الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ساحة النور: "عاميّة" ١٧ تشرين... لمزيد من التبلور

المصدر: "النهار"
طرابلس- رولا حميد
ساحة النور: "عاميّة" ١٧ تشرين... لمزيد من التبلور
ساحة النور: "عاميّة" ١٧ تشرين... لمزيد من التبلور
A+ A-

تتأسس "ساحة النور" في طرابلس كأنها جمهورية، وحالة دائمة، مستمرة، منتظمة، هادئة على صخب، تتوزع تجمعات، وخيماً بوظائف متخصصة، ومصنفة، تتكوّن فيها سوق تجارية، وخيم بمثابة بيوت للمقيمين دون تراجع، مصرّين على تحقيق حلمهم بدولة عصرية خالية من الفساد، تؤمّن لأبنائها المستقبل الأفضل الذي حرموا منه في مختلف مراحل حياتهم.

الساحة خليّة نحل، جزء منها للمحتجين، رافعي الرايات، والهتافات المناهضة لسلطة تراكمت فيها وعلى أيديها أبشع أنواع الفساد، والجشع على حساب المصلحة العامة؛ وجزء ينتظم، ويرتب بيته، ويرفع حوله الشعارات المعبّرة عن موقفه، وأطفال جاؤوا دون دراية، يراقبون كيف ستبني لهم السنوات المقبلة بما يفرح، فحملوا الرايات اللبنانية، وطلُوا وجوههم بمثيلها، وعزفوا، وغنوا، ومنهم من جاء على حضن أمه يرشف حليب مستقبله في الساحة التي يراد لها أن تصنع مستقبله وأيامه المشرقة.


تحت إحدى المظلات، احتشد جمع من الناشطين، يستمعون إلى توجيه من أحدٍ منهم حول سبل التحرك، وأساليب العمل، رافعين شعار "مدرسة المشاغبين"، معنى آخر لرفض قيم النظام السياسي السائد، وعلّقوا على زاوية الخيمة برنامج مدرستهم اليومي: "الحصة الأولى كيف نحمي الانتفاضة؟ الثانية: الورقة الإصلاحية خارج المنهج. الثالثة: ملف الجامعة اللبنانية- مادة نقاش إجبارية. الرابعة: الملف الصحي في طرابلس.


برنامج لكوادر ناشطين تشي بوعد محقق مستقبلاً، في روحيتهم بذور الثورة والإصلاح، ويرجح أن يكون، جلّهم، جامعيين، حيث خصصت خيمة قربهم لـ"الجامعة اللبنانية" وعليها لافتة عريضة تحمل عبارة: "الجامعة اللبنانية في طليعة الثورة: ممنوع الانتقاص من حقوقنا بعد اليوم"، رفعها الأساتذة المتعاقدون وتركوها برعاية "مدرسة المشاغبين".

روحية تحمل هموم الوطن، وتغيب عن ثقافة وعقل وهموم وتفكير مسؤوليه الذين لم يدرجوا أياً من هذه التوجهات في جدول اهتماماتهم. هموم الوطن بين أيدي شبابه. لا بد أنها في أمان ما لم يطرأ ما هو غير منتظر.

خيم أخرى رفعت شعارات مثل: لا ثقة بالسلطة! لا تفاوض! والتوقيع "مستمرون ـ طرابلس". و"كلن يعني كلن- والمنتج واحد منن"، وعبارة أخرى تبحث في استمرار الثورة: "مع تنضيج الفورة إلى ثورة". جدل على مستويات مختلفة بدأ يتخمر داخل "ساحة النور"، لعل يبزغ منها النور.


ونبذاً لنزعة الصفقات والسمسرات في مرافق السلطة، أعلنت لافتة أن "في مصر تدفع الدولة ٢٥٢ دولاراً ثمن طن القمح، في لبنان تدفع الدولة ٤٠٠ دولار، كفى سمسرات وصفقات".

ساحة النور ثورة في طرابلس لكنها ثورة لكل لبنان على ما أظهرته لافتة حديثة علقت أسفل منصة التجمع: "من أهل طرابلس، ثورتنا لكل لبنان".

وفوق التجمع، عيون تراقب وتحمي بقسم: "نقسم بالله العظيم... أن نبقى موحدين"، والتوقيع "ثورة"- "لبنان ينتفض".

على حافة وسطية الساحة، متقدمان في العمر اختارا عبارة الالتزام بالثورة، وجلسا قربها، مشددين على أن حركتهم هي "ثورة ١٧ تشرين"، وكم من ثورة شهدها هذا الشهر، وحملت اسمه، وغيّرت وجه التاريخ.



الموسيقى تعزف، والأناشيد ترتفع بلا هوادة، والساحة تغلي بروية، وانتظام، والكل يمارس حركته وحريته كيفما شاء، فلم يعد لديه ما يخسره، فألقى عن كاهله هموم يومه، ومستقبله، وعقد العزم على المجابهة، غير آبه بما يمكن أن يحمله المجهول. شدّ خطواته ومشى، متخذاً من الساحة عاميّته، ملقياً همومه خلف ظهره، ويمضي على هواه. بائع الكعك حول شعار الثورات الرائج إلى عربته، وراح ينادي والضحكة على محياه: "الشعب.. يريد.. أن يأكل.. الكعك"، فيصفق له جيرانه والمقيمون في الساحة حوله. البائع اسمه عادل القاسمي، يقتصر في كلامه على الدعاء للمسؤولين بأن "الله يصلحهم... ولا أقول إلا الله يصلحهم".


شباب يتجولون، ورجل متوسط العمر يتخذ من إحدى الخيم مجلساً مع رفاقه من شباب وصبايا، لا تظهر لهم هوية سياسية محددة. إنه غورنغ الحموي، من "لجنة المتابعة للمستأجرين" يقول: "إنها انتفاضة الشعب من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، والشعب قال كلمته عن الطبقة السياسية بكل مكوناتها، واللافت أن رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، لم يأتيا على ذكر كلمة صغيرة عن موضوع المستأجرين الذين يبلغون مليون إنسان، وجميعهم من كبار السن، وهذا معيب لأن القانون يوصل إلى تشريد الناس من بيوتهم، وهو أمر مرفوض نهائيا".

وأعرب حموي عن عدم رضاه عن كلمة رئيس الجمهورية لجهة وضع قانون من أجل الفساد، فبرأيه "القانون لا يوضع للحرامية، بل الحرامي يحال إلى النيابة العامة ليزج في السجن".

الشاب عبد المجيد طالب، يرى ثورة حقيقية في الشارع، ويقول: "نحن نريد دولة مدنية، ويفترض وضع خطط مدروسة، وأن تستلم البلد مجموعة من القضاة النزيهين بالتعاون مع الجيش، لرسم صيغة جديدة للبلد، وانتخاب برلمان جديد، رغم الصعوبات".

وأثنى روبير عبد الله على "الانتفاضة التي تعبّر عن الوجع، والأمل أن تستثمر الحركة لكي يبنى عليها للمستقبل".

ذو الفقار رضوان قال: "نأمل أن نحافظ على سلمية الحركة، ووجهها المطلبي المحق، ولا نريد أي مشاكل فيها، والمطالبة يجب أن تطال أموراً حساسة، وكلمة الرئيس لا تقدم ولا تؤخر، وفيها وعود لا تنطلي على الشعب اللبناني. كان بإمكانه تنظيف صفوفه بإقالة بعض الوزراء كجبران باسيل، ووزراء مفسدين آخرين، فيعطي أملاً للبنانيين بأن هناك فعلا عملية إصلاح".

أضاف: "المؤسف أنه رغم كل ما جرى، فالمسرحية هي ذاتها، فإذا أردت ملاحقة الفاسدين، فهل تبدأ بنجيب ميقاتي؟ ولماذا لم يتم اختيار قاضٍ من غير آل عون مثلا؟ ولماذا لا يخرجون من طائفيتهم؟ 

فيصل درنيقة من اتحاد اللجان والروابط الشعبية في الشمال، قال إن ما يقوم به الشعب، هو مشروع نظراً لما عاناه الناس من أداء سياسي سيّئ على فترة زمنية ناهزت الثلاثين عاماً. ومع كل الأسف، كان على السلطة أن تتدارك هذا الوضع، والثورة الجماهيرية في الشارع هي نتيجة حتمية لما وصلت إليه الأمور، وأعتقد أن على السلطة اتخاذ إجراءات عملية ترضي إلى حد ما الطموح، وتزيل مخاوف ومعاناة الشعب بشكل عام".

عن الورقة الإصلاحية رأى درنيقة أنها "تحتاج لخطوات أكثر عملانية، والأوراق عادة فيها الكثير من الكلام الجميل، لكنه تعبير عن تراجع مقنن بكل أسف، والمطلوب أن يكون هناك سلة كاملة من الحلول، وإعطاء الناس ما يقنع، وإلا سيستمر الناس في الغليان، وللاسف لا يزال هناك فلتان في الساحة اللبنانية، ويجب أن تقوم السلطة بخطوات فورية تلبية لبعض الحاجات الأساسية، ويشعر المواطن أن هناك تنفيذاً لبعض بنود الورقة الإصلاحية التي قدمها رئيس الحكومة، وبعض ما ورد في خطاب فخامة الرئيس. المطلوب، المبادرة لخطوات عملية وسريعة تطمئن الناس".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم