الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

"طرابلس أميرة الثورة اللبنانية"... تواصُل الاحتجاج برقيّ وفرح (صور)

المصدر: "النهار"
طرابلس- رولا حميد
"طرابلس أميرة الثورة اللبنانية"... تواصُل الاحتجاج برقيّ وفرح (صور)
"طرابلس أميرة الثورة اللبنانية"... تواصُل الاحتجاج برقيّ وفرح (صور)
A+ A-

تتواصل التحركات الطرابلسية بأسلوب منتظم ومدهش لليوم السابع على التوالي، بطريقة لافتة على أكثر من صعيد، إن بحجم المشاركة، أو باستمراريتها، أو بنظاميتها، حيث لم يقع أي إخلال بأصول التحركات، ما أدهش العالم بعد أن كانت طرابلس المدينة الوحيدة التي تعيش حالة الفوضى التي جرت أبان اندلاع الأحداث العربية، خصوصاً السورية.

عصر اليوم، حيث يفترض البدء بالاحتشاد، ورغم بدء رذاذات المطر، فقد توافد المواطنون بالصورة التي اعتادوا عليها في الأيام السابقة، وبدأت ساحة النور تغصّ بهم، بانتظار أن تفيض ليلاً على ما ساد بالأمس، حيث انضمت حشود من عكار والضنية إلى التحرك الطرابلسي، انشداداً بفعالياتها، وجماليتها، ورقي أدائها، والأجواء الاحتفالية التي ترافقت مع رفع مطالبها المزمنة والمحقة.

منظمو الساحة نصبوا الخيم في نقاط متعددة تحمي المواطنين من المطر ومن حرّ الشمس في آن تعزيزاً لصمودهم، والبقاء على زخم التحركات ووتيرتها المتصاعدة والراقية.

لم يظهر جديد مختلف في الأداء عن الأيام السابقة، لكن بدأت تطرح نقاشات وتساؤلات ترافقت مع التحرك، تناولت أسباب زخمها، وانقلاب صورة المدينة السابقة كمدينة للتطرف والعنف إلى مدينة تنزع نحو الجمال والفرح.

عن زخم التحركات، وأسبابها، تحدث عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش قال: أجمعت كل الآراء أن تحرك طرابلس كان الأزخم والأكثر فعالية، وأكثر جمالية بين مختلف الساحات. والخطابات التي جرت، ونوع المطالب، كانت مبنية على منطق حضاري أكثر بكثير مما كان يجري خارج المدينة. والزخم طبيعي، فطرابلس يفترض أن تكون الأكثر تحشيداً لأن المعاناة هي الأعلى بطرابلس. فمنذ سنوات ونحن نرفع الصوت أن طرابلس هي الأكثر معاناة من بقية المدن، حتى من الريف الذي كان يعاني أكثر. فبطبيعة الحال الناس نزلوا يعبّرون عما في أنفسهم، وقد أظهرت طرابلس وجهها الحضاري بما قد لا يكون موجوداً في أمكنة أخرى.

ويعتقد عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور كميل حبيب الذي عايش المدينة، وتطوراتها، أن طرابلس لفتت الأنظار حيال تحركها المطلبي، وتضامنها مع الانتفاضة الشعبية العارمة التي هزت حتى اللحظة مفاصل النظام الطائفي، وسبب هذا الزخم فيعود للأسباب التالية:

أ - طرابلس هي أفقر مدينة على البحر المتوسط، أهملتها الحكومات المتعاقبة، حتى وصل الأمر لاعتبار أن الفقر في طرابلس معيب.

ب - طرابلس تمتلك كل مقومات الإنماء: الآثار، المعرض، المرفأ، الخ.. لكن السياسة المتبعة من قبل زعماء المدينة، وهم الأكثر ثراء، تمعن بتنكيل أهلها ليسهل سوقهم كقطعان، إما إلى الذبح، وإما إلى صناديق الاقتراع.

ج - طرابلس تعترض على كل مكونات النظام الطائفي الذي اهتم بالمركز (بيروت وجبل لبنان)، وأهمل الأطراف بكل مكوناته الاجتماعية.

د - افتقار طرابلس إلى طبقة من المسؤولين يحاكون هموم المدينة الاقتصادية والاجتماعية على أسس علمية حديثة، وهذا الزخم الاحتجاجي يعني أن الشعب هو القائد للخروج من أوضاع المدينة الحزينة.

وعن تغيُّر وجه طرابلس على ما راج في السنوات المنصرمة، اعتبر علوش أن "أهم ما يمكن أن نقوله عن تظاهرات طرابلس بأنها أعلنت اختطاف دولة المواطن من التطرف والوجه المعتم الذي صبغت به، وعلينا أن نعترف أن بعضه كان صحيحاً. ولكن جلّه كان اختلاقاً وصبغة غير حقيقية، ونحن نعيش بشكل يومي في هذه المدينة. ما يهمنا في هذه التظاهرة أنها أعادت الوجه المدني الوطني السلمي غير الطائفي، وغير المذهبي للمدينة، وأكدت على أن المواطنة الحقة موجودة عند الأكثرية الساحقة من الطرابلسيين كما في السابق".

أما عن غياب الطابع المتشدد للمدينة، فيرى حبيب أن "طرابلس مرت بحقبات سياسية متعددة، منذ عام ١٩٧٥، بداية الحرب العبثية، وحتى اليوم. اللافت أن "حركة التوحيد الإسلامي" التي بسطت سيطرتها العسكرية على المدينة في أواسط الثمانينيات من القرن المنصرم، طبعت المدينة بطابع إسلامي متشدد بدت نتائجه واضحة بهجرة العدد الكبير من أبنائها المسيحيين عنها، أما استمرار هذا الطابع الديني المتشدد، رغم زوال حركة التوحيد، فيعود إلى حالة البلاد العامة، وما أفرزه اتفاق الطائف من حالات مذهبية في كل المناطق اللبنانية. لكن يجب القول إن طرابلس كانت دائماً الحاضنة لكل المواقف الوطنية الصادقة، في سبيل استقلال لبنان، وعزته، وكرامة أبنائه.

وأردف حبيب عما نشهده اليوم في التحرك: "نرى طرابلس تتصالح مع نفسها وتفصح عن وجهها الحقيقي كمدينة وُجدت كمثال لوحدة الحياة بين اللبنانيين. أما ما حصل للمدينة أبان الحرب الأهلية، فكانت حالات وظروفاً غريبة عن تاريخ وواقع المدينة الحقيقي. وبالنسبة لأهلها اليوم المسألة ليست دينية، بل اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ووطنية.

وتناول حبيب ما يقال عن مظاهر الدبكة والفرح، ورأى أن "الدبكة، في أكثر الأحيان، ترقص من الألم، وما يجري في طرابلس اليوم هو تعبير حضاري، وسلمي ضد النظام الطائفي. التعبير بفرح عن المعاناة مرده إلى أن أبناء المدينة ينظرون بأمل لإنهاء أحزانهم، وفقرهم إلى غير رجعة”.

ولفت حبيب إلى أن "كبريات الصحف، ومحطات التلفزة العالمية، توقفت أمام مشهدية طرابلس التاريخية التي احتضنت كل الناس لتبدو ساحة عبد الحميد كرامي (النور) أشبه بحديقة متنوعة الألوان.

واستدرك عما يقال عن الحشمة والأخلاقيات: "أين الحشمة عند الذين سرقوا أموال الشعب؟ أين الأخلاق عند من أمعن في إفقار المدينة على مدى العهود؟ خالصاً إلى أن "طرابلس باختصار، هي اليوم أميرة الثورة اللبنانية".

أما علوش فتناول اعتكاف الناس عن القبول بما قدّمه الرئيس الحريري من إصلاحات، وقال: "لا شك أن الأمور تغيرت بعد ١٥ سنة من التبدلات والتحولات، ولم يعد ممكناً وضع الناس في قالب واحد، والقضية كانت سياسية ومواطنية بامتياز، في سنة ٢٠٠٥، وتحولت الآن إلى القضايا المطلبية التي تخرج عن الإطار السياسي".

ثم شرح ظروف الرئيس الحريري كـ"جزء من ائتلاف، وهو فيه أقلية، ومن يعتقد أن حكومات لبنان يقودها رئيس الحكومة، من دون العودة إلى التحالفات والائتلافات، فهو مخطئ، لكن المواطن ليس مضطراً لأن ينتقي، فعندما يقول "الحكومة"، يعني الحكومة، وعندما لا يقتنع، حتى لو كان مقتنعاً بسعد الحريري، فهو يرى أن الحكومة بأكملها، أو على الأقل بمعظمها، وبالأخص الوجوه النافرة التي تمكنت من استفزاز الناس على مدى سنوات، فهي أيضاً غير موضع ثقة".

لذلك، "طرابلس الآن هي مثل كل المناطق اللبنانية، تريد أن تتحقق مطالبها، وأيضاً هناك حاجة لكبش فداء بكل موضوعية، فالمواطنون الذين نزلوا إلى الساحات يريدون أن يروا بعض الرؤوس تطير من الحكومة، وبالأخص تلك الرؤوس الاستفزازية، أما الخيار الآخر فهو الذهاب إلى حكومة جديدة، يُتفق عليها مسبقاً من التقنيين، على أن يكون رئيسها بالتأكيد سياسياً وأعني الرئيس الحريري.

أما الخيار الآخر فهو أن تذهب الحكومة من دون أي بديل، وتكون تلك خطوة في المجهول، وهي ستؤدي إلى فوضى عارمة، وربما سفك دماء، بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي بشكل يمكن أن لا يتم تداركه".

ورفض قطع الطرق "المضرّ بمعظم المواطنين، مطالباً باستمرار الذهاب إلى الساحات، لكن قطع الطرق هو اعتداء على المواطنين، وعلى المتظاهرين بحد ذاتهم".

وإن كان ما تعرض له الرئيس ميقاتي، هو ما يطالب به من تطيير رؤوس، أكد علوش أنه "من الخطأ أن يبدأ بنقطة محددة. هناك آلية لمحاكمة الرؤساء يجب احترامها، والإشكال أن تنتقي أحد الرموز من طائفة معينة أو مذهب معين دون الذهاب إلى سلة متكاملة، فعملياً تصبح القضية إحدى وسائل قمع التظاهرات وإعادة تقسيم البلد على الأساس المذهبي".

وختم أنّ "كل وجوه الفساد يجب محاكمتها، ولكن يجب أن تتم بسلة متكاملة وبالطرق القانونية، المقبولة وليس بالطريقة الانتقائية التي تجري الآن".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم