السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

في ساحات الثورة خيمٌ مطلبية وأسواق بديلة... لكلّ "بَسْطة" زبائنها والرزق على الله

المصدر: "النهار"
نور مخدر
نور مخدر
في ساحات الثورة خيمٌ مطلبية وأسواق بديلة... لكلّ "بَسْطة" زبائنها والرزق على الله
في ساحات الثورة خيمٌ مطلبية وأسواق بديلة... لكلّ "بَسْطة" زبائنها والرزق على الله
A+ A-

لم تستطع التظاهرات السابقة جمع اللبنانيين تحت مظلة العلم اللبناني بعيداً من الخطاب الطائفي. فبعدما كانت الساحات تتزيّن بأعلام الأحزاب في أي تحرك، كسر اللبنانيون هذا الحاجز وبات العلم اللبناني عابراً لتلك الطوائف. "كلنا للوطن" صوت واحد يعلو الساحات بفرح وإصرار على الاستمرار، سرعان ما تحول النشيد الوطني إلى نشيد الثورة الذي يمنع من إنجراف الحراك إلى مسار آخر. امتلأت الساحات حتى أصبحت ساحتا رياض الصلح والشهداء ساحة واحدة موحدة. ازداد عدد الخيم المنصوبة، انتشرت عربات الطعام، وباتت المطالب واضحة، إذ رفعت على خيم المعتصمين، ومن أبرزها: إسقاط الحكومة، واستقلالية القضاء، واستعادة الأموال المنهوبة، وبطاقة صحية وضمان الشيخوخة. 

مصيبة قوم عند قوم فوائد

خلال تسعة أيام، لم تكل أو تمل الساحة من استقبال المتظاهرين الوافدين إليها بل باتت تسهر معهم على حكاياتهم وخير حافظ لمطالبهم الشعبية. يجول المتظاهرون بين الساحتين حيث باتت الأسواق البديلة الشعبية أقوى من المحال التجارية، فعلى طرفي الشارع الداخلي، تفتح "البسطات" وتقفل معاً في توقيت واحد، حيث أصبح لها نظامها الداخلي. بدءاً من بائعي العرانيس والسندويشات الجاهزة وصولاً إلى النراجيل والكعك والمشروبات الساخنة حتى الحلويات، مشاهد لم يعتد اللبناني من قبل رؤيتها في وسط بيروت، فلكل "بسطة" زبائنها والرزق على الله. كذلك، ينطبق على الانتفاضة الشعبية مثال "مصيبة قوم عند قوم فوائد" لأنّ "البسطات" لبيع الثياب الوطنية والأعلام اللبنانية والحلاقة أخذت أيضاً مكاناً خاصاً لها للاستفادة من الحراك في الحصول على مبالغ مالية.

ونجحت الثورة في جمع مضادات المناطق، حيث يبيع حسن ابن حي السلم القهوة والشاي في عربة أحضر فيها معدات العيش من أكواب الكرتون وعلب الشاي والقهوة وأحضر الماء الساخن في الزجاجات المخصصة، ويقف إلى جانبه محمد ابن طريق الجديدة الذي أحضر القليل من الحلويات المغلفة بأنواع كثيرة من محله ليسترزق منها القليل من المال لعله يعوض خسارة الشهر الفائت، وبقربهما وضع أرام ابن برج حمود عربته المليئة بالكعك وأنواع مختلفة من الجبنة والنوتيلا وزبدة الفستق، بانتظار إشعال الفرن بالقليل من الجمر لكي تذوب الجبنة داخل الكعكة. لا يقتصر مشهد البيع فقط على الرجال، فللنساء حصتهن أيضاً، تروي مروى من سكان الأشرفية أنّها أحضرت ابنتها التي تبلغ من العمر ست سنوات منذ الصباح الباكر معها لكي تبيع السندويشات التي أمضت الليل بتحضيره وتغليفه في حين أحضرت ريم من سكان الضاحية الجنوبية افترشت الأرض ببعض العلب المليئة بالعصائر والبسكويت.

وفي الوقت الذي يوزع الكثير من الموجودين الماء بشكل مجاني، يقدم آخرون أغطية بلاستيكية دون مقابل للمتظاهرين في حين تباع المظلات بأسعار مخفضة، وبين هذا وذلك، يستغل بعض الباعة الظرف للاستفادة أكثر وكسب المزيد من النقود. 

لكل ساحة ميزتها 

وعلى مقربة من تمثال الشهداء، خصصت خيم للنقاش في القضايا المطروحة وأخرى تروي القصص أو تقوم بالنشاطات الترفيهية للصغار المشاركين في هذه الانتفاضة. أما الشارع الداخلي باتجاه السرايا الحكومية، فتقع خيمة المحامين التي تقدم استشارة قانونية مجانية للمتظاهرين من أجل معرفة حقوقهم وكيفية التصرف  في حال تعرضوا لأي انتهاك، أو في حال إرغام الموظفين على الذهاب إلى العمل، في وقت أعلنت الانتفاضة الإضراب.

وفي الطريق إلى ساحة رياض الصلح، أقفلت القوى الأمنية "مسرح بيروت الكبير"، بعدما "اكتشفه" المتظاهرون زاويةً تلو الأخرى وأصبحت شرفاته استراحة متظاهر، علقوا عليها قبل مغادرتهم لافتةً: "استعادة الأملاك العامّة"، أما حال سينما "الكابيتول"، فبقيت حرةً منهم من يجول داخلها ليتعرف إلى معالم الشكل اليبضوي الغريب، ومنهم من يتسلقها لرفع العلم اللبناني. وثّق المتظاهرون هذه الأحداث بصور هواتفهم خوفاً من إقفالها مجدداً بوجههم من قبل السلطة، لأن الصور الملتقطة دليل قاطع لإخبار الجيل الجديد عن انتفاضتهم الشعبية. 

"من الجامعة اللبنانية إلى الوطن"

ولم تخلُ الحركة المطلبية من "خربشات ثورية"، لأن جدران المباني في الساحات شاركت بطريقة أو بأخرى في هذه الانتفاضة، حتى تمثال رئيس الحكومة الأول بعد نيل الاستقلال رياض الصلح، أصبح نقطة تجمع مركزية من المتظاهرين، إذ يقع خلفه رجل خمسيني يجلس على الأرض ويكتب بالأحمر والأخضر شعارات الحراك، هو خطاط هذه الثورة المطلبية الذي سخّر نفسه لخدمة الشعب، فهذه المهنة القديمة أعادت الثورة إحياءها من جديد. وقرب هذا التمثال، نصبت خيمة طلاب الجامعة اللبنانية، وهي واحدة من مجموعة خيم جامعية أخرى، علّق الطلاب على أعمدة خيمهم "من الجامعة اللبنانية إلى الوطن"، حيث تدور فيها حلقات نقاشية عن مطالب جامعة الوطن ويحاول الدكاترة المشاركون توجيه طلابهم لنيل حقوقهم في جامعة لا ينقصها إلا إلغاء الطائفية منها. 

لكل خيمة مطالبها، ولكل متظاهر مطلبه، لكنّ لهم جميعاً مطلباً واحداً: إسقاط الحكومة واستعادة الأموال المنهوبة من أجل بناء وطن كفيّ. ولم تنسَ ذاكرة اللبنانيين خطاب وزير البيئة المجحف بحقهم، فردوا عليه رداً نظيفاً قاسياً من خلال عملية فرزهم للنفايات وتنظيف الساحات قبل البدء بنهار حراكي جديد. 

مشهد الساحات هذا ليس في دولة أجنبية أو مسلسل تلفزيوني بل في لبنان، نعم، هذا البلد الذي لطالما حلم اللبنانيون أنّ يعيشوا هذه اللحظات الاستثنائية خارج حدود وطنهم، فلبوا نداء "لقمة العيش" وجعلوها "انتفاضة 17 تشرين الأول". 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم