الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

دبس الرّمان في القلمون: روائح عطريّة ومذاق طيّب

المصدر: "النهار"
طرابلس- رولا حميد
دبس الرّمان في القلمون: روائح عطريّة ومذاق طيّب
دبس الرّمان في القلمون: روائح عطريّة ومذاق طيّب
A+ A-

عابراً مدينة القلمون الساحلية، خمسة كيلومترات جنوبي طرابلس، تشدّك رائحة عبقٍ عَطِرَة متصاعدة في كل مكان، هي رائحة أبخرة عصير الرّمان. إنه موسم يُطلِق عليه العامة "موسم تدبيس الرمان"، أي تحويل عصيره إلى دبس يختلف عن العصارة بلزوجته، إذ يجفّفه الغليان القوي والطويل، من الماء، ويُبقي على دبس العصارة ليُستخدم مع مختلف المأكولات، ويعطيها مذاقاً طيباً قلما اكتسبتُه بأحماض أخرى.


والقلمون المعروفة بصناعات منزلية كثيرة أبرزها ماء الزهر، وماء الورد، تعتمد على نفسها باستخراج دبس الرمان، طلباً لنوعية جيدة غير مغشوشة بأحماض صناعية كبودرة "ملح الليمون"، أو مصنّعات ومعطّرات أخرى، لكن السكان يشترون ثمرات الرّمان، ويقومون بتصنيعها بأيديهم، على غرار غالبية سكان الأرياف والمناطق الزراعية.

توقف الكثير من السكان عن تصنيعه في السنوات العشر الأخيرة، بحسب الباحث في شؤون القلمون عبد الرحمن قوطه، الذي أجرى بحثاً عن القلمون وماء الزهر فيها، ونال عليه جدارة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية.

يقول قوطه إن "الرمان ليس من مزروعات المدينة، والسكان يحبون تصنيعه بأيديهم كسباً لنوعية جيدة، لكن القلمونيين مهتمون دائماً بتصنيع ماء الزهر، وشتّان بين التعامل مع زهر الليمون، أو مع الرّمان، فالأول رقيق، جميل الرائحة والملمس، طيب على النفس، لكن الرّمان خشن، وتطبيشه متعب، وملوِّن لليد بالأسود، لذلك تفضل غالبية الناس عدم زراعته".

بعد تقدم الحياة، والبحبوحة التي عاشها القلمونيون، أعرضوا عن تصنيع دبس الرمان، وتراجعوا بالتدريج، بينما كانت كل منازل المدينة تصنعه سابقاً لتغذية مؤونتهم به، ولم تبق إلا قلة تعتمده، وبحسب قوطه، فإن "دبس الرمان ليس من المصنوعات التجارية التي تعتمد القلمون عليها".

لكنّ ثمة مشغلاً لتصنيع الدبس، أو التدبيس، صاحبه عصام مصطفى القَصّ، ورث الحرفة عن والده، ويصنع الدبس للتجارة والتسويق.

يقع المشغل تحت معبر الطريق العام الساحلي القديم، قرب مسجد القلمون، وفيه ثبّت القصّ خمسة أوعية ضخمة، كالمراجل، وانتشرت فيه أكياس الرمان الحامض، وتقوم نحو عشر نساء بالعمل فيه، بدءاً من القصّ بالنصف الأفقي، ثم تبدأ العملية التي يطلقون عليها اسم "تطبيش" الرمان، أي ضربه بعصا صغيرة على قفاه، فتتساقط حبيبات الرمان، وتتجمع في وعاء، وتتولى عدة نساء المهمة، ويقوم المعلم حسين بجمع الحبات، ووضعها في برميل قرب معصرة يدوية، حُوِّلت للعمل على الكهرباء.


يصف حسين عمله بأنه يقتصر على صبّ كميات الحبوب في المعصرة، واستخراج العصير، والمتبقي من البذور يهمل في سلة المهملات، ولا يُستفاد منه بأي طريقة، مثله مثل قشور الرمان المفرغة من حبوبها.

تتجمع العصارة في مستوعب كبير عند حسين، ويتولى نقل كميات منها بدلو، ويصبّه في مستوعب ضخم ـ مرجل ـ ويجري تسخين وغلي العصير بنار موقدة تعمل على الغاز، بينما كان المزارعون في السابق يعتمدون فضلات الحطب من الأشجار للغلي. لكن الكمية الكبيرة التي ينتجها القصّ تحتاج لنار متواصلة، ولمدة شهرين تقريباً، تبدأ أوائل أيلول، وتنتهي في الأيام العشرة الأخيرة من تشرين الأول"، بحسب القصّ.

يحتاج العصير لعدة ساعات من الغلي ليتحوّل لزجاً، سميكاً، فيتحوّل دبساً هو المادة المطلوبة من المستهلكين، بنفسجي اللون، تصعب إزالته عن الملعقة إلا عندما يكون بكمية كبيرة وافية.

يصنع القص كمية ٢٠٠ طن من الرمان سنوياً، تُنتج ١٦-٢٠ طناً من الدبس، ويجري تصدير الكمية الأكبر منها إلى الخارج، خصوصاً أوستراليا، ودول الخليج. ويفيد القصّ أن سكان المدينة يشترون لموسم مؤونتهم ١٥٠-٢٠٠ كيلوغرام من الرمان، وهو يشتريه من الأسواق، وغالباً من المزارعين مباشرةً في عكار، أما الكمية الأكبر فمن منطقة "باب الهوا" على الحدود السورية-التركية حيث تنتشر صناعته بكثرة.

لا يكتفي القص بدبس الرمان، فبعد انتهاء موسمه، يحلّ موسم تصنيع الزعتر البري، ثم ماء الزهر وماء الورد، ومصنوعات منزلية أخرى، ويرى في هذه الحرف مدخولاً جيداً يمكن أن يشغّل عشرات المواطنين.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم