لماذا أكون معه او ضده؟ هل يستطيع هو أو حزبه وحدهم القيام بالإصلاح المنشود؟ هل نستطيع ان نحاسبه ونحاسب فريقه علماً انهم ليسوا الوحيدين من يدير البلاد؟ لا أحد ابتداء من فريق رئيس الجمهورية او الوزراء او النواب قادراً على التغيير أو تحمل المسؤولية وحيداً. فمن يحاسب من؟ ومن يتحمل مسؤولية فشل هذا البلد والمآل الذي وصلناه؟
بالتأكيد: لا جواب شافياً. الكل سيتراشق التهم ولن نصل الى مكان، وفي الوقت نفسه لا أحد مستعداً للابتعاد عن السلطة والتخلي عن قطعة الجبنة. الحكم لسنوات يتم بالتراضي، فليس من فريق واحد يسرق ولا وجود لاستراتيجية ثابتة لتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي. البلد منذ 1990 يدار على مبدأ توزيع السلطة بين المحظيين. صحيح أن بعض الوجوه لم يتغير لكن الواقع أيضاً أن أحداً لم يحاسب برغم كل الشعارات التي ترفع عن محاربة الفساد. هذا النظام، إذاً، مكون من أغلبية العاملين في الشأن السياسي وممثلي الطوائف وقادت الأجهزة الأمنية والإدارات العامة: نظام المحاصصة وكل من يقبل فيه واقعاً ويتعامل معه على انه مصيرنا وقدرنا بسبب التوزيع الطائفي في تقاسم السلطة.
علينا ان نغير منطق قراءتنا للأحداث وتحليلنا للوقائع، فنستطيع ان نضع خطة عمل تنهض بهذا الاقتصاد المتداعي. فحتى الان الجميع هو سبب مباشر ومشارك في هذه الأزمة وتفاصيلها من خلال مشاركته في صنع القرار.
علينا ان ندير البلد على القاعدة البسيطة لإدارة الأعمال والمال، فالتلهي في التقاتل الداخلي لا يساعد في تحسين صورة هذه الأزمة القبيحة بل يزيدها قباحة. لا يوهمنا احد اننا اقوياء كرماء نعيش بعزة، فبعيدا عن النقاشات الأفلاطونية لهذه التعابير، الفقر ذل والمرض قهر وخنوع والتعب حزن والحاجة عبودية وتبعية.
الجميع حاول وفشل وما زال يبرر، ليس هناك محاولة جدية وحسية لمحاربة الفساد والدليل على انه لم تُجرَ أي محاسبة حقيقية لأي فاسد ولا توقف الإهدار أو عولج. نحتاج لنفس جديد، لحكومة اختصاصين وخبراء إدارة أزمات ونحتاج ان نعطيهم القدرة والحماية فيأخذون قراراتهم باستقلالية وينظفون الاهتراء الحاصل في المؤسسات. اما عملية اصلاحية وأما التقسيم ليس على أساس طائفي بل على مبدأ الاختيار بين المضي تحت قيادة الطبقة الحالية وبين صنع جيل قيادة جديد.
إن حصل التقسيم واستحال واقعاً على الأرض، فلنؤسس دولة جديدة في مكان ما تدعى لبنان الجديد. دولة يكون المساهمون فيها من أبناء هذا البلد، مقيمين ومغتربين، نشتري قطعة أرض ونهندس بلدنا على أساس قيمنا لكن بشفافية وتبعاً لنظام عصري مستوحى من تجربة اللبنانيين حول العالم. تخيلوا معي: نظام لبناني علماني على أرض جديدة يمزج بين خلفيتنا المشرقية وانفتاحنا على الغرب وعالم اليوم. نظام يجمعنا ويحد من تشردنا، يبدأ صغيراً ليكبر ويصبح فاعلاً دولياً وسياسياً ويمتلك القدرة خلال 10 سنوات على مد يد العون إلى البلد الأم. نظام يكون القدوة والمثال لقدرات اللبنانيين على النجاح في التجربة السياسية والاجتماع حول مبادئ موحدة للحكم. نظام يؤسس لحياة كريمة ويوحد قوتنا الكبيرة المشردة بين أصقاع الأرض... فنحن نمتلك من دون شك قوة قادرة على صنع دولة جديدة...