الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

قراءة في أسباب إنشاء المنطقة الآمنة

مهى سمارة
قراءة في أسباب إنشاء المنطقة الآمنة
قراءة في أسباب إنشاء المنطقة الآمنة
A+ A-

وسط غموض وتناقض المواقف، يقدم الرئيس التركي رجب طيب #إردوغان على مغامرة غير محسوبة العواقب بإنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا: بناء حصوله على ضوء أخضر من الرئيس ترامب.

وكعادته اشترط ترامب ألا يتجاوز أردوغان الحدود التي رسمتها واشنطن أي التقيّد بـ5 كلم عمقاً و120 كلم طولاً للحفاظ على أمن تركيا، وإذا خالف أردوغان التعليمات وتجاوز الحدود هدّد ترامب "بتدمير ومحو الاقتصاد التركي".

وتتحدث مصادر صحافية أميركية بأنه لا يوجد اتفاق بين ترامب وأردوغان بل جرى نقاش بينهما على هامش اجتماعات الدورة 74 التابعة للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، على أن تستأنف المشاورات عند زيارة أردوغان لواشنطن في منتصف تشرين الثاني.

ترامب يغامر ويأمل أن يخرج تركيا الشريك التجاري الكبير لواشنطن من الحلف الإيراني - الروسي، بصفقة، فيغري أردوغان بجبنة المنطقة الآمنة التي تخضع لتفسيرين متناقضين، التفسير الترامبوي الذي يريدها عملية عسكرية محدودة عكس أردوغان الذي يريدها واسعة تمتد على طول الحدود التركية السورية، بمسافة 450 كلم وعمق 35 كلم أي السيطرة على مساحة واسعة تقدّر بـ14,000 كلم داخل الأراضي السورية.

ولمّا كان الرئيسان ترامب وأردوغان متشابهين بالشعبوية والغموض في المواقف، فمن الصعب التكهّن من يبلف مَن، ومن اشطر من الثاني ومن يقول الحقيقة!!

ترامب الذي يصارع للبقاء في البيت الأبيض لدورة ثانية وإبعاد كأس العزل والمحاكمة، هدفه الأول والأخير إنقاذ نفسه والابتعاد عن "الحروب السخيفة والقبلية" التي تعود إلى مئات السنين" على حدّ قوله. لذلك نجد تناقضاً في الموقف الأميركي الرسمي الذي لا يريد أن تكون أميركا شرطياً في الشرق الأوسط ولا يؤيد بقاء الجنود الأميركيين (2000 عنصر) في شمال شرق سوريا. كما يعترف لاحقاً بأنه لا يريد التخلي عن الأكراد حلفاء أميركا المخلصين في دحر وهزيمة داعش...

من جهة أخرى، نجد أن الاستبلشمنت الأميركية المؤلفة من البنتاغون والكونغرس والإعلام يخالفون ترامب بعدم الانسحاب من شمال شرق سوريا ويؤيّدون حماية الأكراد وعدم خيانتهم وضربهم من الخلف لأنهم أخلصوا لأميركا وحاربوا بشجاعة عناصر داعش. والصيغة التي توصّلت إليها الإدارة الأميركية بعد تدخل صريح من قيادات الحزب الجمهوري وعلى رأسهم عضو مجلس الشيوخ وصديق ترامب الشخصي ليندسي غراهام إبقاء الجنود الأميركيين في شمال شرق سوريا وإعادة تموضعهم حماية لحقول النفط والغاز وعدم تعرّض قوات سوريا الديموقراطية أي الأكراد إلى السوء.

والأرجح أن واشنطن انسحبت من الحدود التركية - السورية وأبقت على عناصر معدودة مراقبة تشترك مع القوات التركية في طلعات جوية.

وتستكمل مغامرة أردوغان خلطاً للأوراق ومعرقلاً للحلّ السياسي للحرب السورية الذي تتبناه موسكو والتي لم تطلع من الاميركان ولا الأتراك عن إعادة تموضع القوات الأميركية. موسكو على لسان وزير خارجيتها أبدت تفهّماً لدواعي تركيا الأمنية ورحّبت بإعادة التموضع الأميركي وباستنجاد الأكراد بالنظام السوري وروسيا بعد التخلّي الأميركي عنهم.

والأكراد هم الخاسرون الرئيسيون في عملية المنطقة الآمنة التي تقضي على حلمهم بإقامة كيان كردي "راجافا" Rajava، خصوصاً أن مغامرة أردوغان هده تختلف عن العمليات السابقة كغصن الزيتون ودرع الفرات، إذ يتعمّد السيطرة على مدن رأس العين وتلّ ابيض وكوباني، لذلك تلوح الميليشيات الكردية باستعمال ورقة داعش، إذ تستضيف "قسد" نحو 2500 داعشي في سجونها. فإذا انحشر الدق مع الأكراد قد يطلقون سراح الداعشيين ويعود داعش لاعباً خطيراً ضد الجنود الأميركيين بالدرجة الأولى والمدنيين العزّل لأنهم سيعيدون سيطرتهم على المناطق التي يعرفونها جيداً. وهذا أمر بالطبع لا تحبذه أميركا ويحتّم على تركيا معالجة ومراقبة وضع داعش الطارئ، أي عودة إلى داعش يعني مزيداً من هرب المدنيين وتوجّه النازحين باتجاه أوروبا. عود على بدء.

لذلك تبدو المغامرة محفوفة بالمخاطر والتطورات غير المتوقعة، البنتاغون والاتحاد الأوروبي حذّرا تركيا من البدء بهذا الغزو لأنه مخالف للقوانين الدولية، دولة تعتدي على دولة أخرى وتقيم شريطاً حدودياً في أراضي الغير بقوة السلاح تماماً كما فعلت إسرائيل في جنوب لبنان. إيران اللاعب الرئيسي الثاني في سوريا بعد روسيا رفضت واحتجّت على العملية كما رفضها النظام السوري واعتبر الخطوة التركية احتلالاً.

يقف الرئيس أردوغان وحيداً في مشروع المنطقة الآمنة الذي يريدها على طول الحدود مع سوريا وبعمق يتجاوز 30 كلم. يدعي أردوغان أنه مضطر لإقامة هذه المنطقة كحل لمشكلة النازحين السوريين الذين يبلغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف المليون نازح. عندما تكلم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك أخيراً عرض أردوغان مشروع المنطقة الآمنة وبيّن خطط وخرائط وتكاليف المشروع. لم يكترث أحد ولم يلقَ تجاوباً بل رفضاً أميركياً وروسياً.

ما لم يفصح عنه أردوغان بأن النازحين السوريين هم حجّة استعملها لإقامة المنطقة الآمنة، بينما المقصود والهدف إقامة "ممر سلام عربي سني في شمال سوريا يفصل أكراد سوريا عن أكراد تركيا ويفصل علويي تركيا عن علويي سوريا". أردوغان ويحظى تصرّف أردغان بتأييد حليفه حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهشلي الذي يرى في المنطقة الآمنة سدّاً منيعاً لقيام حكم ذاتي كردي في شمال شرق سوريا ويمنع امتداده واستنساخه مستقبلاً في تركيا.

أردوغان الذي يواجه معارضة قوية داخل حزب العدالة والتنمية بعد انشقاق أقرب المقرّبين إليه ونجاح المعارضة ممثلة بالحزب الجمهوري بالسيطرة على بلديات مدن تركيا الكبرى وفضح قصص رُشى وفساد في البلديات التي كان حزب العدالة والتنمية مسيطراً عليها، اضافةً إلى الأزمة المالية الاقتصادية وتدهور أسعار صرف الليرة التركية وضعت أردوغان في موقع ضعيف داخلياً وانه مضطرّ للبقاء في تحالف مع حزب الحركة القومية، العنصرية والشديدة الكره للاكراد والتي باتت تشكّل الدولة العميقة.

وبعد انقلاب 2016 الذي اتّهم فيه أردوغان جماعة فتح الله غولن، أجرى تغييرات وتعديلات ضخمة في الإدارة والجيش والأمن والجامعات فأدخل عناصر محسوبة على حزب الحركة القومية وأطلق لهم العنان لشنّ حملات أمنية انتقامية ضد الأكراد وجماعة غولن.

وبرأي بعض المصادر الصحافية التركية، أن التيار القومي يحاصر أردوغان ويضغط عليه لتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة رافعاً شعار "بقاء تركيا" لأن قيادة الحزب تعرف أن منافسيه السياسيين يسعون لحلّ القضية الكردية سياسياً وتبني اللامركزية والديموقراطية لمصلحة مجالس محلية موزّعة على الإقليم.

وفي شهر تشربن الثاني المقبل سيعقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره السنوي، والأنظار تتجه لما سيعلنه أردوغان علّه يفجّر قنبلة سياسية بالعودة إلى مشروع المصالحة الذي بدأه بين 2013-2015 عندما توصّل اردوغان إلى اتفاق لوقف النار مع حزب العمّال الكردستاني لفترة سنتين ونصف سنة ساد خلالها الهدوء في جنوب شرق تركيا وتنشطت المفاوضات للتوصل إلى تسوية تنهي 30 سنة من الحروب.

وخطر مثل هذا السيناريو هو احتمال قيام التيار القومي بالانتقام من أردوغان والغدر به، خصوصاً أنهم يعتبرون أن أي حلّ سياسي للقضية الكردية تعني تقسيم تركيا وتفكيكها.

أردوغان ثعلب سياسي يعرف حدود المغامرة ويعي أهمية التحذيرات المتعددة الاتجاهات ويدرك خطر تجاوز الحدود المرسومة والمقبولة. فهل يكتفي بشريط حدودي ضيق وليس منطقة آمنة واسعة تحمي أمن تركيا وتتحول إلى موطن للنازحين السوريين. المشروع الذي عرضه في نيويورك تحدث أردوغان عن إنشاء مدن وقرى جديدة لإسكان النازحين بقيمة 150 مليار دولار أميركي تتولى شركات الهندسة والمقاولات التركية إدارتها وتنفيذها. وهذا مشروع عمراني ضخم لا نعرف مدى التزام الدول الكبرى والأمم المتحدة بتأمين الأموال اللازمة لإقامته. انها فعلاً مغامرة مجهولة النتائج.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم