الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"تابوت العهد" بل تابوت العهد والفساد والنظام

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
"تابوت العهد" بل تابوت العهد والفساد والنظام
"تابوت العهد" بل تابوت العهد والفساد والنظام
A+ A-

كان عليكم أنْ تسهروا طويلًا تحت سماءٍ نكراء، وأنْ تنقّبوا عميقًا في جمر الأوجاع غير القابلة للاحتمال، لتعثروا على مسمارٍ ملائم.

عندما قيل إنّكم عثرتم عليه، كان ينبغي لكم أنْ تطرقوا المعدن طرقًا مهيبًا، لا لتدجّنوه أو لتروّضوه، ولا خصوصًا لتنالوا من كرامته المشاكسة، بل فقط لترهّفوا عقله الباطن، ولتمسحوه بالزيت، ولتدهنوه، وتطيِّبوه، من أجل أنْ يكون صالحًا في لحظة الصعق لإنجاز المهمّة المستحيلة.

إنّكم تعملون بدقّةٍ وبصبرٍ وبطول أناة. يا لكم نحّاتين صابرين.

ليلُكُم موصولٌ بنهاراتكم المضنية. لن نشتّت انتباهكم، ولن نطلب منكم أعمالًا أخرى، لئلّا يقع المسمار في غير موقعه.

هذا الشغل الطيّب الأنيق، لا يتطلّب انفعالًا أهوَج، ولا عنفًا متوتّرًا أو موتورًا.

هذا الشغل الطيّب الأنيق يتطلّب فقط حضور الروح بنسائمه، ويتطلّب انشغال الكلّ بالكلّ، واندراج الكلّ في الكلّ، بحيث يستحيل على الحواسّ أنْ تنجز عملها المتقن بدون أنْ ينضمّ بعضها على بعض، وبدون التئام كيمياء الانسجام بين حنكة العقل وذكاء القلب.

نحّاتون، وتعرفون عدّة الشغل، وتعرفون أنّ غبارًا لئيمًا يتصاعد في فضاء عيونكم، وسيتصاعد أكثر وأعمق، وقد يفسد عليكم الإمساك بتلابيب الرؤية لوضع المسمار في موضعه اللائق والأنيق.

لكنّكم تحدسون طرق العبور حدسًا، وترون بالشغف ما لا يُرى بالعين.

ها أنتم تتفادون الارتطام بتلك العروق الدفينة في جسد الذهب والخشب، وها أنتم تأنفون المساس بها، لا خوفًا أو تهيّبًا، بل فقط لئلّا يتوسّع التضيّق اللازم في النفق، فيفضي إلى تسلّل هواءٍ مسموم، أو إلى انزياح المسمار عن خطّ المسار.

نحّاتون شغّيلة، تعملون ليل نهار. وجدانُكُم الجمعيّ موصولٌ بفكرةٍ لا تحتاج إلى هواءٍ معلنٍ لتندلع في كلّ مكان.

قد تحتاجون إلى جولةٍ أخرى من التعب الجمعيّ، أو إلى جولاتٍ متواليات.

وقد تحتاجون إلى ليالٍ عميقةٍ موصولةٍ بليالٍ ولا أعمق.

وقد تحتاجون إلى عبقريّاتٍ غير مسبوقة، من أجل استدراج الأمل إلى الصهوة العليا.

لكنّ المسمار يدخل رويدًا رويدًا في نخاع الليل، وفي نخاع الذهب والخشب.

إنّه يدخل، ببطءٍ وتؤدة، أيّها الأحرار، وقد يتباطأ، لكنّه يدخل حقًّا وحقيقةً. فإيّاكم أنْ تخطئوا التهديف، أو تحرِّفوا المسار.

مسمارُكم أمينٌ، هادفٌ، وعارفٌ مصيره. فيا لمواهبكم، ويا لمواهب هذا المسمار!

إنّه، كمَن يسيل في الباطن.

وكنبعٍ يجري كالأنهار.

وهو، كمَن يشقّ ذهبًا أعمى، أو عتمةً بكماء.

وهو، كمَن يحفر هواءً واطئًا وثقيلًا في باطن العدم.

تعملون، أيّها النحّاتون الأشاوس، على الأرض، وفي كلّ مكان.

لن يفلت المسمار من أزميلكم، ولا تابوت الذهب أو الخشب.

وأنتم ستدقّون المسمار دقًّا مهيبًا في النخاع الشوكيّ لهذا العدم.

وسيأتي الوقت الذي ترتّبون فيه التابوت، ليليق بالمقام الرفيع.

وإذا كان التابوت، على قول الكتب، هو "تابوت العهد"، فالتابوت المقصود هنا، هو تابوت النظام، بل، وأيضًا، تابوت العهد والفساد والنظام، أيّها الأحرار.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم