الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ثورة تبشّر بلبنان جديد

المصدر: "النهار"
فاديا كيوان- المديرة السابقة لمعهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف
ثورة تبشّر بلبنان جديد
ثورة تبشّر بلبنان جديد
A+ A-

يمكن الجزم بأن لبنان يعيش اليوم حقبة تاريخية غير مسبوقة وهي ستترك لا محال، أثراً عميقاً على تركيبة نظامه.

فخروج المواطنين إلى الشارع في مختلف المناطق اللبنانية ولثمانية أيام متتالية مع الاستعداد للبقاء في الشارع حتى تَحقيق مطالبهم هو شيء استثنائي، المُلفت والجديد والاستثنائي في ذلك إن الناس خرجت إلى الشارع بشكل عفوي وطويل النفس. فلا يمكن اعتبار الحركة الاحتجاجية بأنها عفوية وانفعالية وبالتالي إنها مجرد فشّة خلق.

اللافت أيضاً أن القضية الاجتماعية كانت هي المحور الرئيسي في كل الخطابات والتعليقات وحتى في السُباب والشتائم حيث كان المتحدثون يفجّرون غضبهم باسم الجوع والعوز والرغيف و...

ما أدهش العالم كان التقاء اللبنانيين المحتجين حول موضوع الأزمة الاقتصادية لا بل السياسة المالية والضرائبية للدولة إزاء الأزمة الاقتصادية.

وإذ بأفراد يمشون شللاً شللاً إلى الساحات العامة في الأحياء وفي المدن وفي العاصمة تاركين وراءهم هويتهم الطائفية والمذهبية والحزبية.

لكن المحتجين لم يكونوا جماعة واحدة في مراميهم وأهدافهم. كان بينهم المعارضون المزمنون والذين يواصلون منذ سنوات اعتماد كل أشكال الاعتراض والنقد والاحتجاج. ويمكن أن نذكر من كل ذلك محطة آب 2015 والحركات الاحتجاجية التى رافقت تفاقم أزمة النفايات.

أما الفئة الثانية من المحتجين فهم أولئك الذين كانوا أو باتوا عاطلين عن العمل بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية. ومن بين هؤلاء كان لافتاً وجود أعداد من جماهير القوى والأحزاب الموجودة في الحكم. والكلام الذي تفوه به هؤلاء يعكس مدى الغضب والسخط لدى جماهير الأحزاب، من سياسات تلك القوى والأحزاب نفسها ومن أدائها في السلطة. الخيبة والغضب والثورة في صفوف هذه الفئة كانت الأقوى وهي التى هزت بناء هيكل السلطة الائتلافية في لبنان. فمنذ ما بعد الطائف ولبنان يغرق في صيغ الائتلاف التى بدورها تغرق البلد في المحاصصة والمذهبية والطائفية والحزبية من جهة، وتعطّل آلية المساءلة والمحاسبة وتداول السلطة من جهة أخرى، علماً أن هذه الآلية هي في أساس الحياة السياسية الديموقراطية.

فقد تعطّل النظام الديموقراطي، نعم تعطّل، واستعيض عنه بائتلافات متلاحقة لم تُهدئ الخواطر أو تشفي الغليل بل على العكس شابتها دائماً النزعة إلى التناحر لزيادة الحصص ومحاولة الالتفاف على بعضهم بعضاً طمعاً بالمزيد، عبر ثنائيات وثلاثيات لطالما انفجرت بدورها وصدّعت مشهد الوفاق الهش الذي ساد بعد الطائف.

أما الشجاعة التى واجه فيها المواطنون تهديدات أحزابهم في المناطق وفي أطراف ساحات الاعتصام في بيروت، فإنها فعلاً حدث بحد ذاتها. ولا يمكن أن نفهم هذه الجرأه في تحدي التهديد بالقتل أو بالضرب أو الإيذاء، إلا إذا تصّورنا عمق عذاب الناس وشعورهم بالقهر. وهذا الأمر بحد ذاته مخجل لكل من هو في السلطة أو لديه نفوذ سياسي أو إجتماعي. نعم إنه واقع مخجل.

الفئة الثالثة بين المحتجين كانت المجموعات الحزبية المُنظمة والتي ظهرت تباعاً وفي حضورها وأفعالها وخطابها مشروع تصفية حسابات سياسية. نعم هناك حشود لديها أجندة سياسية بامتياز، وهي لا تكترث لاتحاد اللبنانيين أو لتفرقهم، لا تكترث لألم الناس وقسوة الدهر عليهم، بل إن لديها أجندة تنفذها بأعصاب باردة: إزاحة فلان، للحلول مكانه، استبعاد فلان لأنه يغيظنا، حرق هذا الموقع لأنه لغيرنا، إلخ...

كان المشهد وما زال سوريالياً بأن تبقى أعداد ضخمة في الشوارع والساحات بعد ثماني أيام وأن تنادي بإسقاط الحكومة.

وما هو سوريالي أيضاً هو صمود السلطة وصمتها خلال كل هذه الفترة.

فمن الواضح أن حال صدمة أصابت أهل الحكم. وإزدادت الصدمة عندما سمعوا كلام المحتجين وتعرفوا إلى هوياتهم . وهو أمر لافت فعلاً أن يختفي كل الوزراء والنواب وسائر المسؤولين حيال ما تصاعد من هتافات ضدهم في الشارع.

لكن السؤال الذي يصعب الجواب عليه، بالجزم نفياً أو إيجاباً هو، هل إن هذه "الثورة" قد أطاحت بالطائفية؟

فالثورة سكرة وبعد السكرة تأتي الفكرة كما يقول المثل، فالمطالب لم تكن هي نفسها لدى المحتجين. وحتى بعدما تمحورت حول إسقاط الحكومة لم تأتِ على ذكر التوجهات التى تريح الناس وكذلك نوع الإصلاحات التى ستكافح الفساد بالفعل.

نسجل بعض الملاحظات حول هذا السؤال الأخير وندعو الجميع إلى التمعن أكثر في الحلول المتنوعة التى طرحها المحتجون، وكذلك في القفزة التى حصلت من الوجع الاقتصادي إلى الأجندة السياسية وإلى طرح الحلول التي إن تعمق بها المتظاهرون أنفسهم لجعلتهم ينقسمون ربما حولها.

هل نحن أمام أزمة أداء حكومي أم أمام أزمة نظام سياسي؟

هل إن الخيارات الاقتصادية قيد التداول تلقى توافقاً جماهيرياً؟

ماذا عن التكنوقراط ورفض الحكومات السياسية؟ وماذا عن دور الجيش ومناشدته للانقاذ؟

ماذا عن القيادات الثورية التي لم تظهر بعد بوضوح؟ وماذا عن ديموقراطية الشارع مقابل ديموقراطية الصناديق؟

إن هذه الثورة الناشئة تبشر بلبنان جديد لكنها في مخاض وعلى كل منا أن يساهم في تسهيل تلك الولادة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم