الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات الفلسطينية استحقاق دستوري ووطني وسياسي وليست خياراً سياسياً

المصدر: النهار
د. باسم عثمان كاتب وباحث سياسي
الانتخابات الفلسطينية استحقاق دستوري ووطني وسياسي وليست خياراً سياسياً
الانتخابات الفلسطينية استحقاق دستوري ووطني وسياسي وليست خياراً سياسياً
A+ A-

 ما يغيب عن غالبية المنشورات الحزبية الفصائلية والإعلامية السياسية على منصات الاعلام وداخل أروقة الصالونات الأدبية التوصيفية، أن الانتخابات الفلسطينية (التشريعية والرئاسية) المزمع إجراؤها، أنها تحتاج وبالدرجة الأولى إلى الإرادة السياسية لأصحاب القرار الفلسطيني في الضفة والقطاع، وتحتاج أيضاً إلى التوافق الوطني على الإجراءات الإدارية لإنجازها وترتيبها ونجاعتها، حتى لا تتحول إلى كارثة وطنية – بقصد أو بدون قصد – من انقسام سياسي إداري إلى انفصال إداري وجغرافي سياسي تتكرس فيه الكانتونات الجغرافية الفلسطينية (في الضفة وغزة والقدس)، وبالنتيجة، خدمة مجانية ميدانية لأهداف المشروع الأميركي – الإسرائيلي وتجلياته السياسية في عناوين صفقة القرن الاميركية.

وما يغيب أيضاً عن التفكير الفلسطيني الرسمي، أن هذه الانتخابات المركبة: الدستورية الإدارية والسياسية الوطنية، هي إجراء مركّب: إدارياً وسياسياً، تتعلق برافعتي الحالة الفلسطينية بشقيها: منظمة التحرير الفلسطينية كائتلاف وطني عريض تمثيلي وسياسي، والسلطة الفلسطينية باعتبارها أحد مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية ومعنية بدورها الإداري الخدماتي الجغرافي لجزء من الشعب الفلسطيني المتواجد على أرضه المحتلة، والتي تتمايز عن دور ومهام منظمة التحرير الفلسطينية كإطار تمثيلي – سياسي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني لإنجاز استحقاقات مشروعها الوطني في الحرية والاستقلال، في حين أن السلطة تمثل الأداة الوطنية وأحد إنجازات الأخيرة (م.ت.ف) على طريق تحقيق السيادة الوطنية.

هذاالموقف ينطلق في تعاطيه من الانتخابات من مجموعة حقائق:

الحقيقة الأولى: أن السلطة الفلسطينية ليست كياناً سيادياً سياسياً، طالما هي تحت الاحتلال، وهي ليست ممثلة لعموم الفلسطينيين (إدارياً وسياسياً ووطنياً) ولطالما تقتصر في إدارتها ورعايتها على الفلسطينيين المتواجدين في الضفة والقطاع والقدس، وهذه الإدارة لشؤون الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني تعكس نفسها بصورة أو بأخرى، على صمود شعبنا وأدواته الوطنية والاجتماعية لإنجاز مشروعه الوطني، لذلك، فهي إدارة مهمة بالمفهوم الوطني وتعكس معطى سياسياً في معركتنا الوطنية السياسية، لهذا، فإن بنية السلطة وتركيبتها وإن كانت ليست سياسية فهي تؤدي لنتائج سياسية.

الحقيقة الثانية: أن شعبنا يدرك تماماً أنها انتخابات تحت سقف الاحتلال، وهي انتخابات إدارية من جانب، وسياسية من جانب آخر، لمكونات الحالة الفلسطينية بشقيها (منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية)، لذلك، لا بد من إنتاج ومن خلال التجديد الانتخابي لإدارة ذاتية ملتزمة بثوابت شعبنا الوطنية وحقوقه المشروعة - معطى وطني- لإفشال أهداف المشروع السياسي للاحتلال الإسرائيلي وتجلياته الميدانية من خلال تعزيز صمود شعبنا على أرضه والحفاظ على الثوابت الوطنية، ومن حيث المبدأ، كل مؤسساتنا المدنية والوطنية والاجتماعية تحت سقف الاحتلال (البلديات، الجامعات، التعليم، الصحة ..الخ)، لذلك، لا مبرر للتعاطي مع المنطق الانتقائي مع ما هو تحت سقف الاحتلال وبما يخدم رؤى حزبية ضيقة، ورفض ما هو تحت سقف الاحتلال ولنفس الغاية، إلا إذا كان ذلك يكرس الهروب إلى الامام من استحقاقات الهمّ الوطني وتعبيراً عن الإفلاس والاستسلام والانبطاح السياسي.

الحقيقة الثالثة: والمهمة والتي يجب ألا تغيب عن بالنا وتحليلاتنا السياسية، أن الانقسام في الحالة الفلسطينية أيضاً مركب: هو انقسام إداري سلطوي من جانب، وانقسام سياسي وطني من جانب آخر، الأول سبيله الوحيد للخلاص منه هو إجراء الانتخابات الادارية في الضفة والقطاع والقدس، والثاني سبيله الوحيد للخلاص منه هو بإطلاق باكورة الحوار الوطني الفلسطيني لإنتاج الرؤية الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية التوافقية استجابة لمتطلبات عودة النهوض الوطني الفلسطيني مجدداً، وبما يعزز من مكانة منظمة التحرير وصدارتها وقيادتها للمشروع الوطني الفلسطيني وإنجاز مهامها كحركة تحرر وطني.

إن تنفيذ أي من هذه الاستحقاقات الوطنية يتطلب القيام بالخطوات الآتية:

- على الرئيس الفلسطيني الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات، إثر إنجاز لجنة الانتخابات المركزية للمشاورات التي تقوم بها وتقديم تقريرها، ضمن الحدود الزمنية المحددة في بنود المحكمة الدستورية.

- أن يدعو الرئيس الفلسطيني هيئة تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والمكونة من الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية وأعضاء اللجنة التنفيذية ورؤساء المجالس التشريعية الفلسطينية وشخصيات وطنية واجتماعية ومدنية لتفعيل المؤسسات ولبلورة رؤية وطنية توافقية للإجماع الوطني واستراتيجيته المقاومة.

- الاتفاق على اعتماد النظام الانتخابي النسبي الكامل لإتاحة الفرصة لمشاركة كافة أطياف الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية وضمان تمثيلها في التشريعات الفلسطينية وفقاً لحجمها النسبي في المجتمع الفلسطيني، أو: اعتماد نظام انتخابي على مستوى الدوائر، والذي قد يتيح مشاركة قوائم المستقلين في الدوائر لضمان وصول شخصيات محلية مستقلة قد لا تكون لها فرصة لإقامة قوائم على مستوى الوطن، أو: اعتماد نظام انتخابي نسبي مختلط، بحيث يتم انتخاب نصف مقاعد المجلس التشريعي "البرلمان" عبر قوائم على مستوى الوطن، والنصف الثاني عبر قوائم على مستوى الدوائر.

- التعهد من قبل "سلطتي طرفي الانقسام الإداري والسياسي في الضفة والقطاع" بضمان حرية ونزاهة الانتخابات، وضمان احترام نتائجها والتسليم بها.

-تكليف لجنة الانتخابات المركزية بالتحضير للانتخابات ووضع الخطط الكفيلة بمنح المصداقية للعملية الانتخابية وتعزيز نزاهتها وشفافيتها من خلال وجود هيئات رقابة دولية تحظى بثقة الاطراف الفلسطينية، سواء أكانت من هيئة الامم المتحدة أو من أطراف فلسطينية أو عربية أو إسلامية ومنظمات أجنبية.

نحن أحوج إلى بلورة استراتيجية وطنية متماسكة وعلى أعلى المستويات للبحث في كيفية مشاركة الجميع وبدون استثناء في هذه الانتخابات، وتوفير ضمانات فعلية لإنجاز هذا الاستحقاق الوطني بشقيه الإداري والسياسي، وميدان الاتفاق على هذا من خلال حوار وطني عام وشامل يقوده الرئيس عباس ويشارك فيه أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني والامناء العامون لفصائل العمل الوطني وشخصيات مستقلة، هذا هو الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله أن نصل إلى تفاهمات تمكّننا من إجراء الانتخابات في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وغير ذلك، ستقودنا الانتخابات بدون الإجراءات والآليات التمهيدية لها ولنجاحها، إلى كارثة وطنية يصعب التنبؤ بنتائجها.

إن نجاح إنجاز هذا الاستحقاق الوطني - وهو ليس خياراً سياسياً تكتيكياً بالمناسبة- في الإرادة السياسية الفلسطينية الخالصة، ولا يحتاج إلى مكياج الأجندات والتكتيكات الاستعراضية والفئوية الفصائلية، قالها الشعب الفلسطيني وسيقولها مجدداً: "لقد بلغ السيل الزبى".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم