة لتحميل الإنتفاضة مسؤولية هذه الأزمات.

مع الإستمرار في الإنتفاضة والضغط على المسؤولين، علينا إبتكار أدوات للإستمرار في العيش بكرامة.

لعلنا خلال هذه الهبّة الوطنية، نعود الى إرثنا الوطني، ونستقي منه ما يسميه اللبنانيون بـ"العونه".

ما هي "العونه"؟

"العونه" هي شكل من أشكال التعاون في القرى والبلدات، تقوم على تبادل الخدمات والسلع من خلال تنظيم جماعي للإحتياجات المعيشية. تطورت "العونه" في القرن التاسع عشر مع إنحسار خدمات السلطة المركزية وضعف التبادل النقدي. وهذا يشبه الى حد ما، ما نعيشه اليوم، بالطبع مع اختلاف كبير بالظروف المحيطة.

فلتطوّر الإنتفاضة "العونه" كردٍّ على انهيارات العهد العوني ومآسيه.

الإنتفاضة بدأت بالفعل بإستخدام أشكال من التضامن تشبه "العونه"، من خلال التشارك قي جلب المأكولات والأدوات المختلفة في الساحات، وتعليم التلاميذ في الساحات، وتبادل الخبرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها لتوعية المنتفضين تحت الخيم. بدأنا نسمع بمبادرات من مثل اعلان اطباء عن استعدادهم لمعاينة المرضى مجانا.

لا بدّ لـ"العونه" ان تستجيب للأزمة المعيشية في المأكل والمسكن والعمل والصحة والبيئة والتعليم.

لكن "العونه" لا تعني الاستسلام لقرار المؤسسات بصرف الموظفين أو بتقليص الأجور والدوام، أو لقرار المدارس إبقاء الأقساط كما هي او زيادتها، أو لجوء المحلات الى رفع الأسعار. بل ان هذه الممارسات يجب ان تواجه من قبل المعنيين، عمّالا وأهالي ومستهلكين. مع الإستمرار في الضغط على المصارف حتى توازن بشكل عادل بين الحفاظ على السيولة ومراعاة احتياجات المودعين، وخصوصا الصغار منهم.

"العونه" ليست فقط ردًّا على احتياجات معيشية، بل هي في صلب تطوير الإنتفاضة.

فالعصيان المدني الذي ينادي به البعض، يتطلّب أمرين على الأقل. الأول مقاطعة السلطة من خلال رفض دفع الضرائب ورفض تنفيذ أوامرها. والثاني الإدارة الذاتية للشؤون الحياتية بمعزل عن الدولة ومن خلال التضامن، أي "العونه".

من جهة ثانية، لا بدّ ان يؤدّي التنظيم الجماعي لـ"العونه" الى التمرّس بشؤون الإدارة والحكم على المستويات المحليّة. وهذا ما يطوّر القدرات اللامركزية للإنتفاضة التي قامت أساساً على مبادرات مناطقية. كما انه من ناحية ثانية وفي مرحلة لاحقة، يؤهل التنظيم الجماعي الإنتفاضة لتسلّم زمام السلطة، أكان ذلك في البلديات أم في مجلس النواب والحكومة، وهو الهدف الأسمى للإنتفاضة الذي عبّر عنه بإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم