الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

في الثورة... "عرس، رقص، وحسومات على النرجيلة"

المصدر: "النهار"
ريجينا الأحمدية
في الثورة... "عرس، رقص، وحسومات على النرجيلة"
في الثورة... "عرس، رقص، وحسومات على النرجيلة"
A+ A-

ابتدأت منذ ليل الخميس ثورة لبنان، وحشدت العالم في مختلف المناطق اللبنانية. رياض الصلح شهدت أعمال تخريب. لكن ما لبثت أن تحولت إلى منظر شعبي متكاتف وسلميّ. نكّست الأعلام الحزبية ورفع العلم اللبناني. تتالت الصرخات الشعبية المطالبة بحقوقها وباستقالة الحكومة والعهد. وأخذت ترتفع حتى وصلت إلى يوم الثورة الثالث.

"ثورة فرح" ودبكة ورقص

غنى مارسيل خليفة اليوم أغنياته الثورية أمام الحشود في طرابلس، فازداد المتظاهرون نشاطاً وثورة وانتفاضة.

وفي الأمس وقبل أنّ "يولع الـDJ الجوّ" انتشر فيديو لمجموعة من الفنانين والممثلين على وسائل التواصل الاجتماعي ضمّ كلاً من الممثل بديع أبو شقرا، عبدو شاهين، الممثلة لما مرعشلي، هند باز، المخرج إيلي حبيب والفنان زياد الأحمدية الذي عزف لهم على العود أغنية "شيّد قصورك" للشيخ إمام. وغيرهم الكثير من الفنانين والممثلين الذين شاركوا ومازالوا يشاركون في الاعتصامات الشعبية والتظاهرات، مشيّدين بذلك سياجاً فنيّاً موحداً إلى جانب سياج رجال الدين والسياج الشعبي حول لبنان.


واعتبر بديع أبو شقرا في حديث إلى "النهار" أنّ هذه "ثورة فرح لم يشعر به اللبنانيون منذ زمن بعيد، وشعروا أنّهم كلمة واحدة وهكذا يتغاوى البلد أمام الكون، وسقف اللبنانيين أصبح أكثر ارتفاعاً بمطالبهم وإثبات وجودهم وقرارهم". سألناه إلى أين تتوقع أنّ يصل اللبنانيون بحراكهم؟ فردّ فوراً: "لا أريد أن أتوقع، بل أريد البقاء في الشارع، والبلد للناس وسنبقى في الشارع ضدّ السلطة الحاكمة أجمع لأن حتى المعارضة في السلطة الحاكمة هي مصالح مشتركة معها وهما سيّان والدليل على أنّ هذا النموذج لم يعد يصلح في لبنان هي وقفة المواطنين في وجههم". ولفت أبو شقرا إلى أنّ "تدخل الحكام وإجهاض التحركات هو أمر خطير، وإذا اضطر الأمر لا يمانعون باستعمال العنف مع الشعب وهذا كان واضحاً. لكن الجرف الشعبي لن يسمح لأحد بزعزعته"، مؤكداً مشاركته اليومية بالتحركات الشعبية التي لا تقتصر على مركز معيّن أو منطقة مخصصة، مشدداَ على "أهمية التظاهرات التي تحصل في الضيع والمناطق النائية التي حاولت السلطات القديمة نفيها لأجل استمرار سيطرتها عليها، فجزء من لامركزية التظاهرات هي حالة لدعم الأرياف".


وفي بعلبك تشابكت الأيدي في حلقة الدبكة. أمّا في صور فرفرفت الأعلام اللبنانية على متن قوارب في البحر وعلى الشاطئ، على وقع الأغنيات الثورية. في عاليه حشد المتظاهرون رافضين خرقهم من قبل الطابور الخامس التابع للأحزاب السياسية. وفي عزّ اندلاع الثورة دخلت العروس داليا بفستانها الأبيض وحمل العريس مجد العنداري على الأكتاف وشاركا في يوم فرحهما المتظاهرين في يوم ثورتهم. ورغم انخفاض عدد المعازيم من 800 شخص إلى 300 شخص فقط، أكّد العريس لـ"النهار" من مطار بيروت الدولي عدم قدرة معازيمه على الوصول "بسبب الأوضاع الراهنة وإقفال الطرقات، ولأن الحجوزات قد تمت مسبقاً" لم يغير العروسان موعد فرحهما. أما العروس فقالت لـ"النهار" إنّه "نعم نحن نحتفل بفرحنا لكننا متضامنون مع أخوتنا في الوطن ضدّ جميع السياسيين فيه. ولنؤكد أنّه لا شيء يستطيع منع اللبنانيين من العيش والفرح"، معربة عن خوفها من المستقبل "وإمكانية استمرار العمل والإنجاب وتربية الأولاد إذا استمرت الأوضاع المحلية على ما هي عليه". وتمنيا قبل مغادرتهما إلى إسطنبول "استمرار الشعب بوقفتة الثورية وإصراره على تنفيذ مطالبه التي هي حق كل لبناني". واليوم في الجيّة عرسٌ آخر تزفه الأغنيات الثورية وثوب زفاف أبيض آخر بين الأعلام اللبنانية.


حسم 30% لكل شخص يحمل العلم اللبناني

وأيضاً في مدينة عاليه أقفلت أبواب المحال تزامناً مع التظاهرات. وتشجيعاً لتوحيد العلم اللبناني وحده على الساحة، قام أحد أصحاب المقاهي الواقعة بالقرب من مستديرة عاليه (علي المغربي 26 عاماً) بحسم 30 في المئة لكل متظاهر يريد الاستراحة وبيده العلم اللبناني. ويقول علي إنّ "هدفنا تشجيع العالم على التظاهر في هذه المنطقة، وفي الوقت نفسه نوفر للمتظاهرين مكاناً للاستراحة، ولا نستغل الوضع لأجل الربح المادي". ويضيف مبتسماً "البعض من الزبائن لم يكن يعلم بموضوع الحسم فكان يصل متعباً وما إن تصله الفتورة وعليها حسم مع إشارة الموظف إلى أن سبب الحسم هو العلم اللبناني بيده، يعود إليه النشاط ويعود إلى مركز الاعتصام وهو يهتف "ثورة". بالإضافة إلى تشجيع المتظاهرين على طريقته يؤدي صاحب القهوة واجبه الوطني ويشارك بالتظاهرات في الأماكن التي يستطيع الوصول إليها. في اليوم الأول شارك في عاليه ويومي السبت والأحد شارك في رياض الصلح، لافتاً إلى أنّه سيستمر في التظاهر إلى أن تنفّذ مطالبهم "إسقاط الحكومة والعهد، استرجاع الأموال المنهوبة وهي من حقنا، محاسبة الفاسدين،العيش بكرامة وعدم قمع الحريات وكلنا وراء صرخة الجوع وفي وجه كل سياسي فاسد".


وأثناء الحديث مع علي، يصل إلى الكافيه متظاهر (طارق زيد 37 عاماً) كان في ساحة رياض الصلح وعندما سمع محور حديثنا اقترب وهو يقول: "هلق كنت بالمظاهرة، صار شي هون؟ كل العالم تحت؟"، يسأله صاحب القهوة: "معك علم لبناني؟" يجيب: "إيه بالسيارة"، يضيف صاحب الكافيه "30 في المئة حسم لعيونك". طارق هو صاحب شركة هندسة ومقاولات أقفل مكتبه في عاليه في أوائل هذه السنة بسبب الوضع الإقتصادي السيئ، "وزاد الطين بلة أزمة الدولار"، مشيراً إلى أنّ سبب مشاركته في التظاهرة هو اقترابه من هاوية الإفلاس وبسبب البطالة المقنعة المهيمنة على غالبية اللبنانيين "حان وقت استرجاع بلدنا واستثمار شهاداتنا داخله، كفي تهجير، كفى ذلّ". شارك طارق في تظاهرات بحمدون، عاليه وبيروت، راجياً أن يمدهم الله بالقدرة على الصبر والتحمل لاستكمال خطواتهم في الشارع "لنشوف مين نفسه أطول، وما رح نترك الشارع غير ما تتنفذ مطالبنا". وبالنسبة لسلسة الإصلاحات التي اقترحها الرئيس سعد الحريري اعتبر طارق أنّ "لتاريخ اليوم هي وعود كاذبة وتنفيذها يحتاج للكثير من الوقت فهل نستطيع الانتظار كي تتحقق؟"، مضيفاً أنّه "منذ بداية العهد لم ينفذ أي شيء من الذي وعدنا به ووعودهم الجديدة ستكون كسابقها ونحن انعدمت ثقتنا بهم". ويأخذ نفساً عميقاً من نرجيلته.


شارك في التظاهر بـ"قتلة"

يقول زبون في أحد المتاجر في منطقة صوفر إنّ "الشعب غير قادر على تغيير الطبقة الحاكمة منذ سنوات". تقاطعه عقيلته "يوسف جيب دخاناتك وبلا سياسة هلق". فيكمل دون أن يكترث لمحاولة زوجته إبعاده عن تورطه، قائلاً: "هي طبقة فاسدة جوعتنا وبدها تموّتنا" فيجيب مالك السوبر ماركت رائد (48 عاماً) "ما في شي رح يتغيّر".

وأشار رائد الذي شدد على عدم ذكر اسم عائلته إلى أنّ "هذه التظاهرات مسيّرة ولن أشارك في أي نوع منها". أجاب عن سؤال: من يسيّر متظاهرين يحملون علم وطنهم فقط؟، "العقوبات الإقتصادية التي فرضت على لبنان، نعاني الأمرّين منذ زمن بعيد لماذا الآن قرر الشعب أن ينتفض؟". وفضل عدم إكمال النقاش بمجرد استعراض الأوضاع التي أدت إلى طفحان الكيل وانتفاضة اللبنانيين.

واعتبر شحاذة البنا وهو مالك ملحمة في منطقة شارون أنّ مشاركته في الاعتصامات ستؤدي إلى تأثر مصلحة مهنته "إذا أقفلنا يوماً واحداً ننام دون عشاء"، متمنيّاً لو يستطيع المشاركة لأن "البالون انفجر والأوضاع المعيشية الصعبة أركعت الجميع"، محملاً المسؤولية إلى "زعمائنا الذين ورِثوا ووَرّثوا مناصبهم السياسية، ويجب تغيير النظام والطاقم السياسي من رأس الدرج ونزولاً".



آخر محطة كانت في فرن متواضع، أيضاً في قرية شارون. صاحب الفرن سوري الجنسيّة وقد شارك في إحدى التظاهرات بتلقيه "قتلة" من قبل المتظاهرين. يروي سامي محمد عساوده وهو أب لثلاثة أطفال أنّه يقوم بتوزيع الخبز عند الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر كل يوم، متنقلاً على درّاجته النارية وأثناء عودته فسح له المتظاهرون الطريق كي يمرّ وبعدها أوقفه متظاهر طالباً منه أنّ يقله إلى صوفر، وبعد أنّ أقله بما يقارب الـ 50 متراً "سألني من أين أنا وأجبته أنني من سوريا فطلب مني التوقف وقام بدفعي أرضاً وهجم علي أربعة شباب لا أدري من أين أتوا وقاموا بضربي، وجود عناصر أمن الدولة والجيش أنقذني من بين أيديهم فسرعان ما اقتربوا وأبعدوهم عني بواسطة أسفل أسلحتهم". عناصر الأمن أدّت إلى هروب المعتدين على أحمد الذي أكّد "عدم تعرضه بتاتاً ولا بأي طريقة للمتظاهر الذي أقله على دراجته النارية، مشيراً إلى أنّه "بأقرب فرصة سيترك لبنان" ويعود إلى بلده خوفاً من تعرضه لهكذا مواقف مرة أخرى.

هي ثورة شعب اختنق من الفساد ومن فرض الضرائب والبطالة والتنمر وعدم تقدير الحكام لكونه إنساناً. شعب ينتفض، معارضاً مشاركة الطوابير الخامسة لساحته. لكن هل الطابور الخامس هو من يرفع الأعلام الحزبية فقط؟ ما هو مصير الثورة اللبنانية التي تطالب بتمتع المواطن بأبسط مقوّمات الحياة؟ الأيام والساعات المقبلة تحدد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم