دار الفتوى تأمل في بداية للإصلاح المنشود: نثمّن وقفة الشعب
أعلن مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، في بيان، أنّ "البلاد تمرّ بمنعطف خطير يقتضي استدراكه والتعاطي معه بكل جدية ومسؤولية وأمانة لأنه يمس نظام لبنان الاقتصادي والمالي ويهدد حياة المواطنين وعيشهم وكراماتهم، والذي لم يعد من المستطاع تجاهله أو السكوت عنه ويستوجب المسارعة في معالجته، فالناس عانت كثيرا وصبرت كثيرا على الفساد، هذا الفساد هو نتيجة تقاسم المصالح ومرافق الدولة من قبل الأحزاب الطائفية والمذهبية، كما صبرت على شظف العيش والظلم والقهر بما يفوق احتمالهم وقدراتهم مما أدى الى هذا الانفجار الشعبي الكبير على مساحة الوطن بكامله، وبما يرتب مسؤولية جماعية وطنية على كل أركان الدولة وعلى القيمين على الشأن العام لتدارك مخاطر هذا الانفجار، وهم مؤتمنون، الى تلبية حاجات الناس والتجاوب مع مطالبهم واستنفار كل مقدرات الدولة وإمكاناتها لمعالجة هذا الانفجار دون تلكؤ ولا تأخير.
وأضاف البيان: "تواكب دار الفتوى الانتفاضة الشعبية منذ انطلاقتها بكثير من الاهتمام والتفهم والتعاطف. وهي إذ تقدر عاليا السلوك الذي تميز بالانضباط الوطني في الشوارع والساحات العامة في بيروت وفي المدن اللبنانية العديدة الأخرى، تعرب عن تأييدها واحتضانها للمطالب الاجتماعية المحقة والشعارات الوطنية الوحدوية التي رفعها المواطنون في كل أنحاء لبنان، وتعتبر دار الفتوى الانتفاضة ظاهرة وطنية جمعت كل الساحات في ساحة واحدة هي ساحة الوطن. فالمتظاهرون تجاوزوا المربعات الطائفية والمذهبية واتحدوا جميعا في المربع الوطني الواحد".
وتابع: "انطلاقا من هذا الموقف تناشد دار الفتوى، المسؤولين على مختلف مواقعهم، النظر بإيجابية الى مطالب الشعب اللبناني الذي يئن متألما تحت أعباء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية، وما اسفر عن هذا التدهور من ارتفاع في مستوى البطالة وتراجع في المداخيل والخدمات الاجتماعية والصحية، مما أدى الى الانفجار، وقد سبق للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى ان رفع الصوت عاليا اكثر من مرة محذرا ومنبها من خطورة تداعيات عدم معالجة القضايا الحياتية والمعيشية التي تئن تحت ضغوطها القاسية العائلات اللبنانية في المناطق اللبنانية كافة، غير ان الخلافات والانقسامات داخل السلطة أجهضت مع الأسف الشديد كل محاولات المعالجة مما أدى الى استفحالها فكان الانفجار الشعبي الكبير الذي عبر عنه المواطنون عن حق. ومما زاد الأمر سوءا ترافق هذا التدهور الخطير مع تعطيل كل مشاريع الإصلاح والتطوير في البنية التحتية للاقتصاد اللبناني، كما ترافق مع ارتفاع فاحش في الهدر والفساد وسوء الأمانة وعدم المحاسبة".
وأشادت دار الفتوى بـ"الروح الوطنية الجامعة التي خيمت على التجمعات في المدن والقرى وفي الساحات المختلفة والتي أكدت مرة جديدة على متانة الوحدة الوطنية والعيش المشترك، خلافا لأصوات النشاز التي ارتفعت في أوقات سابقة مشوهة الواقع الوطني ومسيئة للارادة الوطنية".
وأعربت دار الفتوى، في ضوء هذه الوقائع، عن "املها في ان تكون المقررات الأخيرة لمجلس الوزراء بداية للاصلاح المنشود، وان تكون تعبيرا عن النية الصادقة بالالتزام بهذه الإصلاحات وتنفيذها بما يؤمن ثقة الشعب وإيجاد الآليات السليمة والصحيحة والموثوقة التي تتولى تنفيذ هذه المقررات، لان هناك انحسارا كبيرا بالثقة ما بين الناس والدولة من جهة وما بين الناس والمجتمع السياسي من جهة ثانية، والعمل الجاد على تفعيل دور المؤسسات الدستورية ووقف الهدر واستئصال الفساد من دون تحميل المواطنين أعباء ضريبية".
ولفت البيان إلى أنّه "على الدولة تفهم أسباب هذه الانتفاضة الشعبية والتعامل معها بمسؤولية عالية واحتضان مطالب الشعب، والاهتمام بمعاناته واحترام هذه الوقفة الشعبية التضامنية التاريخية والوطنية التي جمعت اللبنانيين ووحدت بينهم، وأكدت على حرصهم جميعا على الوحدة الوطنية وأعطت مثالا رائعا في التضامن الوطني بتخطيهم للانقسامات السياسية والمناطقية التي حاول البعض استغلالها لضرب هذه الانتفاضة الشعبية وإجهاضها وحرفها عن مسارها الوطني السليم".
واكّدت دار الفتوى أنّها "تثمن عاليا وقفة الشعب اللبناني وحسه الوطني الجامع وتحتضن مطالبه، وتناشد الدولة وجميع القوى الفاعلة بالتضامن مع هذه المطالب المحقة والسعي الى تحقيقها بأسرع وقت ممكن للخروج من هذه الأزمة الخطيرة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة لاستعادة ثقة الناس بدولتهم وبالمؤسسات الدستورية، فالأوضاع لا تحتمل المماطلة أو الالتفاف على هذه المطالب أو التهاون في معالجتها".
وأضاف البيان: "إذ تعرب دار الفتوى عن تقديرها لموقف الجيش اللبناني قيادة وضباطا وأفرادا في المحافظة على امن وسلامة المتظاهرين وفي الدفاع عن الممتلكات الخاصة والعامة، تجد في ذلك تأكيدا جديدا على وحدة الشعب والجيش في مواجهة التهديدات بروح وطنية جامعة".