الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ماذا لو أفشلوا الثورة؟

المصدر: النهار
ماجد المقصود
ماذا لو أفشلوا الثورة؟
ماذا لو أفشلوا الثورة؟
A+ A-

نجحت الحكومة اللبنانية أخيراً في تحقيق ما كان يُعتبر بمثابة الحلم لأغلب اللبنانيين، وذلك عبر أخذ قرارات غير شعبية خرج على إثرها المواطنون إلى الشوارع موحّدين وحاملين الأعلام اللبنانية دون رايات حزبية، من شمال لبنان إلى جنوبه ملأوا الساحات وهتفوا سوية بشعارات وطنية، وأطربوا الآذان بمفردات وأقاويل تندد بفساد الطبقة الحاكمة، ورقصوا على وقع الأغاني الوطنية الثورية في مشهد عظيم لم نعهده من قبل.

إذاً، هي بداية ثورية فعلية بكل ما للكلمة من معنى، ثورة على الفساد الطاغي على كل شيء، ومقدمة للانقلاب على النظام السائد منذ عقود والذي أثبت فشله المريع على كافة المستويات إلا من الحريات التي تنقلب، في أغلب الاحيان، إلى مقارعات شبيهة بتلك التي نشهدها على الطرقات والأزقة.

ولكي تنجح الثورة بحدها الأدنى فلا بد من تغيير حقيقي للإمساك بزمام الأمور، وهذا التغيير يبدأ عن طريق السيطرة على المجلس التشريعي لإنتاج سلطة جديدة تستطيع سن القوانين المهمة لإخراج الثورة من الشارع وإلباسها ثوباً دستورياً قانونياً يمهد لها الطريق لتحقيق العناوين المطروحة وتطهير الدولة من الموظفين الرديئين الجانحين في كافة القطاعات القضائية منها والأمنية كما في كافة الوزارات، وبعث روح جديدة وطنية تنافسية لخدمة المواطنين بالدرجة الاولى، وإنشاء المحاكم المخصصة فقط لاستعادة الاموال المنهوبة من خزينة الدولة، أكان من السياسيين أم من الموظفين، ففي كلا الحالتين الفساد واحد ويجب قبعه من جذوره إذا ما أردنا التغيير الحقيقي.

غير ان ما استوقفني بعد استقالة الحكومة تحت ضغط الثوريين، تلك الرسائل التهديدية التي تصدر بين الحين والآخر من محسوبين على زعامات مؤسساتية وأخرى دينية، تدين المتظاهرين وتقرر عنهم ما هو مسموح إنجازه وما هو غير مسموح، وذلك من خلال نظرتهم الضيقة المصلحية للأمور دون التقيد بأي قيد أو رادع؛ وبتقديري، هواجس هؤلاء لا أساس واقعياً لها لأن المواضيع الاستراتيجية الكبرى في لبنان تحل فقط عن طريق التفاهمات الدولية وحسب الموازين الاقليمية، ولا قدرة للشعب اللبناني على حسم هذه المواضيع بمفرده حتى ولو أراد ذلك لأسباب عدة لا مجال لذكرها في هذه السطور.

إذاً، طرابلس عاصمة الثورة، وحتى كتابة هذه السطور يصدح صوت أبنائها في الساحات في ظل غياب شبه تام في الجنوب والبقاع الشمالي رغم بعض الاصوات التي اخترقت الأجواء؛ وإذا ما أردنا استنتاج شيء فلا نستطيع إلا أن نقرّ بذلك الانقسام العامودي الذي يهدد الثورة باكتمال عناصر نجاحها، لاقتناع فئة أساسية في التركيبة اللبنانية عند كل حراك بأنها مستهدفة، وفي الحقيقة، فإن عامة الشعب قد سئمت من الأوهام التي زرعوها في رؤوسنا طوال سنين، وكان لبنان قد دفع ثمنها حرباً أهلية دامت ١٤ عاماً قضت على كل شيء، ولأن الاجيال الشابة كما نحن، نرفض رفضاً قاطعاً بأن يعيد التاريخ نفسه في هذا الفصل بالذات، فنحن نتساءل ما إذا كان هناك حلول أخرى نتفادى من خلالها الصدام، فهذا هو الوقت المثالي لوضعه على الطاولة، وأنا هنا لست من المصفقين أو المؤيدين للتقسيم، ولكن أعتقد أنه أصبح من غير المعيب التكلم بصوت عال وطرح البدائل التي تراعي مستقبل أطفالنا، وتبعدهم عما عانياه في هذا الوطن الصغير.

في البداية، علينا التوافق على ان القوانين والمؤسسات أنشئت للحفاظ على مصالح شعب معين وتقديم ما هو أفضل في سبيل حياة كريمة لأبنائه من ضمنها حرية المعتقد والحريات الشخصية، وأمور الحياة الاخرى من بنى تحتية ونظام تعليمي وصحي متطور تكون فيه الممارسات مقيدة بقوانين وخصوصاً السياسية منها، ولأن ذلك متعذر في بلد كلبنان أثبت فشله عن طريق التجربة الفعلية لأسباب منها تاريخية قديمة أو دينية أو سياسية أو أقليمية حديثة، وكل هذه الاسباب جعلت من الانسان اللبناني غير مطمئن لمستقبل أبنائه، فخفت شعوره بالانتماء إلى هذا البلد.

أود أن ألفت انتباهكم ابناء بلدي العزيز أنه توجد حلول أخرى غير التصادم، وهي حلول تحفظ للجميع حقهم وتسمح لهم بتحقيق ذاتهم، وبناء على ما تقدم أقترح إنشاء نظام فدرالي على أن يقسم لبنان إلى ٨ كانتونات أو ولايات كالتالي: عكار الضنية المنية طرابلس ولاية رقم واحد، الكورة زغرتا بشري البترون ولاية رقم ٢، كسروان المتن ولاية رقم ٣، بيروت الكبرى ولاية رقم ،٤ جبل لبنان ولاية رقم ٥، البقاع الشمالي ولاية رقم ٦، البقاع الاوسط والجنوبي ولاية رقم ٧، والجنوب الولاية رقم ٨. طبعاً هناك الاتفاق على تفاصيل الحدود وأمور أخرى كثيرة يحسم من خلال اللجان المختصة على ان تتمثل كل ولاية بثلاثة أعضاء في مجلس يسمى بالمجلس الرئاسي، وبالتالي يكون المجلس الرئاسي موزعاً بـ ٦ سنة و ٦ شيعة و ٦ موارنة و ٢ دروز و ٢ ارمن و ٢ أرثوذوكس، على أن ينتخب رئيس كل عام، يكون مداورة بين المكونات الستة. هذا المجلس يدير الشؤون الخارجية والدفاع وصندوق النفط والغاز الذي يوزع بالتساوي بين الولايات الثمانية، على أن تتكفل كل ولاية بأمورها من حيث الضرائب والشرطة والنقابات وقانون الاحوال الشخصية إلى ما هنالك من خدمات كالكهرباء والطرقات والمدارس والجامعات والبلديات وأمور أخرى كثيرة يتم الاتفاق عليها، وهذه طبعاً فقط رؤوس أقلام، ولبلورتها يجب إقامة دراسة كاملة وتطرح للتصويت على الشعب اللبناني، وإذا ما أقرت تعطى مهلة ٥ سنوات قبل تنفيذها.

طبعاً يهمني التأكيد مرة أخرى على أنني شخصياً مع الاندماج وليس الانفصال، ولكن إذا كان عمر لبنان الجغرافي الحالي اصبح ١٠٠ عام ولم نستطع تقديم شيء لساكني هذا البلد، فلماذا لا نستنبط حلولاً تصبّ أولاً وأخيراً في مصلحة هذا البلد؟!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم