الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لم أُصدّق!

المصدر: النهار
منى الحاج فيعاني
لم أُصدّق!
لم أُصدّق!
A+ A-

لم أصدّق يوماً بأنّ الشّعب المطعون سينتفض مُتمرِّداً على مَنْ طعنه وتسبّب له بكلّ هذه الجِراح.

لم أصدّق يوماً بأنّ ساحةً واحدةً ستضمُّ الجوعان والعاطل عن العمل والمُشرّد والمقهور والمظلوم والمريض ومَنْ أضاع حُلمه، وأضاع وطنه، ومَنْ هُجِّرَ أبناؤه، وسُلِبَتْ أرزاقه، وحُرِمَ من حقّه بالزّواج وتأسيس عائلة، مَنْ أُسْكِتَ وقُمِعَ، مَنْ ذُلَّ ودوسَتْ كرامته بقدم الجزّار، مَنْ خدم وطنه عُمراً فكوفئ بقضم حقوقه وسلب مُكتسباته.

لم أصدّق يوماً بأنّ شعبي بكلّ أطيافه وميوله واتّجاهاته وتشعّباته السّياسيّة والدّينيّة والفكريّة والاجتماعيّة زحف إلى ساحةٍ واحدةٍ، حامِلاً علماً واحداً، صارخاً بصوتٍ واحدٍ: كُفّوا.

لم أصدّق يوماً بأنّ الفساد الذي استشرى في بلادي حتّى بات كالأخطبوط يُطْبِق بأرجُله على الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، سوف يُجتثّ من جُذوره .

ذلك كان حُلم اليقَظَة عندي، يُراوِدني حين يشتدّ بي اليأس وتُظلِم الصّورة في عَيْنيّ فأسْتسلم إلى حُلُمٍ بأنّ سياسيّينا ما عادوا هُمْ هُمْ وبأنّ مُعجِزةً أدّت إلى اسْتبعادهم عن السّلطة واسْتبدالهم بمَنْ حملوا حُبَّ الوطن في قلوبهم وأَصْغوا إلى صوْت اللّه في ضمائرهم. ذلك كان حلم اليقظة عندي، أستسْلم له كيلا أَهوي إلى مدارِك اليأس السُّفْلى.

لم أُصدّق يوماً بأنّ العلاج مُمكن، وبأنّ تفشّي سرطان الفساد في جسد وطني العليل له دواء كما لكلّ داء.

لم أُصدّق حتّى استيْقظتُ ذات صباحٍ خريفيّ على هدير غضب الشّعب يملأ الأجواء والأرجاء، وعلى شلّال بشريّ يزحف إلى السّاحات فأخْفوا أديم الأرض تحت وَقْع نِعالِهم. لم أصدّق بأنّ هؤلاء الّذين ملأوا السّاحات حطّموا حاجز الخوف وراحوا يُجاهِرون، أمام العالم بأَسْره، بكلّ صُوَر الفساد وأشكال الذّلّ التي يمارسها عليهم المُتسّمِّرون على كراسي السّلطة. لم أصدّق بأنّ شعبي قادِرٌ على اقتِلاع روح الطّائفيّة التي رسّخها فيه هؤلاء المُتجبِّرون، وعلى كَسْر قيود الإنتماءات الحزبيّة التي كبّله بها هؤلاء الكافرون.

لم أصدّق حتّى رأت عيناي، وسمعت أذناي، وتلمّست يداي مَواضع جِراحِهم، فصدّقْت. وأيْقنتُ أنّ وجَعَهم يُضاهي وَجعي وحلْمهم يُحاكي حلْمي. غير أنّ إيمانهم يفوق إيماني، ونَبْضُ الأمل ببناء وطن مُعافى دَقّاتُه أعلى في شرايينهم منها في شراييني. عندها فقط، عادتْ إليّ الرّوح وبَصَقْتُ الماء الذي كان يملأ رئتيَّ فيخْنقني حتّى الموت. عندها علمت بأنّ الثّورة مُمْكنة في أيّ وقت، والتغيير آتٍ لا محالة، وبأنّ الوقت كفيل بإنْضاج الحلول، وآخِر التصبُّر فَرَج يلوح من بعيد.

اليوم، أنا أصدّق.

أصدّق الشّاعر الذي قال: "إذا طَمَحَتْ للحياةِ النُّفوسُ

فلا بُدَّ أنْ يسْتجيبَ القَدَر"



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم