الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

دفاعا عن حق قطع الطرق في نظام غير ديموقراطي لا يحترم الحقوق

غسان صليبي
دفاعا عن حق قطع الطرق في نظام غير ديموقراطي لا يحترم الحقوق
دفاعا عن حق قطع الطرق في نظام غير ديموقراطي لا يحترم الحقوق
A+ A-

تطرح السلطة حجتين في وجه قطع الطرق على يد الانتفاضة اللبنانية، وذلك لتبرير ضرورة فتحها. الاولى ان قطع الطرق هو انتهاك لحق التنقل وهو يعوق حرية إنتقال الناس الى بيوتهم وأشغالهم، فضلا عن إعاقة انتقال او نقل المرضى. الحجة الثانية إن في استطاعة المنتفضين البقاء في الساحات والضغط على السلطات.

سأتناول بالنقاش الحجتين اعلاه، بدءا بالثانية.

هل يمكن الضغط على الحكومة من خلال الاكتفاء بالاعتصام في الساحات؟

تطالب الانتفاضة اللبنانية بإسقاط الحكومة وتستخدم وسائل ضغط ميدانية اهمها الاعتصام في الساحات على مساحة الوطن، وقطع الطرق.

الاعتصام او التظاهر هما وسيلتان يجري اللجوء اليهما في المجتمعات الديموقراطية للتأثير في السياسات الحكومية، اما مباشرة من طريق ممثلي الشعب في مجلس النواب، الذين يراقبون المسار الحكومي أو يعدلونه، او بطريقة غير مباشرة من طريق تعبئة الرأي العام ضد هذه السياسات مما يجبر الحكومة على الخضوع لإرادة المعتصمين والمتظاهرين.

واضح من التجارب السابقة، واهمها الحراك الشعبي الكبير سنة 2015، ان هذه الوسائل لم تكن ذات فعالية على السلطة اللبنانية. ليس فقط لأنه كان للحراك نقاط ضعفه، بل اساسا لأن النظام السياسي اللبناني غير ديموقراطي، ولا تعدَّل السياسات فيه بسهولة من طريق الوسائل الديموقراطية من مثل الاعتصام والتظاهر.

لبنان بحسب الدستور "جمهورية ديموقراطية برلمانية". اي يمارس الشعب السلطة ديموقراطيا من خلال البرلمان الذي يجب عليه ان يراقب السلطة التنفيذية، اي الحكومة.

هذه العلاقة الديموقراطية بين البرلمان والحكومة معطلة في نظام المحاصصة الطائفية، حيث الحكومة صورة مصغرة عن الكتل البرلمانية التي تصبح عاجزة حكما عن مراقبتها او التأثير عليها، ولا سيما ان اركان الحكومة هم في أكثريتهم من زعماء الكتل البرلمانية. تعطل العلاقة الديموقراطية بين البرلمان والحكومة، يحرم الشعب من التأثير في سياسات الحكومة، من خلال الاطر المؤسساتية.


يضاف الى ذلك، ان الطرف السياسي الاكثر نفوذا على قرارات الحكومة، وبإعتراف قيادته، هو "حزب الله"، الذي يستمد جزءا من قوته من التمثيل النيابي والحكومي، والجزء الآخر من كونه الحزب السياسي الوحيد المسلح والمنخرط في الصراعات العسكرية الاقليمية.

وقد أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" صراحة رفض مطالب الانتفاضة، من اسقاط الحكومة الى اسقاط العهد الى تنظيم إنتخابات نيابية مبكرة، معتبرا تغييرات كهذه استهدافا دوليا للمقاومة. بمعنى آخر، السيد نصرالله "قطع الطريق" على الانتفاضة.

كيف يمكن في هذه الحالة ان تؤثر انتفاضة لاعنفية، من طريق الاعتصام في الساحات، في قررات الحكومة، التي تستمد مناعتها من خارجها، وبدون الاصطدام بحزب مسلح؟

هل قطع الطرق هو انتهاك لحقوق المواطنين؟

امام هذه العقبات، اولا البنيوية، المتعلقة بالنظام السياسي غير الديموقراطي، وثانيا العسكرية، المتأتية من موقف حزب سياسي مسلح، تلجأ الانتفاضة الى قطع الطرق كتدبير للمساعدة على تنفيذ الاضراب العام، بما يمثل من وسيلة إضافية لتحقيق المطالب.

قطع الطرق هو من حيث المبدأ مخالف لحق التنقل المنصوص عليه في الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لكن دعونا ننظر الى ممارسة هذا الحق في إطاره الاوسع، القانوني والميداني.

تنص المادة الاخيرة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على "حق التمتع بنظام اجتماعي يمكن ان تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الاعلان تحققا تاما". بمعنى آخر، ان هذا النظام الاجتماعي هو "شرط" لممارسة الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاعلان. وهذا النظام الاجتماعي، المفترض ان يكون ديموقراطيا وعادلا، هو الذي يسمح بممارسة الحقوق والحريات. وهذا ما يفتقر اليه لبنان بشكل فاضح، فكيف يمكن في هذه الحالة ان نتكلم عن ممارسة الحقوق؟

دعونا نستعرض هذه الحقوق ونتساءل عن مدى ممارستها في لبنان.

حق التنقل في حد ذاته، يمارَس بشروط امنية وسياسية ومادية غير مطمئنة ومريحة لللبنانيين عموما (شبه كانتونات مذهبية، ومربعات امنية، وقطع طرق للمواكب او للاستعراضات السياسية، وطرق وبنى تحتية غير مؤهلة، وعجقة سير خانقة). يأتي هذا الحق في الاعلان العالمي مقرونا بحق اختيار محل الاقامة، الذي يجري انتهاكه في الكثير من المناطق بشكل غير معلن لاعتبارات طائفية، وبشكل معلن في بلدة الحدث مثلا، بمباركة ابرز الاطراف السياسيين في العهد والحكومة.

ماذا نقول بالنسبة الى الحق في الحياة بعيدا من الأخطار الصحية في ظل النفايات والتلوث، والحق في عدم التعرض للتعذيب، والحق في الشخصية القانونية لجميع المواطنين ومن بينهم الذين هم من ام لبنانية واب أجنبي، والحق في حرية الرأي والتعبير في ظل كم الافواه، والحق في الضمان الاجتماعي والعمل والاجر العادل، والحق في انشاء النقابات بحرية وبمستوى لائق من المعيشة، والحق في التعليم المجاني في المرحلتين الابتدائية والاساسية، والحق في التمتع بالحماية المعنوية والمادية المرافقة للانتاج العلمي والادبي والفني؟

معظم هذه الحقوق منتهكة في لبنان إن لم تكن جميعها. وعندما نقول حقوقا وحريات عامة، يعني من جهة انها تشمل جميع المواطنين، ومن جهة ثانية انها ترتب على الدولة واجبات عليها القيام بها للمساعدة على ممارسة هذه الحقوق.

أين السلطة السياسية من تأمين هذه الحقوق؟ السلطة السياسية تريد انتهاك جميع الحقوق وتأمين حق الانتقال فقط، بهدف الاستمرار في انتهاك الحقوق الاخرى. في حين ان الانتفاضة تريد انتهاكا نسبيا وموقتا لحق الانتقال فقط، من اجل تأمين دائم لجميع الحقوق الاخرى، بما فيها حق الانتقال.

الدستور هو عقد اجتماعي بين المواطنين في دولة معينة. عندما تنتهك السلطة معظم بنود هذا العقد، هل يحق لها مطالبة المواطنين بتطبيق بند من بنوده؟

العمال يستخدمون الاضراب لوقف العمل وإجبار صاحب العمل على التجاوب مع مطالبهم. الانتفاضة تستخدم قطع الطرق لوقف المسار العادي للحياة، انتاجا وعلاقات اجتماعية وسياسية، حتى لا تستمر السلطة في انتهاج سياساتها الحالية المرفوضة من الشعب المنتفض.

العودة الى العمل والحياة اليومية، بدون تحقيق المطالب، ومع استمرار السياسات الحكومية، المؤدية الى الانهيار الاخلاقي والمالي والوطني، تعني العودة الى تعطيل الحياة الكريمة لمدة طويلة، في حين ان تعطيلها لبعض الوقت، الى حين تحقيق مطالب الانتفاضة، يؤمن العودة الى حياة كريمة، في مستقبل الايام.

لكن يبقى ان من واجب الانتفاضة، ولا شيء يمنعها من القيام بذلك، ترتيب حرية التنقل في حالات معينة. ومن الافضل العمل على توقع هذه الحالات وتحديدها وإعلام الرأي العام بها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم