الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الاعتدال في مواجهة التطرف: من سينتصر؟

المصدر: النهار
محمد نمر
A+ A-

من دون اذن! دخل لبنان القرن الحادي والعشرين عصر التطرف والارهاب. التفجيرات تتنقل بين منطقة وأخرى بدلاً من السياح. هنا تُفخخ سيارة وهناك يصنع حزام ناسف، أما الانتحاري فيرتدي عباءة الاسلام والسنة مشعلاً فتنة تمنعها عمليات ضبط النفس، لكن من قال أن انتحاريي لبنان مسلمون؟


التفجيرات والعمليات الانتحارية بدأت تتصاعد وتيرتها، ولا يتوقع أحد توقفها، خصوصاً أن مطالب الفاعلين واضحة: أولاً الافراج عن الاسلاميين في سجن رومية، وثانياً: خروج "حزب الله" من سوريا. ومع تفجير الشويفات اخذنا نلمس اسلوباً ارهابياً جديداً، إذا دخلنا مرحلة الرجل المفخخ القادر على اختراق الامكنة والجموع بسهولة بعد مرحلة السيارة المفخخة. ويسأل الجميع: ماذا في عقل الانتحاري حتى يقدم على هذا الفعل؟
لا أحد يعلم، لكن المعروف أن هناك مجموعات تدّعي الاسلام تزرع افكاراً خاطئة في عقول الضعفاء وتغريهم بالمال وتحقيق الأمنيات وتصنع منهم انتحاريين، إذا كيف نواجه؟. الاعتدال هو السلاح الوحيد الصالح لضرب التطرف وطرده من المجتمع اللبناني.


ارفعوا الصوت


مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار يحمل هذا السلاح ويواجه به التطرف عبر نشر افكار الاسلام الصحيحة، ويأسف للانعكاس السلبي على لبنان لما يحدث في الدول العربية، خصوصاً المجاورة، فهو يرى أن هناك ارادة لدى البعض لتصدير واستيراد المشكلة من سوريا إلى لبنان. ويقول: "يكفي اللبنانيين ما حلّ بهم ولا يحق لمطلق أي لبناني أن يتدخل في أي شأن خارجي أكان في بلد عربي او غربي"، ويعتبر أن "قرار الحكومة الشهير بـ"النأي بالنفس" ربما يكون أحكم القرارات وأهمها في هذه القضية".
الأكيد بالنسبة إلى الشعار، أن "جميع العمليات الانتحارية لا علاقة لها بالاسلام لا من قريب ولا من بعيد، ونسبتها إلى الاسلام ليست سوى عملية تشويه، خصوصاً أن الكل يدرك أن أعظم ميزات الاسلام هي الرحمة والسماحة والعفو عند المقدرة".
ويتسلح أيضا الشعار بسيرة حياة النبي محمد وتعامله مع الأعداء أو الحاقدين، ويقول إن حياة النبي "كانت مليئة وغنية وزاخرة بالمواقف التي كان يعلنها، عندما يقول لمن أراد قتله: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقال أيضاً: الله اغفر لقومي فانهم لا يعلمون"، لذلك لا يرى الشعار علاقة للاسلام لا من قريب ولا من بعيد بأي عملية انتحارية تحدث في لبنان أو خارجه. ولا يخفي أن هناك فريقاً من المغرضين يشوش على بعض الناشئة أو الموتورين وربما يغريهم بالمال والأمنيات من أجل تجنيده لذلك، ولم يرد هذا الأمر في الاسلام ولا التدين، وفق الشعار.


الاشتياق للاعتدال


الارهاب طال لبنان مع ارتفاع حدة الصراع في سوريا، ورغم الكلام عن طول أمد الأزمة إلا أن الشعار لا يراها طويلة الأمد بل يأمل ان تنتهي قريبا وأن "يدرك المغرضون أن طريقهم قصير والغلبة لن تكون إلا للحكمة والعقلاء والاعتدال والقيم التي تقدم للناس الحرية والمساواة والعدل التي ينبغي أن تسود المجتمع الذي نعيش فيه".
وأطلق صرخة لتصحيح المسار، إذ دعا "العلماء والحكماء إلى رفع الصوت وتوعية الناس واعادتهم إلى رشدهم أمام هذه العمليات الانتحارية البعيدة كل البعد عن الاسلام، ولا بد من توعية الناس بالقيم والمبادىء الدينية وخطورة العمليات الانتحارية كي يعلموا أنها وباء ومرض بدأ يتسرب إلى مجتمعاتنا الاسلامية والعربية والاسلامية، وعلى العلماء أن يرفعوا الصوت ثانياً وثالثاً ورابعاً لبيان المخاطر التي تترتب سلبا جراء وجود هذه الظواهر".
وفي نهاية المطاف بالنسبة إلى الشعار، يكون الاعتدال "سيد الموقف وسيشتاق الناس إليه وينظرون إليه على أنه طريق الخلاص".


نهج العنف


للباحث الاسلامي والكاتب رضوان السيد قراءته الواسعة في هذا المجال، فهو يرى أن الوضع شديد الصعوبة وأن اللبنانيين أحوج ما يكون إلى الاعتدال المتمثل بعدم اختيار الحل العنيف للمشكلات، ويبدو واضحاً بالنسبة له أن "هناك نهجاً عنيفاً اتبعه حزب الله منذ سنوات والآن بدأ يظهر في أوساط السنة"، هذا النهج يطلق عليه السنة منذ زمن "النهج الانتحاري" الذي ليس ضد الأوطان ولا الانسان فحسب بل ضد الدين، ويثبت السيد كلامه بآيات قرآنية، فالله يقول "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً"، كما يقول أيضاً: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميع".
ها هو حال الانتحاريين، انهم برأي السيد يزعمون أنهم يكافحون ضد "حزب الله"، يخرجون إلى الشارع ويقتلون الابرياء والمدنيين، ويضيف: "انهم لا يمنعون حزب الله من التدخل بسوريا بهذه الطريقة".
أما عن سلاح الاعتدال، فيقول: "لا بد أولاً عدم الاكتفاء بالنصيحة وضبط النفس والالتزام بنهج السلم والاعتدال، ثانياً وكي يكون هذا الاعتدال ممكنا لا بد من أن نشعر الخائفين والذي يلجأون إلى العنف من جماعتنا أن هناك دولة وسلطة تمنع الضغوط عليهم وفي حال ارتكبوا شيئا فانهم سيخضعون إلى سلطة عادلة وقضاء نزيه ومؤسسات تحرص عليهم وعلى ارثهم، ثالثاً، لا بد من تغيير نهج خصومنا السياسيين كـ"حزب الله" مثلاً أكان لجهة تصرفاته في الداخل تجاه مؤسسات الدولة والناس ولجهة اختياره القتال في سوريا ضد الشعب السوري مع بشار الأسد". ويستطرد السيد قائلا: "لكن ذلك لا يمنع التعاون مع الحزب، كما يحاول الرئيس سعد الحريري من خلال مبادرته الاخيرة المشاركة بحكومة مع الحزب والاطراف السياسية الاخرى لتخفيف التوتر بين السنة والشيعة من جهة وكي تستعيد الدولة سلطاتها من جهة ثانية، بحيث يطمئن لها الناس لأن الانتحاريين لا يشكون من حزب الله فحسب بل من الاجهزة الامنية".


السُنة والظاهرة الجديدة



السيد يعتبر أن ظاهرة الانتحاريين "ظاهرة جديدة عند السنة في لبنان، فكل العنف الذي كان يمارس باسم الدين كان يورده إلينا النظام السوري أو يأتينا من المخيمات الفلسطينية أو السوريين ومخابراتهم عندما كانوا في لبنان، وهي المرة الأولى التي يخرج فيها انتحاريون صغار من صفوفنا وهذه ظاهرة خطيرة بسبب التحديات والضغوط الشديدة التي يتعرضون لها في مجتمعنا ولم نستطع في السنوات الماضية رغم كل شيء ان نمنع تطور هذه الظاهرة". ويضيف: "لقد أنذرنا حزب الله كثيرا والشيخ صبحي الطفيلي نبههم أكثر من عشرين مرة وقال لهم: ماذا تفعلون بالشيعة وإلى أين تأخذونهم ورغم ذلك لم يرتدعوا".
ويعتبر أن بعض الانتحاريين ينتمون إلى أسر وجهات شديدة التذمر، متسائلاً: "ماذا فعلنا لعكار التي تتعرض للقصف السوري منذ سنتين؟ وما هي الضمانات القانونية التي حصلت عليها صيدا واهلها بعد حادث الشيخ الأسير الذي ازاله الجيش (والحمد الله)، ماذا حدث للذين لا يزالون في السجون؟ لماذا لم يعرضوا على المحاكمة". وفق السيد، "لا نستطيع ضبط كل شيء في الدولة والسلطات ولكن لا بد من ان نثبت أن السلطات ليست ضد المواطن وهذا ما يشجع العائلات على ضبط أولادها".
ويضيف: "لا نزعم ان هذه الظاهرة تواجدت فقط بسبب تصرف "حزب الله"، متسائلاً: "من صنع اسامة بن لادن؟ انها ظاهرة موجودة في الاسلام السني، لكن لماذا لم تكن حاضرة قبل ذلك؟ ولم تظهر إلا بعد احداث العراق وسوريا ولبنان"، مشيراً إلى "ثوران داخل الاسلام السني الى جانب مستثيرات للتطرف في ساحات معينة كظروف التأزم في سوريا والعراق ولبنان ما أدى إلى تكاثر هذه الجماعات".
وخلاصة الحل بالنسبة إلى السيد تقوم على عملتين الأولى قصيرة المدى "نحاول فيها تقوية الدولة وسلطتها ونستعيد ثقة الناس بها وبأجهزتها الأمنية والعسكرية وان نتحدث إلى شركائنا من خلال الحكومة مثلاً، بان ما يفعلونه لا يفيد لبنان ولا سوريا ولا يجعل لنا ولكم مستقبلا محترما"، والعملية الثانية على المدى الطويل بدأنا بها وتتعلق بـ"المساعي من جانبنا للضبط الديني والضبط الاخلاقي والسياسي، خصوصاً ان الظاهرة لا زالت محدودة، ولأن هذا الاعتدال لا بديل عنه وإلا تدمر الاوطان".



[email protected]
twitter: @mohamad_nimer

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم