السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ما نظرة جزء من المراقبين الغربيّين إلى الحكم التكنوقراطيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ما نظرة جزء من المراقبين الغربيّين إلى الحكم التكنوقراطيّ؟
ما نظرة جزء من المراقبين الغربيّين إلى الحكم التكنوقراطيّ؟
A+ A-

جذور

إذا كانت الديموقراطيّة مزجاً للكلمتين اليونانيّتين "ديموس" (شعب) و "كراتوس" (حكم) أي حكم الشعب، فالتكنوقراطيّة مزيج من كلمتي "تكني" (فنّ) و "كراتوس" (حكم) بما يعني أيضاً حكم الفنّيّين أو التقنيّين. يذكر موقع موسوعة "بريتانيكا" أنّ هذا المفهوم تمّ تطويره في الولايات المتّحدة أوائل القرن العشرين كتعبير عن التيّار التقدّميّ وقد أصبح موضوع اهتمام عام بشكل ملحوظ في ثلاثينات القرن الماضي خلال أزمة الكساد.

ويضيف أنّ جذور التيّار التكنوقراطيّ يمكن إعادته إلى مقدّمة المخترع والمهندس الميكانيكيّ الأميركيّ فريديريك تايلور (1856-1915) لمفهوم علم الإدارة العلميّة. واقترح مهندسون ميكانيكيّون أميركيّون مثل هنري غانت وثورستيان فبلن وهاورد سكوت (أواسط القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين تقريباً) أنّ رجال الأعمال كانوا عاجزين عن إصلاح صناعاتهم بما يحقّق المصلحة العامّة وأنّه يجب إعطاء السيطرة على الصناعة للمهندسين.


عراقيل

فرض الكساد العالميّ (1929)، كما أزمات لاحقة من بينها أزمة 2008، نقاشاً أكبر حول قدرة "التكنوقراطيّة" في انتشال الدول من عثراتها الماليّة. كذلك، طُرحت علامات الاستفهام حتى قبل بدء تصاعد "الشعبويّة" والتشكيك ب "النخب". في البداية، يطرح مفهوم التكنوقراطيّة إشكاليّة لجهة الإطار الذي يبقى غير محدّد بشكل واضح.

تساءلت مجلّة "ذي ايكونوميست" البريطانيّة سنة 2011 عمّا إذا كانت هذه العبارة تعني فقط خبيراً في الحكم أو شخصاً من خارج العالم السياسيّ. وكتبت أنّ التكنوقراطيّة كانت شيوعيّة بالأساس قبل أن تروق فكرة تطبيق العلوم على السياسة لدى الرأسماليّين أيضاً. ورأت أنّ التكنوقراطيّة والأوتوقراطيّة تتلازمان طبيعيّاً: حيث يغيب تحدّي السلطة السياسيّة بإمكان الخبرة أن تعطي الطموحين أفضليّة كما حصل في الصين حين كان 90% من أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسيّ مهندسين مع بداية العقد الحالي، بينما حصّلت قلّة من جيل ماو تسي تونغ تعليماً عالياً. ووفقاً للمجلّة، حتى العسكريّون يستخدمون التكنوقراط لتبرير انقلابهم وتأكيد الابتعاد عن اللوبيّات مضيفة أنّ حكومة تكنوقراطيّة بالكامل لا تستطيع تفادي السياسة تماماً.

بالفعل، يبدو أنّ الفصل بين التكنوقراطيّة وسائر أشكال الحكومات صعب. ليس من إطار واضح يحدّد إيجابيّات التكنوقراطيّة في ظلّ ارتباطها عادة بالسياسيّين التقليديّين ولو بشكل غير مباشر. وحتى بوجود تكنوقراطيّين منفصلين عن أيّ مصلحة شخصيّة أو ضغط سياسيّ، يبقى عليهم التعامل مع برلمانات مسيّسة وما تفرزه من انقسامات حزبيّة تغرق التكنوقراطيّين في دهاليزها.

تجارب متفاوتة

إزاء قلق ظهر في الأشهر الأخيرة من توجّه أوروبا نحو الركود الاقتصاديّ، عبّر البعض عن ميلهم للاستعانة بالتكنوقراط من أجل تفادي هذه النتيجة. رفض النائب السابق الأوّل لوزير الاقتصاد الأوكراني ساشا بوروفيك هذا الأمر في مقاله ضمن الصحيفة الأسبوعيّة "أوروبا الجديدة" البلجيكيّة.

سرد بوروفيك ما جرى معه حين تخلّى عن القطاع الخاص كمحامٍ دوليّ وانضمّ إلى الحكومة الأوكرانيّة إلى جانب تقنيّين آخرين سنة 2015 وكانت التوقّعات المتفائلة بنجاحها كثيرة، غير أنّها خابت. رأى بوروفيك أنّ السياسيّين في غالب الأحيان يعيّنون خبراء ضعفاء في الواجهة كي يُخفوا غياب كفاءتهم وشجاعتهم، ومع ذلك، يستمرّون بالتحكّم في القرارات. بالتالي، هم لا يسمحون للخبراء بالحكم ويحمّلونهم مسؤوليّة إخفاقاتهم.

قد يخدم الخبراء السياسيّين عندما يحتاج هؤلاء إلى من "ينظّفون الفوضى" التي خلّفوها وراءهم. لكن في مقابل التجربة الأوكرانيّة، ثمّة تجربة آسيويّة يُحتمل أن تنتج حلّاً جديداً لمشكلة الديموقراطيّة التي لا تنتج دائماً سلطة كفوءة ولمشكلة التكنوقراطيّة التي قد تشكّل غطاء للسلطة السياسيّة. في آذار الماضي، كتب المستشار الاقتصاديّ ورئيس لجنة العلاقات الدوليّة في مجلس اللوردات دايفد هاورد مقالاً في صحيفة "يابان تايمس" بأنّ فيتنام، وآسيا الحديثة عموماً، لديها مشاكلها الخاصّة. ومع ذلك، لديها الفرصة لتتخطّى التجربة السياسيّة الغربيّة وتفتح مساراً جديداً يمكن تسميته بال "تكنو-ديموقراطيّة". يبصر هذا المسار النور مع بروز عصر الاتصال والإنترنت والشفافية الناتجة عنه. ويعيد هذا العصر تحويل مصادر القوّة إلى مسافة وسطيّة بين الدولة والفرد فتدفع فيتنام إلى نوع جديد من الرأسماليّة ويمكن أن تفعل الشيء نفسه مع كوريا موحّدة. وذكر هاورد أنّ الحوكمة التكنوقراطيّة في الصين التي سمحت بتمزيق "العقائد القديمة" لحكم الحزب الواحد.


التكنوقراطيّة الصينيّة

قد لا يوافق كثر على طبيعة التكنوقراطيّة الحاكمة في الصين. تحت قيادة الحزب الشيوعيّ الصينيّ، تشدّد بيجينغ على أنّ المتخصّصين في الهندسة أو العلماء بشكل عام ينتجون أشخاصاً قادرين على التعامل بشكل أكثر مرونة مع المشاكل. لكنّ الكاتب السياسيّ في مجلّة "فورين بوليسي" جايمس بالمر يعترف بأنّ جيلاً من القادة المهندسين سيطر على الحزب الشيوعي لكنّ غالبيّتهم الآن "متقاعدة، ميتة، أو في السجن". كما أنّ معايير الهندسة في الصين كانت أقلّ من المعايير الدوليّة حتى 2010 والشهادات عادة لا تقترن بخبرة عمليّة. بالمقابل، استشهد بالمر بدراسة لعالمي الاجتماع دييغو غامبيتاوستيفن هيرتوج وجدت أنّ المهندسين العقائديّين كالشيوعيّين أو الإسلاميّين هم أكثر المفكّرين تصلّباً.


ماذا عن لبنان؟

قد لا يخبو الحديث عن إيجابيّات وسلبيّات الحكم التكنوقراطيّ قريباً، أكان في الغرب أم في لبنان. أساساً، لا اتّفاق بعد حول هويّة الاختصاصيّين الذين يمكن أن يكونوا جزءاً من التركيبة التكنوقراطيّة. ففي الصين، يعتبر التكنوقراطيّون من ذوي الشهادات في العلوم الطبيعيّة، ذات الأجوبة الحتميّة إجمالاً. في الغرب، ينضوي المحامون والاقتصاديّون والخبراء الماليّون تحت هذا التصنيف أيضاً. وعلى أيّ حال، في عالم سريع التحوّل كالعالم المعاصر، ينبغي على التكنوقراطيّين أيضاً أن يكونوا ملمّين بعدد من العلوم المتشابكة لأنّ عناصر المعرفة المعاصرة أفقيّة كما هي عموديّة.

في نهاية المطاف، إنّ الجواب على سؤال ما إذا كانت حكومة تكنوقراطيّة ستنقذ لبنان قد لا يكون كامناً في التجارب الأجنبيّة التي تختلف ميادينها عن الميدان اللبنانيّ، ديموغرافيّاً واجتماعيّاً وتاريخيّاً وثقافيّاً. يمكن ألّا يتوفّر الجواب إلّا بناء على تجربة لبنانيّة خاصّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم